يا شاعر الأنوار العربية... سنغنيك دوما/ دوما/ دوما/ - امتدت روحك الشعرية امتداد الشمس على الدنيا لتضيء مقامات جغرافيتنا العربية من المحيط إلى الخليج، وصلت عبر قنوات أجنحة الأنوار العربية، وصلت حيث لم تصل القرارات والمؤتمرات، تحدت كل القيود والكوابل، تحدت بطش السلطات. - خرجت من المنبع قضية وانتهت حيث ينتهي خلود الأثر الإنساني، في عبورها ملأت فضاء عربيا كان في حاجة إليها، ليمر عبرها ومنها إلى أقاصي القول السياسي والفكري والتعبوي. كنا صغارا عندما تلقفنا قصائدك، فأغرتنا أطفالا وكبارا، وعمقت لدينا انتماءنا إلى فلسطين وإلى المغرب. - كل شيء فيها يوحي بأنها كانت تقصدنا في أقاصينا، دون مبالغة، بعمق كعمق الفضاء وسهولة نادرة كالحرية الموؤودة، كنت مثيرا، حالما كأساطير ديونيزوس الإغريقي، باعثا فينا معنى للمقاومة العربية ومنيرا ظلمة فضائها العربي. ارتبط درويش بالهم العربي، وتجاوز حينا بل أحيانا قضيته الأولى فلسطين لينشدنا قصائد تبعث فينا الأمل، وتغذي تعطشنا للحرية والكرامة ضد الذل والخنوع. كنا وقتها كالذي يغني تطلعا وشعرا موجها إلينا نحن المغاربة/ نحن الحالمون/ ويحثنا على الصمود والاستمرار والتحدي فغنيت من شعرك: «إلى الأعلى حناجرنا إلى الأعلى محاجرنا إلى الأعلى أمانينا إلى الأعلى أغانينا... سنصنع من مشانقنا ومن صلبان حاضرنا قصائد كالنشيد الحلو ثم نصيح يا رضوان إفتح بابك الموصود...» - كان شعرك قلعة وقوة ضاربة لكل نظام عربي ظالم ومفتر، فأحيى فينا الصمود والتضحية، وجعلنا نحس بأنك كنت تقطن حيا من أحياء مدننا المغربية، كحي بنمسيك أو الحي المحمدي بالبيضاء، شأنك في ذلك شأن الفنانين المغاربة والشعراء الذين أنتجهم هذا الفضاء الثوري. أحسسنا أنك تتكلم عن سجناء درب مولاي الشريف. لم تكن هناك مسافة بين دوريش ودراويش ذلك الزمان الموبوء. كانت قصيدتك مبدأنا. فعندما غنيت قصيدتك «نشيد للرجال» لأرسم ملامح بداياتي، لم أكن أعلم أن الطريق إلى الناس سهل بفضل شعرك ومضمون كلماتك التي وحدت بيت القلوب العطشى والأحلام: «سجين في بلادي بلا أرض بلا علم بلا بيت ... رموا أهلي إلى المنفى وجاءوا يشترون النار من صوتي لأخرج من ظلام السجن ماذا أفعل ؟ تحدى السجن والسجان فإن حلاوة الإيمان تذيب مرارة الحنظل...» - العبور إلى فلسطين كان حتما يمر عبر قصائد درويش/ العبور إلى دواتنا حتما كان ولازال يمر عبر قصائدك، ليفجر مخزوننا لفلسطين وللمغرب. كان العبور إلى المغرب عبر شعرك/ عبر تأوهات صوتك/ عندما نسمعك تنشد شعرك بنبرات حنجرتك/ كان صوتك كافيا ليعبر إلينا مكتملا كأنه أجراس ملائكية ممتلئة بكل عذابات موسيقى الروح. - مر على محبتنا زمن، كان كافيا لأعيد الكرة مستسلما، ولأستلهم من مقامات شعرك شيء من الألحان، مواصلا معك المعركة دون مجازفة، بتلحين قصيدتك «أنا آت إلى ظل عينيك»: «أنا آت إلى ظل عينيك آت من خيام الزمن البعيد من لمعان السلاسل آت... أنت كل النساء اللواتي مات أزواجهن وكل التواكل أنت العيون التي فر منها الصباح حين صارت أغاني البلابل ورقا في مهب الرياح... أنت بيتي ... أنت منفاي... أنت أرضي التي دمرتني أنت حزني وأنت الفرح» - في كل مرة كان يشدني الحنين في منفاي إلى بلدي المغرب، فلم أكن أجد أنيسا مداوما على إشباع خصاصي سوى قصائدك، حبك، رهافة حسك بالأشياء، حنينك الأبدي، فاخترت ما يليق ببعض لحظاتي قصيدتك «لديني لأعرف» لألحنها كاملة، فقط لأقول لك شكرا على تدفق عواطفك، ونبل مفرداتك، وعمق دلالات شعرك، وأن للنضال عاطفة غير مصطنعة، مفرطة ومتدفقة بالحنان والعطف : لديني لأعرف في أي أ رض أموت وفي أي أرض سأبعث حيا سلام عليك وأنت تعدين نار الصباح... أما آن لي أن أقدم بعض الهدايا إليك أما آن لي أن أعود إليك أما زال شعرك أطول من عمرنا ومن شجر الغيم وهو يمد السماء إليك ليحيا... لديني لأشرب منك حليب البلاد وأبقى صبيا على راحتيك لديني لأشرب منك حليب البلاد وأبقى صبيا على ساعديك... لديني... لديني... لأمك أم ، لتين الحديقة غيم فهل أستطيع الرجوع إليك إلي... إليك إلي... - آخر قصيدة لحنتها، دون استشارتك، لأنني أعلم علم اليقين أنك كنت سعيدا لتغنى وتلحن وتدرس دون استئذان، لأنك الملك الشعري العمومي الذي شكل ولازال معبرا ثقافيا بامتياز لكل الحالمين بغد جميل يا شاعر الأنوار العربية سنغنيك دوما، دوما، دوما، رحمك الله... «علقوني على جدائل نخلة واشنقوني فلن أخون النخلة... هدي الأرض لي وكنت قديما أحلب النوق راضيا... وطني ليس حزمة من حكايا وليس ذكرى... وطني ليس قصة أو نشيدا وليس ضوءا على سوالف فلة... هذه الأرض جلد عظمي وقلبي فوق أعشابها أطير كنحلة...»