أعلم ما تحسه دون سؤال، فلا شيء يكسر روح الوطن أكثر من الغدر..أعرف معنى حزن وطن، أن يكون محموما بسبب جراح خفية وأخرى بادية، مر طعم الحزن ومزعجة تلك الهزات «الدبلوماسية» التي ضربت أوصالك وجعلتك تنتفض بقوة لتدافع عن حروفك ولغاتك وانتمائك وكل شبر من ترابك، عن حقك في أن يعلو صوتك بالحق.. فلا تصمت مهما أجبروك على الانصياع.. ولا تتراجع مهما سحبوك إلى الخلف.. ولا تتردد مهما تلاعبوا باسمك وروحك وعلمك، مهما اقتطعوك كحلوى يتسابق الصغار نحوها ليجتثوها، كل يأخذ نصيبه، ليهنأ العباد بما سلبوك إياه من كرامة وحرية ومجد وهوية. أن تسلب هويتك كأن تجرد من ملابسك غصبا.. لا فرق ونحن لا نفتقر إلى شيء، لكننا نضيع كل شيء.. وطني، هل أنت بخير؟ يقولون لا تبْك، لا تصرخ، لا تنتحب.. ويتمادون في ضربك ووخزك وزرع الخوف في جنباتك، فما تزيدك قسوتهم إلا شموخا وعزة وكبرياء، تأبى أن تنحني أو تستسلم ليظل صوتك القوي وصوتهم المرتجف.. أولئك الذين يعتقدون أن الوطنية مهنة براتب شهري، زي عسكري وليس مدنيا، منصب وزاري أو إداري..أولئك الذين لا يتذكرونك إلا في مناسبات عابرة تمر كمأتم لا ترقى احتفالاتها إلى صمودك ونضالك وقصة تحريرك. لا ترقى إلى أسماء مجاهدين أنت أنجبتهم، لمقاومين إن عادوا بكوا جراحك وطلبوا منك العفو وتحاشوا النظر في عينيك. حب الوطن ثورة للحواس تجتاحك كل لحظة، تهزك وتحركك وتوقظ قلبك وتبعث الدم في شرايينك. الوطن قشعريرة تغلف بدنك، قلب يخفق بطريقة مختلفة حبا للبلد ورائحته وأهله.. حب دائم.. حب نابض.. حب لا تنتظر مقابله جزاء، عطاء دائم دون منّ.. رعشة باردة تعبر جسدك.. الوطن نحن.. حريته من حريتنا وكرامته من كرامتنا وشموخه من شموخنا.. الوطن أعراضنا، وللعرض معنى في لغتنا لا تجده في لغة أخرى. فلتأذن لي وطني أن أعترف لك بأخطائنا وأطلب منك العفو، فلن نجرحك وننسحب كلنا دون أن نلتفت، دون أن نسأل عن حالك، أو نضمد جراحك المفتوحة على الملأ. فلتأذن لي، لأنني أرفض أن أنساك وأتركك خلفي، لأنك بداخلي تحيا وأنا أحيا فيك. لأنني تعلمت منذ زمن معنى أن تكون ابن هذا البلد، وأجبت منذ سنين «أن تكون مغربيا معناه أن تنبض كل خلايا جسدك عشقا لرائحة البلد ودياره، أن تحافظ على أمنه وهدوئه وسكون ليله، تعاتبه ولا تخاصمه، تنتقده ولا تجرحه، تثور عليه ولا تطعنه، تسكن غيره ولا تنساه».. الوطن فقط لا يتركنا حتى لو هجرناه.. لا ينسانا حتى لو تجاهلناه.. لا يتنكر لنا حتى لو استبدلناه بغيره.. لا يحقد علينا حتى لو خناه.. ينتظرنا مهما غبنا، يسامحنا مهما أخطأنا.. يحضننا مهما تمادينا في العقوق، وما أقسى عقوق الوطن.. ما أقساه.