"حلم غفوة" هي مجموعة قصصية، هذا هو الميثاق الذي يقدمه لنا المبدع الراحل محسن أخريف في تصديره لهذه النصوص، لكننا ما أن نتصفح الكتاب حتى يباغتنا تصدير آخر لمجموعتين قصصيتين؛ الأولى: بعنوان نافذة مشرعة، والثانية: شيء من الحياة. وفي المجموعتين الكثير من الأحلام وغير قليل من الحياة ونوافذ مشرعة عليهما معا؛ مشاهد مكثفة من الواقع يلتقطها الكاتب من الحياة اليومية وينسجها في تشكيل سردي غير مرموز ولا موارب. إذا القصة بكونها واقعية (بساردها العليم وبلغة العرض فيها والحكي بدل التشخيص والاستناد إلى خطية السرد والزمن، والاعتماد في بناء الحدث والشخصية على الخلفية الاجتماعية والسياسية والثقافية) (حدود القراءة حدود التأويل، ص 92. ف"حلم غفوة" مما مراء فيه تدخل ضمن هذا التنميط على الأقل من خلال تكثيف مشاهد من الواقع ونسها في تشكيل سردي غير مرموز ولا موارب. بالتصوير عن طريق الحلم كمل في قصة (شاهد بعينين مغمضتين)، أو الغفوة الخفيفة كما في قصة (حلم غفوة)، أو اليقظة الكاملة بزاوية واقعية أو تخيلية، يتدفق السرد عند الكاتب محسن أخريف في هذه المجموعة التي اختار لها "حلم غفوة" عنوانا شاملا. حلم غفوة هو عالم بين عالمين، وزمن بين زمنين ومكان بين مكانين؛ عوالم الواقع والحلم وأزمنة الماضي والحاضر، وأمكنة موحشة وأخرى مؤنسة. نافذة مشرعة على شيء من الحياة أو نافذة على الحياة. (كان) هذا الفعل الذي يحيل على زمن مضى وولى وانتهى، نجده عند الكاتب فعلا حاضرا بقوة، متصدرا أغلب قصص المجموعة وجمل النفي تتصدر جلها أيضا: ما حدث لا يمكن تصديقه.../ في قصة (شاهد بعينين مغمضتين) ص 9 حين فتحت عيني لم أكن أعرفها.../ قصة (مجيئ متأخر) ص 19 كان الجو حارا.../ قصة (ظهيرة قائظة) ص 13 لم أولد في هذا البيت ولم أترعرع فيه.../ قصة (حميمية مفتقدة) لم يكن أحد بالبيت.../ قصة (نافذة مشرعة) لم أكن أخال أنني سألقاها مجددا.../ قصة (يوم جنوني طويل) لم أكن أعرف هذه الروائح في اليقظة ولم يختبرها أنفي.../ قصة (حلم غفوة) الباب قبالة الباب لكن عيونهما لم تلتق يوما.../ قصة (ثلاثية الوحدة) لم يكن يخطر بباله بأن تشنجه الدائم مع البشر.../ قصة (عارضة أزياء) لم تكن قصبة (السبسي) تفارقه.../ قصة (خذلان) كانت زفرتي تخر متواصلة لاهثة باطراد وتسارع، وكنت أسمعها.../ قصة (أنفاس قطة بيضاء) رغم كل السواد الذي كان يغطي يومه.../قصة (حياة مشتركة). بين ما (كان) وما هو (كائن)، تعيش شخصيات المجموعة عدة مفارقات من الشد والجذب والحنين والشوق والرضا والرفض، كأنها تعيش في زمنين بما يخلفهما من مفارقات وانفصامات. وحشة الأمكنة: في نص (شيخوخة) نجد قصة البطلة تتراوح بين زمنين مفصليين؛ حاضر تمثله الشيخوخة بمللها وسقمها ورتابتها من خلال مقطع أول (الأريكة الأخيرة)؛ والماضي الكائن في ذاكرة الحنين الذي تستمد منه البطلة القدرة على تكسير رتابة الحاضر بمقطع معنون ب(الماضي تسلية الحاضر)؛ رابحة تخاف من الموت خوفا شديدا، ليس الآن فقط بل هي حالة قديمة تصاحبها منذ أن بدأت تحس بتقدمها في العمر، هكذا يقرُّ النص الذي