حلم الهجرة إلى "الفردوس الأوروبي" لا يزال يراود المئات من الأطفال الصغار المغاربة، الذين يفضّلون ركوب قوارب الموت أو الدخول سريا إلى مدينة مليلية المغربية المحتلة من قبل الإسبان للوصول إلى دول أوروبا، بحثا عن أمل جديد في الحياة ورغد العيش. مشاهد تلك القوارب التي تنقلب من حين إلى آخر وسط أمواج البحر الأبيض المتوسط، والتي تؤدي إلى وفاة العشرات منهم قاصرون يحلمون بالوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط، لم تثن العديد من جميع أقاليم المملكة المغربية عن مواصلة البحث لتحقيق حلم الوصول إلى أوروبا. عدد من الفاعلين الحقوقيين كشفوا لهسبريس أن عودة ظاهرة هجرة القاصرين تتحمل مسؤوليتها أجهزة الدولة، نتيجة فشل سياسات التكفل بالشباب؛ وهو ما يجبر هؤلاء على اختيار الموت بدل العيش في جحيم الفقر والحاجة في بلادهم. ولم يخفِ مصدر رسمي تحدث لهسبريس أن ظاهرة الهجرة السرية للأطفال بزاكورة تزايدت بشكل كبير، مشيرا إلى أن القيادات والملحقات الإدارية المنتشرة بالإقليم تستقبل يوميا طلبات من آباء يرغبون في إنجاز بطاقة التعريف وجواز السفر للقاصرين؛ وهو ما يستدعي تضافر جهود جميع المتدخلين من أجل وضع نهاية لهذه الظاهرة أو التقليص منها. إقليم زاكورة نموذجا لوحظ في الأشهر الأخيرة عودة قوية لظاهرة الهجرة السرية بإقليم زاكورة، الواقع جنوب شرق المغرب، سواء تعلق الأمر بالأطفال الذين يركبون قوارب الموت أو من يدخلون سرا من معابر مليلية أو سبتة أو عبر طرق أخرى. عبد الحميد أسنغم، فاعل حقوقي ناشط بإقليم زاكورة، أكد أن الأرقام المتعلقة بخصوص هجرة أطفال إقليم زاكورة نحو أوروبا ارتفعت بشكل مخيف في الأشهر الأخيرة، مرجعا ذلك الارتفاع إلى ما سماه "الفقر والمعاناة وغياب فرص الشغل"، مشيرا إلى أن كل هذه الأسباب تدفع عائلات بأكملها إلى التفكير في "الهجرة". وأضاف المتحدث لجريدة هسبريس الإلكترونية: "هذه الظاهرة أصبحت منتشرة بإقليم زاكورة، وأغلب شباب هذا الإقليم يفكرون في الهجرة بحثا عن حياة جديدة، حيث يكفي زيارة معابر مليلية أو سبتة للوقوف على حقيقة الأمر". وفي الوقت الذي حمل فيه الناشط المدني مسؤولية الهجرة السرية للدولة، أكدت خديجة تاكنيتي، فاعلة جمعوية بمدينة زاكورة، أن المسؤولية لا يمكن تحميلها فقط للدولة؛ بل أيضا الفعاليات المدنية لها نصيب في ذلك الوضع كما للمؤسسات الدينية والإعلام نصيب أيضا، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة تتزايد بشكل مقلق؛ وهو ما يستوجب تحرك الجميع لمحاصرتها. ولفتت الفاعلة الحقوقية إلى أن هذه الظاهرة الاجتماعية أخذت أبعادا خطيرة في الأشهر الأخيرة، خصوصا بعد تداول صور جثث ل"حراكة" ابتلعهم البحر، بعد غرق قواربهم في البحر، وصور قاصرين في بوابة مليلية وسبتة يبحثون عن أي وسيلة للعبور نحو "الفردوس الأوروبي"، مشيرة إلى أن القائمين على الشأن الديني يجب عليهم إشهار ورقة الدين في وجه هذه الظاهرة، التي "يرفض الدين الإسلامي لمثل هذه السلوكيات المؤدية بأصحابها إلى التهلكة"، وفق تعبيرها. الفقر والحاجة لم تستطيع الآليات الجديدة التي اعتمدتها الدولة الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية للأطفال الصغار، على الرغم من الحملات الأمنية التي تقوم بها المصالح الأمنية والبحرية الملكية؛ وهو ما يرجع بالأساس، حسب مصدر رسمي مسؤول غير راغب في الكشف عن هويته، إلى غياب الصرامة في تطبيق القانون ومعاقبة كل من وراء هذه الظاهرة. وأضاف المتحدث ذاته أن عددا كبيرا من الشباب والقاصرين بإقليم زاكورة والأقاليم المجاورة الذين فشلت رحلتهم نحو أوروبا، سواء عبر مليلية وسبتة أو عبر قوارب الموت، حاولوا مرة ثانية واستطاع بعضهم أن يهاجر؛ لأن العقاب لم يمكن صارما معهم أو مع من تورط في تهجيرهم، معبرا عن تخوفه من استمرار هذه الظاهرة التي قد تزيد تعقيدا في المستقبل، وفق تعبيره. من جهته، أكد كريم آيت العربي، طالب باحث في السوسيولوجيا وهو من أبناء إقليم زاكورة، أن سعي العديد من القاصرين للهجرة راجع إلى عدة أسباب؛ منها "فشل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وانتشار الفساد مع احتكار الثروة في يد فئة معروفة"، مشيرا إلى "أن الأرقام الرسمية بخصوص هذه الفئة لا تعكس حجم هذه الظاهرة، في ظل تسجيل تسلل الآلاف سنويا". وشدد المتحدث لجريدة هسبريس الإلكترونية على أن تردي الأوضاع المعيشية وانسداد الأفق السياسي أمام طموحاتهم المتزايدة يمثلان منظومة متكاملة ومتشابكة تحتاج إلى حلحلة عملية وواقعية بأبعادها المختلفة، لافتا إلى أن مواجهة الأسباب والعوامل الدافعة للقاصرين للهجرة غير الشرعية تظل هي حائط الصد الأول في أي إستراتيجية مقترحة لمواجهة هذه الظاهرة". شبكات التهجير ووفق سعاد الهموس، مهاجرة بالديار الإسبانية، المنحدرة من منطقة تزارين بإقليم زاكورة، فإن الأطفال والشباب اكتشفوا الهوة الشاسعة التي تفصل بين نمط عيش أوروبي مريح في الغالب، وواقع مغربي صعب، مشيرة إلى أن ذلك الوضع أدى إلى حالة من اليأس والقنوط تجعلهم يتسابقون نحو قوارب الموت التي أضحت رديفا للخلاص والعيش الرغيد. ولم يخفِ عدد من الجمعويين تخوفهم من وجود علاقة "مافيات" الاتجار بالبشر في ملف تهجير القاصرين والشباب، من خلال استغلال حاجتهم ومعاناتهم اليومية، مشددين على ضرورة تطبيق القانون بصرامة في كل من ثبت في حقه أن تورط في عملية التهجير سواء بالمال أو المجال، سواء هو "المهجّر" أو الوسيط. سعيد الحسناوي، فاعل حقوقي بزاكورة، اعتبر أنه "لا يمكننا إخفاء تخوفنا من هذه الظاهرة، ونتساءل عن الجهة أو الجهات التي تقف وراءها"، مضيفا: "من المحتمل أن شبكات تهجير الأطفال تستغل الوضع الاجتماعي الأسري لهؤلاء وحاجتهم للمال لاستغلالهم في الاتجار بالبشر أو استغلالهم في التهريب"، مؤكدا أن على الجميع من أجهزة الدولة والمواطنين تضافر الجهود لحماية هذه الشريحة المجتمعية"، وفق تعبيره. وأضاف المتحدث ذاته أن الأطفال الذين يصلون أوروبا والذين لم يلجوا بعد مؤسسات الرعاية الاجتماعية ويبيتون في الشارع هم الأكثر عرضة للوقوع ضحايا لتجارة البشر، موضحا أن هؤلاء يتعرضون للعنف والاستغلال قبل وصولهم إلى "الفردوس الأوروبي" من قبل المهربين، داعيا إلى مراجعة السياسات الممنهجة في حق الشباب وتوفير لهم فرص الشغل لتقليص نسبة الهجرة، وفق تعبيره.