قال باحثون من أكثر من دولة إنهم رصدوا في كاشف مُخبأ على عمق تحت كتلة جران ساسو الإيطالية أغرب عملية فيزيائية تم رصدها حتى الآن على الإطلاق، ألا وهي عملية تحلل غاز زينون 124 النبيل المشع. وحسب الباحثين فإنهم وجدوا أن عمر النصف لهذا النظير المشع يبلغ 18 تريليار سنة، أي رقم 18 بجانبه 21 صفرا، وأكثر من تريليون مرة أطول من عمر الكون. نشر باحثو مشروع زينون العلمي نتائج أبحاثهم في العدد الحالي من مجلة "نيتشر" المتخصصة. كان الباحثون يستخدمون الكاشف زينون 1T أصلا في البحث عن مادة مظلمة مبهمة، مادة غير معروفة، يمكن رصد تأثير جاذبيتها، ولكن هذه المادة ليس لها تأثير تبادلي مع الضوء، مما يجعلها غير مرئية. يعلم الفيزيائيون من خلال دراسات غير مباشرة أنه لابد وأن يكون حجم المادة المظلمة في الكون أكثر خمسة أمثال من المادة المعروفة لنا، ولكنهم لا يعرفون مما تتكون هذه المادة. يأمل الباحثون من خلال استخدام كشاف زينون 1T في التمكن من إثبات وجود جزيئات من المادة المعتمة بشكل مباشر، لذلك ثبتوا صهريجا به 3ر1 طن من غاز الزينون النقي السائل، على عمق 1400 متر تحت جبال جران ساسو وسط إيطاليا، محاولين رؤية ومضات ضوئية يمكن أن تكون ناشئة عن أي تأثير تبادلي محتمل للمادة المظلمة مع غاز زينون. ولكن هذا الكاشف يثبت عمليات أخرى أيضا، على سبيل المثال تحلل نظائر الزينون المشعة. النظائر هي أنواع من العناصر الكيميائية التي تتفاوت في كتلتها لأنها تمتلك في نواتها الذرية أعدادا مختلفة من النيوترونات. يمتلك غاز الزينون عدة نظائر مشعة تتحلل معظمها بعد ساعات أو أيام. ولكن نظير الزينون 124 يتحلل من خلال عملية نادرة للغاية، حيث يتطلب ذلك أن يتلقف بروتينان في نواة الذرة بشكل متزامن إلكترونين من الغلاف الإلكتروني للذرة. إضافة إلى ذلك يجب أن يتصادف وجود الإلكترونين في نفس الوقت في الوضع الصحيح المناسب لذلك، وهو أمر غير محتمل لدرجة أنه وفي حالة وجود كمية كبيرة من غاز الزينون 124 فإن نصف هذه الكمية لا تتحلل إلا بعد 000 000 000 000 000 000 18 ( 21 صفرا، أي 18 تريليار سنة). وللمقارنة فإن عمر الكون يبلغ قرابة 14 مليار سنة (14 000 000 000). يقول ايثان براون، المشارك في الدراسة، من معهد رينسيلار بوليتِكنك الأمريكي، في بيان عن المعهد: "رأينا هذا التحلل فعلا" مضيفا: "إنها أطول وأبطأ عملية تم رصدها". سجلت المستشعرات الحساسة خلال التجربة التي استخدم فيها كشاف زينون 1T، الومضات الضوئية المميزة لعملية شغل الإليكترونين اللذين تم اصطيادهما من الغلاف الإلكتروني للذرة مكان إلكترونين آخرين. وأكد كريستيان فاينهايمر، المشارك في الدراسة من جامعة مونستر الألمانية أن "حقيقة أننا نجحنا في رصد هذه العملية مباشرة، تدل على قوة أداء طريقتنا في الإثبات، وكذلك إثبات الإشارات التي ليست ناشئة عن المادة المظلمة". استخدم الباحثون ما رصدوه في حساب عمر النصف لغاز زينون 124. ورغم أن عمر النصف لنظير عنصر التيلوريوم 128 أطول من عمر النصف لزينون 124، إلا أن العلماء لم يتمكنوا حتى الآن من رصد تحلله. أكد الباحثون أن إثبات تحلل زينون 124 يوضح مدى قوة أداء الكاشف ويسمح بذلك أيضا بالبحث عن عمليات تحلل جديدة بشكل جذري، من شأنها أن توفر دلائل على وجود قوانين فيزيائية غير معروفة حتى الآن. *د.ب.أ