ينفتح بفعل (كان) لكن هذه ال (كان) ليست منتهية الصلاحية في زمن ولَّى وانقضى، بل امتد إلى خمس سنوات فائتة، وهي المدة التي قضتها جالسة على الأريكة التي بحثت عنها طويلا قبل أن تشتريها، وتمارس عليها هواية الجلوس والتذكر؛ أريكة أخيرة لمرحلة عمر أخيرة في انتظار ما كانت تخافه دائما. (كانت رابحة تخاف الموت خوفا شديدا) ص 79، بل إنها لا تخاف الموت الذي هو مصير كل إنسان، هي لا تريده، ولا تريد أن تبعد شبحه عنها، الموت الذي تخافه رابحة هو خوف من أن يمتد إلى أقرب أقربائها؛ (ليس موتها فقط) ص 49، بل هو موت زوجها وبقائها وحيدة. أيهما أهون أن تموت رابحة أو أن يموت زوجها، تجيبنا المتتاليات السردية بسرعة على هذا التساؤل: (كان الموت يعني لها الوحدة القاتلة) ص 79. الموت الذي يترصد رابحة هو موت مغلف بوحدة ستقتلها دون شك إذا ما مات زوجها؛ وهذا أشد أنواع الموت بالنسبة لها، وأعلى درجات الخوف التي تزداد مع مرور الزمن، وهذا ما يجعل رابحة تتسامى وتنتصر على حالتها الأولى من الخوف، لتتمناه، تريده أن يأخذها هي الأولى ولا يأخذ زوجها قبلها، لا محبة في الزوج ولا محبة في الحياة، بل خوفا من الوحدة. (فأصبحت تتمنى جهرا أن تسبق خاتمتها خاتمة زوجها) ص 79. ولعل هذا الرجاء وتلك الأمنية هي الشيء الوحيد الذي تفعله رابحة في حياتها الرتيبة الهادئة التي اختارت أن تقضيها جالسة فوق أريكتها التي اختارتها بعناية كبيرة/ ص 80. أريكة أخيرة واختيار أخير حيث تقضي بهدوء شيخوخة هادئة؛ حالة السكون التي ينتهي بها المقطع الأول (الأريكة الأخيرة) سرعان ما ستغير رتابة المقطع الثاني (الماضي تسلية الحاضر). يقول النص: (استيقظت صباحا، فاستيقظت فيها مشاعر غامضة لم تعرف كنهها ولا سبب استيقاظها وانبعاثها، وذلك أنها خاضت معركة ضد عواطفها وانتصرت في هذه المعركة) ص 80. بعد موت الزوج بسنة كاملة نرى أن الموت الذي كانت تخافه رابحة قذ نفذ إلى بيتها وأخذ الزوج، والوحدة التي كانت تهرب منها خبرتها طيلة هذه السنة، ثم بعد صراع مع الخوف أعلنت انتصارها ف(المعركة التي خاضتها ضد عواطفها الجياشة بعد سنة انتهت بهناءة وراحة نفسية عظيمة) ص 80. فما الذي حدث حتى استيقظت تلك المشاعر الغامضة داخلها، يقول النص في حملة التفسيرات التي يقدمها لتغير نفسية رابحة: (حل أكتوبر) ص 80، نعم انقضت شهور الحزن التي يمثلها الشتاء بفصوله الطويلة، ثم مر الربيع وأعقبته شهور الصيف، وحل أكتوبر إليها ألبسة الخريف. ص 80 بتصرف. والخريف هو فصل السكون والتأمل، الخريف مهيج للذكريات، الخريف يحيط بالأمكنة فيغلفها بالكآبة. رابحة تغير الألبسة وتغير الأمكنة، فقد قربت إليها ألبسة الخريف واتخذت رجلاها نفس المسار إلى مقهى على ضفة نهر مرتيل، هناك النادل الذي يقف عند باب المقهى هو جزء من المشهد الكئيب، فهو يقف متأملا المقاعد الفارغة وكأنه يرثي شهور الصيف، كما ترثي هي شهور الأيام السابقة. رابحة التي توحي لنا بإقدامها على تغير مسار حياتها، تجلس في نفس المقهى ونفس الكرسي الذي كانت تجلس فيه مع زوجها، تندب حظها على زوج مات دون أن يترك لها أولادا. لم تصر رابحة على أن تزج بنفسها في هذا النفق؟ لم تصر على جلد ذاتها وهي التي أعلنت في ليلة سابقة انتصارها على عواطفها وقبولها بحياة تغلفها راحة نفسية عظيمة؟ ص 80. وما الذي يجعلها تختار نفس الأمكنة لتستعيد نفس الإحساس بنفس الأزمنة؟ تجلس في الزمن الأول على الأريكة الأخيرة في الانتظار، وتجلس في الزمن الثاني على نفس الكرسي السابق للزوج للتذكر، وبين هذا وذاك تجهد نفسها في البحث عن السلوى (قلبت حياتها صفحة صفحة، فلم تجد شيئا يصلح كذكرى سعيدة، فدليل عواطفها تجاه زوجها اختلطت عليه مسالك القلب)، ص 81. حالة السكون التي تظهر عليها رابحة غير صحيحة، فهي في حالة هيجان داخلي، يقول النص: (رابحة تتملى الصور علَّها تهيج ذكرى سعيدة) ص 81، وما هذا الهيجان وذاك الصراع إلا محاولة للبحث عما يزعج الخاطر ويكدر النفس تجاه هذا الزوج العقيم الأناني الغيور، إلى درجة (تطفو على صفحة ذاكرتها أحداث لا هي مؤلمة ولا هي بالمفرحة، لم يكن يعكر صفوها إلا إحساس واحد يتغول ثم يستكين) ص 81. رابحة وهي تجهد نفسها لتهيج ذكرى سعيدة، إنما تبحث لنفسها عن مبرر لعلها تتقبل تل الحياة التي عاشتها مع زوجها المتوفى، وذاك الخوف من الوحدة الذي خبرته رابحة تبحث عن مبرر للوفاء والحزن الذي عاشته حتى تتقبل هذه الوحدة التي تعيشها منذ أن (حلَّ أكتوبر) ص 80. بين الأريكة الأخيرة بالفضاء الداخلي للبيت والكراسي الفارغة قبالة البحر، تمتزج الأمكنة وتدمجها بما هو نفسي، لتقدم لنا صورة متدفقة سردا وتصويرا. غربة الأزمنة: في قصة (ثلاثية الوحدة) ص 83: يرصد محسن أخريف حالات مختلفة في ظروفها، متحدة في حالاتها النفسية، لأناس يرزحون تحت سطوة الوحدة: المقطع الأول (جاران)، يبدأ المقطع الأول ب (جاران، الباب قبالة الباب) ص83، هما يلتقيان إذن باستمرار، ويتكلمان باستمرار، أبدا، ف (لكن) التي تفصل الجملة الأولى عن الثانية تنفي هذا الاعتقاد نفيا قاطعا؛ (الباب قبالة الباب، لكن عيونهما لم تلتق) ص83. النص ينفي بهذا النفي، بل هو يؤكد بجمل لاحقة ذلك (حتى في المرات التي التقيا فيها في درج العمارة أو قرب باب المصعد، لم ينظرا إلى عيون بعضهما البعض... والغريب أنهما كانا يحرصان على أن تظل كذلك...) 83. هذه القطيعة ليست محض صدفة، بل هو حرص على أن يظلا بعيديين عن بعضهما، حرص على العزلة حتى إن (أحدهما إذا أردا أن يخرج ينصت خلف بابه) ص 84، ثم يؤكد (لا أحد يعرف أحدا) ص 84. هكذا يصبح الفضاء الذي يجمع الجارين مكانا للانفصال بدل الاتصال؛ للفرقة بدل الاجتماع، للبحث عن الوحشة بدل الألفة: درج العمارة باب المصعد الشارع...؛ ومع إصرارهما على أن يظلا وحيدين متباعدين، فكل واحد يتحدث عن الوحدة القاتلة بالمدينة، ص 84. إنها المفارقة الكامنة وراء الازدواجية التي يحياها الناس بالمدن، فمع كثرة الناس بالشوارع والعمارات، يعيش كل واحد في عالم منزو عن الآخر، نكرة بين جموع غفيرة (يخرج من باب العمارة، ويندثر بشكل نهائي في زحام الشارع، حيث لا أحد يعرف أحدا، أو يريد أن يعرف أحدا، ورغم ذلك فكل واحد يتحدث عن الوحدة القاتلة