هل سرطان الثدي وراثي؟ هل سينتقل إلى الأخوات وبنات العائلة في المستقبل ثم لا يلبث أن يكبر ويصبح أكثر إلحاحا حين تظهر في العائلة الحالة الثانية ثم الثالثة فالرابعة؟ بعض من الأسئلة التي تؤرق العديد من العائلات، حاول خالد فتحي، بروفيسور في أمراض النساء بالرباط، أن يجيب عنها. وعن دور الوراثة في الإصابة بسرطان الثدي، قال البروفيسور فتحي إن "الارتياب في العامل الوراثي ينجم عنه خطآن في السلوك الوقائي للنساء؛ وذلك بشكلين مختلفين، فبعض النساء يهملن إجراء الفحص الإشعاعي الدوري كل سنتين بدعوى أن الأسرة خالية من أي حالة، فيعتقدن أنهن بمأمن، لكن ذلك غير صحيح، فهنّ معرضات لنسبة الإصابة العادية في المجتمع". وأضاف البروفيسور في أمراض النساء أن البعض الآخر من النساء "يُصاب بالهلع الكبير والوسواس المرضي بأنه لا نجاة من سرطان الثدي، لكن ذلك سلوك خاطئ جدا، فحتى لو كان السرطان وراثيا داخل العائلة بسبب وجود الطفرات الجينية، فإن الإصابة ليست آلية، ولو كانت المرأة حاملة للجين المورث للسرطان". وتساءل البروفيسور: "متى نشك أننا إزاء واحدة من الحالات العشر التي يقول الطب إنها وراثية في سرطان الثدي؟"، قبل أن يمضي بالقول: "هنالك مواقف عدة ينتبه أمامها الطبيب إلى إمكانية وجود جين مورث أو طفرة جينية ضارة مسؤولة عن استفحال السرطان داخل عائلة معينة". العوامل العائلية تُصنّف ضمن مُسببات سرطان الثدي، وفق البروفيسور، من قبيل: "إصابة 2 أو 3 أقرباء من الدرجة الأولى بسرطان الثدي، سواء من جهة الأم أو الأب. وتؤخذ بعين الاعتبار كذلك حالات الذكور، بل يتم احتساب إصابة الرجل بإصابتين، ثم إصابة الأم والأخت معا بهذا السرطان قبل سن اليأس". وفي حديثه عن المسببات العائلية، قال: "أن يكون أحد أفراد العائلة قد عرف عنه أنه حامل للجين المورث لسرطان الثدي، وكذا أن تكون هناك حالات شائعة لسرطان المبيض داخل العائلة، خصوصا تلك المترافقة مع سرطان الثدي". كما أرجع البروفيسور في أمراض النساء سرطان الثدي إلى ما أسماه بالعوامل الذاتية، موردا: "أن تصاب المرأة بسرطان الثدي قبل 35 سنة، فهي إشارة إلى تورط الوراثة التي تعجل بالسرطان، فضلا عن الإصابة ببعض الأنواع التشريحية لسرطان الثدي، وكذا عندما يكون المريض بسرطان الثدي رجلا؛ لأن الإصابة عند الرجال نادرة تناهز فقط واحدا من كل مائة إصابة، لأن كتلة الثدي عند المرأة أكبر كثيرا من الرجل، ما يرفع نسبة الإصابة لديها". وأكد المتحدث، في سياق استعراضه للمسببات الذاتية لسرطان الثدي، أنه يجب استحضار أيضا "ظهور السرطان لدى المرأة بكلا الثديين الأيمن والأيسر، إما بشكل متزامن أو متلاحق، إلى جانب ظهور عدة بؤر أولية لسرطان الثدي في ثدي واحد في الوقت نفسه أو بشكل متوال". وشدد فتحي على أن "معارفنا تطورت كثيرا في فهم الميكانيزمات الوراثية لسرطان الثدي، حيث أصبح هنالك مختصون في فك شفرة وراثة سرطان الثدي، لهم القدرة على إسداء النصح للمرشحين وراثيا للإصابة به"، مبرزا أن "تعدد الإصابات لدى المرأة الواحدة وحدوثها بشكل مبكر قبل سن اليأس، إلى جانب وجود حالات قريبة داخل العائلة، يشير إلى أن هنالك عاملا محفزا لنشوء السرطان، يكون في الغالب الطفرة الجينية المورثة التي تنتشر لدى بعض نساء وذكور العائلة". وفي حديثه عن كيفية حدوث الطفرة المورثة للسرطان، قال فتحي إن "الحمض النووي هو مجموع الجينات، على أساس أن الجين عبارة عن تسلسل معين ومضبوط لحروف يمكن قراءتها من طرف العلماء، ومن ثمة تكون الطفرة هي وقوع خلط في ترتيب هذه الحروف؛ بمعنى أن الطفرة عبارة عن خطأ إملائي طرأ في الجين، ما يؤدي إلى انتقالها عبر الأجيال". وتابع قائلا: "إن حمل الطفرة يعني فقط أننا أمام قابلية للإصابة بسرطان الثدي، ما يعني أن هنالك استعدادا وتأهبا وراثيا للتعرض لهذا السرطان، ذلك أن معرفتنا بوجود هذه الطفرة تمكن من تطوير توقعاتنا لأفراد العائلة"، مردفا: "من الواضح أن معرفة الطفرة الضارة في عائلة معينة تفيد في تركيز الاختبار الجيني عند أفراد تلك العائلة حول تلك الطفرة". ودعا المصدر عينه إلى "تشجيع البحث العلمي في الدول السائرة في طور النمو، من ضمنها المغرب، للخلوص إلى تحديد الطفرات الخاصة بكل شعب على حدة"، موردا أنه عندما "يشك الطبيب تبعا لمعطيات إكلينيكية بأن هناك احتمالا لوجود عامل وراثة لدى بعض العائلات، فإنه يرسل المريض أو حتى الشخص السليم إكلينيكيا لعيادة وراثة السرطان". وأوضح أن "الاختصاصي يرسم شجرة مرض السرطان عند عائلة هذا الشخص، ثم يجري الطبيب بعض الحسابات، ليقرر في نهاية الاستشارة ما إذا كان هناك أي احتمال بوجود جين مدسوس داخل العائلة يرفع القابلية والاستعداد للإصابة بسرطان الثدي والمبيض معا. فإذا ما تبين أن الخطر ضعيف، يتم العزوف عن هذا الاختبار الجيني. وإذا كان الخطر قائما، يقترح الطبيب المضي قدما في البحث عن هذه الطفرة الضارة المحتمل وجودها".