يبدو أننا نحن المغاربة محكوم علينا أن نعيش غرباء في وطننا ! الأحرار يقولون لنا أن مغربنا يمضي إلى الأمام، في تقدم وكرامة، وخبز للجميع ليس حاف، إلا أن فتاة السينما تحب أن تلعن الأنوار بالألوان الباهتة، تحب أن ترقص على هيكل عظمي من زمن الوحل الأول وتمضي بأرشيفات الصور إلى زمن ما بعد الرقمي .. فماذا أقول، وأنا الغريب في وطني ..! إن كنت أنت قد أعلنت عن وجودك بتعري جسدي إلا ربع، وفي مناسبة أخرى إلا قليلا، فلن ألومك، ولن أقول عنك ما لم يقله محمد الماغوط في نثره، أو ما لم يخرجه شاهين في أفلامه، أو ما لم يكتبه عبد الحق الزروالي في مسرحياته ... أو ربما سأقولها «حين ميسرة» التي تتقنين جيدا على ما يبدو رسمها على المسرح . لكن، في الأولى والأخيرة سألوم كل هؤلاء المغاربة الحانقين عليك، فهم لم يصدقوا أن شاهدوا صورك النصف والربع عارية في المواقع التي لم تجد حديثا إلا عنك، ولا موضوعا إلا أنت، تركوا الدنيا وراحوا يبحثون عن تفاصيل جسدك الصعب : في الفهم والتعبير والتلقي .. أو كما قلت ذات تصريح أنه صعب علينا نحن المغاربة الأميين أن نفهم' ابستيمولوجيا الجسد'، وكأننا أمام حفيدة من أحفاد جاستون باشلار، أو عاشقة من عشاق أساطير كارل بوبر في زمن النهايات . أقولها وبصريح العبارة .. لقد أخطأ محبوك وكارهوك ومنتقدوك عندما أعلنوا تدمرهم من سلوكك الفني الأخير، ولم ينتبهوا من عراء مسؤولينا إلا من ربطات عنقهم، وتلك المبادئ التي تقف عند الصباح مندهشة من نفسها أمام المرآة، وهي تتساقط واحدة بعد الأخرى كلما مر زمن الجلوس فوق الكراسي. أليس مسؤولونا أكثر « تعريا » منك ؟ أليست خيانة الوطن فضيحة ... بل أكثر من ذلك، إنها أفضع من قفطان محلول يظهر ما يظهره . الآن .. فقط نصر، معك، أن نرى سيقانا عارية .. وكأننا لم نراهم من قبل، لا في الصيف ولا في الربيع ! ليتني أعرف عناوين كل هؤلاء الحانقين الذين لمحوك، لأقنعهم واحدا واحدا، ولأقول لهم : هل تخشون من زمن أحرار ؟ ...هكذا، بكل بساطة ! لم يفهمك أحد منهم .. لم تفعلي شيئا بالجملة، فقط وقعت عريضة إحتجاجية على أوضاعنا العارية من الكرامة والفرح والعدالة الإجتماعية .. أمام عدسات الكاميرات . لم تفعلي شيئا بالجملة، فقط عبرت بطريقتك على تضامك مع كل الأطفال العراة، الذين يذهبون في الصباح إلى المدرسة بدون نعل نحفظ أرجلهم، حفاة، أو ملابس تليق بكرامة طلاب العلم، عراة، أو تنسجم مع المناخ، في الصيف كما في الشتاء، وهم يعلمون جيدا أن ملابس هؤلاء التلاميذ عارية من الدفء.. كما تعلمين أنت أيضا من هم، وتشعرين بحسك المرهف، والفني، والأدبي، والمسرحي، والسينمائي .. بهم؛ أكثر من أي أحد ! لم يفهموك .. لأنك بفعلتك تلك، فقط أعلنت الحداد على بائعات الهوى، في الداخل كما في الخارج، وأردت أن تقولي لهن : من أنتم ..! كما لم يقلها الراحل القدافي ... لقد استشكل عليهم الوضع، بين البساط الأحمر السينمائي، وبين رصيف القيامة .. ! لم يفهموك .. لأنك بفعلتك تلك، وأمام جمهور من الرجال والنساء والمراهقين وربما الأطفال أيضا، أردت فقط أن تحاربي السيدا، وأن تعزليها عن مجتمعنا الإسلامي المعتدل جدا، لا أن نعزل المصاب بها .. كم أنت نبيلة بإحساسك النبيل هذا فنانتنا اللطيفة .. حقا هذا لطف منك ! لم يفهموك .. لأنك بفعلتك تلك، أردت فقط أن تخبري العالم أنك موجودة، وأن المرأة المغربية لكي تثبت وجودها لا داعي أن تسافر بعيدا، فقط من هناك، من ساحة الفن السابع ومن فوق بساطه الأحمر، يمكن أن تعلني أن الدنيا بخير .. والفقر بخير، والتشرد بخير، والجوع بخير، والبطالة بخير، وقوارب الموت بخير، وكل شيء على خير وبخير جدا .. لم يفهموك ... لأنك بفعلتك تلك، قد اخترت المعارضة في زمن بن كيران .. فأنت من ال 'أحرار '، وها هي المعارضة في بلدي منفتحة جدا على الخصم، ولا أعرف لماذا كل الأوغاد يدعوننا بالإستئصاليين والعدمين ! لهذا أقول لك: لا تهتمي .. وإمضي .. بعيدا في التعبير عن احتجاجاتك، وتضامنك مع كل العراة في وطني بفرح جنوني، أيروسي، عبثي، تراجيدي، أونطلوجي، بانورامي .. وكل التعابير التي هي أقرب منك إليك . ولن يسألك أحد عن التربية الروحية ... أو قيم الفن .. أو الجمال الفني ... أو الإنسان والحضارة فيما ' أبدعت ' .. لأننا في زمن الحريات التي تشبه المقبرة، وفي زمن التعبير اللاشعوري بعدما قدم الوعي إستقالته للإنسان الساكن فينا . أنت حرة في جسدك .. مثلما أن التراب والدود حر فيه أيضا ! الآن فهمت لماذا قال الفيلسوف الألماني نيتشه : إن الوعي سطحي في حياة الإنسان . فكم نحن سطحيون عندما ندافع عن أصالة إنسانيتنا، وننسى الانفتاح عند الخياط أو الخياطة ! كم نحن عدميون عندما نحب الموز، والتفاح، والبرتقال، وزهور الرمان، لا لشيء .. سوى لأننا نحب فيها خجلها وراء قشرة حجاب .. ! كم نحن عبثيون عندما تشتعل شراييننا نارا أمام حركة منك، ولا تشتعل عند رقص المسؤولين على وحول موائدنا ..! فاستمري في نضالك .. قد فعلها شاه روخان !