في المدينة)، ص 84 هذه الازدواجية تنتقل إلى شخصيات (مقهى الوحدة)، وهي في الأصل مقهى تحمل اسم "الوحدة" رغم ما تحيل عليه الكلمة من خلفية سياسية مرجعيتها الوحدة العربية مثلا، أو الإفريقية مثلا، إلا أن النص يُحمِّلُ الكلمة معناها القريب: الوحدة والانزواء والوحشة... (الزبائن يجلسون متفرقين منفردين، ظهرا لظهر...) ص 86، يعيشون في منأى اختياري لم يفرضه عليهم أحد، مستلذين بالوحدة، ضاربين على ذواتهم غلالات شفافة لا يراها أحد)، ص 87. الأمر لا يقف عند هذا الحد (فحالما يجد زبون مقهى الوحدة أن عزلته انتهكت أو معرضة للانتهاك، يختار الهجرة إلى مكان آخر حيث يعيش عزلته سعيدا)، ص 87. تراكم الأمكنة لا يغدو خاصا إلا في مقهى (الوحدة) حيث (الزبائن يجلسون متفرقين)، ص86، أو مقهى (الصداقة) حيث (لا وجود لعشاق حقيقيين) ص89، بحيث يختار الكاتب خرق أفق انتظار القارئ فيصبح الاسم حاملا لنقيضه، محيلا على أضداده، على عكس ما نتوقعه، نجد في قصة (فائض وقت) أن جملة ("شارع الشرق" بالشارقة) ص84، نزوحا عن الخط الذي اتخذه، ففي شارع كبير آهل بالمارة مثل شارع الشارقة وفي وسط مدينة هي العاصمة، يصبح المكان أكبر من أن تستوعبه وحدة السارد/ويغدو الشارع بشساعته وتعدد مرافقه مكانا زائدا عن الحاجة، ما دام وقت السارد به زائد عن الحاجة (لم يكن يرافقني أحد، بل كنت قد أمضيت اليوم بكامله وحدي... والمؤتمر الأدبي الذي حضرت من أجله لم يستغرق سوى سويعات ثلاث...) ص 85/84، فشارع الشرق هنا مثل أي شارع في أي عاصمة رغم كل مغريات يصبح مكانا لتصريف مشاعر الغربة والوحشة مادام الزمن يسمح بوقت كاف عن الحاجة، وقد جاءت جملة (كنت أقف لأني أملك فائضا من الوقت)، ص 84، لتأكيد هذا التوصيف، فهو فائض مكان الفائض من الزمن. في قصة (حارس الجنرال فرانكو): يرصد محسن أخريف حالة حنين المغاربة الذين لفظتهم الحرب الأهلية الإسبانية بعد أن جندتهم إلى صفوفها وهم في ريعان الشباب؛ لم يكن عصرا ذهبيا بالنسبة لهم ولا كافأتهم إسبانيا على ما بذلوه من أجلها وقد كانوا وقودا في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ورغم ذلك فبقايا الجنود الذين عادوا بعد تقاعدهم إلى أوطانهم حملوا في دواخلهم بقايا حنين إلى زمن كانوا فيه أبطالا بدون مجد. فالحارس يحمل عصا غليظة... ومعطفه الذي بلون الربيع الغامق يشبه معطف الجنود الذين حاربوا إلى جانب الجنرال فرانكو، ويتحدثون بصوت عال عن حرب ما كان يجب أن تخصهم، لم يُوَرِّثوا أبناءهم غير المعاطف والحكايات)، ص 111. إنها خلاصة الوضع الذي هو عليه، (حارس الجنرال فرانكو) لا يخرج عن القاعدة، فهو لا يفعل شيئا سوى الجلوس على كرسي وفي يده عصا... التي (أحيانا يتركها... ويتمهل وصول السيارات برزانة ويتمشى)، ص 111، فهذا الجندي الذي أصبح حارسا للسيارات لا يفعل شيئا سوى التذكر حتى إنه لا يشغل أوقاته بصداقات آدمية ولا حتى حيوانية (الحارس غير مشغول بسلالة الكلاب)، ص 112، يستوي لديه الإنسان والكلاب، وتستوي لديه الفصول، فلم يبق في العمر إلا بقية هي مثل ما بقي في شاي بارد في قارورة لا ينفذ إلا مع حلول السابعة، ص 112. بقايا شاي في قارورة هي كل ما تبقى من عمر الحارس يقضيه مع (مذياع يستمع إلى مذيع يتحدث عن حروب جديدة في بلدان لا تعرف الهدنة...)، ص 112. مكان مغلق لأمكنة مفتوحة في الذاكرة، وزمان ممتد لأزمنة منتهية في الذاكرة، يجسدها حارس السيارات الواقفة الذي يأبى أن يقفل دونه الأزمنة والأمكنة ليظل كما كان (حارسا للجنرال فرانكو). الخصام: وجه آخر للوحشة والاغتراب ليست الوحدة والعزلة وحدهما عاملان دافعان إلى الاحساس بالاغتراب في المكان والزمان، فهذه التيمة تحضر حتى في حالة زواج أصابه الفتور، فتنقطع سبل التواصل وتتيبس المشاعر فتخلق حالة الغربة والانعزال مع وجود الشريك الآخر. في قصة (شيء من الحياة) وفي المقطع الموسوم ب"الليلة المئة: خصام عابر"، نجد الكاتب يشتغل على الحرمان والخوف والقلق والهروب بالذات خارج إكراهات الواقع، ليصبح الخصام وجها آخر للغربة داخل جدران الغرفة الواحدة والسرير المشترك: (صعدا إلى غرفة نومهما، واستلقيا على السرير، دون أن ينظر أحدهما في عيني الآخر)، ص91، كلاهما (أغلق الموضوع الذي كان سببا في الخصام ولا يريد أن يفتحه)، 92. هو نوع من الاغتراب الاختياري بفعل العناد والتصلب في المواقف، فهو (يتقلب محاولا أن يجد الراحة في وضعية ما وهي تتقلب فيتعاقب اهتزاز السرير)، (هو عبثا حاول) وهي (عبثا حاولت أن تجلب النوم إلى عيونها) ص 91؛ هي وهو (قضيا الليل كله يبحثان عن نوم مستحيل)، ص 92. في مقطع (عاشقان)، يصبح البحث عن الحب انتقالا للذات من الحرمان الممض وانعتاقا لها من وضع الحرمان إلى توهم حالة عشق ووله فهو (قلبه لم يكن قلب عاشق يرتجف دوما) و(قلبها كان قلب عاشقة تتصور الحب شيئا آخر غير ما هما عليه الآن)، ص 89، ذلك أن المكان لم يكن مكانا للحب والإخلاص والسعادة، "مقهى الصداقة" كما تقول: (خلاصة التجربة...لا وجود لعشاق حقيقين)، المكان هو مكان الحرمان والاغتراب، وبالتالي فكل اللواتي يرتدنه (صرن ممثلات بارعات في تقمص الأدوار؛ مرة عاشقات تعيسات بسبب الهجران، ومرات كثيرة مخطوفات بالنظرة الأولى)، ص 90. المكان هنا مجال للتحرر من سلطة الدين والمجتمع والانتقال بالمتعة الحسية من الابتذال إلى مقام حسي أرقى في محاولة للتعويض عن الحرمان وتفريغا للمكبوتات بتقمص حالة أو حالات حب مفتقدة في الواقع، ذلك أنهن (يتمنين الحب كما على تلفاز الواقع المزيف)، ص 90، ليصبح بذلك ذلك الوهم بحالة الحب ضربا من العزلة عن الواقع واغترابا فيه عنه. فالعزلة هي ذاك المكان المغلق الذي يضربه الإنسان حول نفسه بطريقة درامية لا تخلو من سادية قاتلة؛ هي ليست عزلة في المكان بقدر ما هي عزلة في الزمان وعن الزمان، نفسية في أغلبها، سطحية ربما، فلسفية في حالات قليلة. هكذا يتوالى التدفق السردي في مجموعة (حلم غفوة) للقاص محسن أخريف ويتراكم إلى جانب ما يعتور هذا التراكم من تشويق مثير ذي تيمات متعددة ومختلفة، تصبح معه النصوص كشفا لمعاناة اجتماعية ونفسية مخصوصة، كما يصبح أسلوبا يستظل بنمطية الكتابية القصصية السائدة. *نافذة وكاتبة من المغرب