تحية طيبة وبعد: بعد السلام، أعترف لك بأنني أحسست بضرورة الكتابة إليك، أعرف أن زمن الرسائل قد مضى وولى، لكن اخترت هذه الطريقة لأنني فقط أعتقد أنها الأداة الأنجع لتوضيح عديد الأمور المغلوطة بالنسبة لك، خاصة أنني أعرف صعوبة إقناعك شفويا، لأنني لا أعرفك حتى بالاسم ولا طموح لي لفتح جبهات معك، وهدفي من هذه الرسالة ليس أن تغير نظرتك اتجاه نفسك فقط، بل أن تغيرها أيضا اتجاه الواقع والمجتمع.
كل ما أرجوه فتح قلبك أمامي صافيا مثل المرايا، بعيدا عن السياسة والإديولوجيا. ما يجمعنا معا هو انتمائنا لهذا الوطن الجميل وإلى هذه الإنسانية التي جمعتنا وجعلتنا نسمو فوق باقي الكائنات، لنا أفئدة تحب الحياة وتعشقها وتسكننا في جنة من الخيال والإبداع. ولا أرجو منك إلا أن تفتح رئتيك لاستنشاق هواء هذا الوطن بعيدا عن الحقد والكراهية واحتقار الذات.
لا أريد أن أذكرك بالماضي لأني لست ماضويا، رغم ذلك لا تصدق نفسك أن الماضي كان أفضل وكانت الكرامة وكانت الشهامة وكانت فرص العمل موجودة عكس اليوم، أقول لك إن الكرامة والشهامة وفرص العمل كانوا وما زالوا وسيبقون.
أدرك حجم مسؤولياتك أو هكذا أوهموك، لا تصدقهم فهم يخدعونك، وأنصت إلى نبضات قلبك. سمعت أنك تستعد هذه الأيام لإحراق نفسك، تريث لحظة من فضلك وارسم ابتسامة على ملامح وجهك ولو كانت مصطنعة بدل تقطيب جبينك، ثم تخلص من عدوانيتك، فلا شيء يجبرك على إحراق نفسك، والتكفير عن خطاياك بقتل العقل والحب الذي جمع شغف طفولتنا بين الحواري والدروب الضيقة بحتا عن متعة صغيرة تسعدنا وتجعلنا كبارا.
وأنت تحمل لترا من البنزين ووقيدا، تريت قبل أن تشعل النار في نفسك، وتمعن في وجوه كل المارة بجوارك وتخلص من بنزينك ووقيدك، وتوجه إلى رفاقك في الحي، فربما ظلمناك من حيث لا نعتقد، فالوطن يقسو أحيانا علينا لكنه لا يحقد؛ هو مثل الأب تماما يقسو ويحضنك في لحظة الضياع.
قد تجد أن كل الأبواب سدت في وجهك بعد العجز عن الحصول على عمل شريف، لكن من منا لم يحس مثل هذا الإحساس...نحن بناة الوطن، لايشردنا الفقر أو الإحساس بالظلم.
اسمح لي بسؤال بسيط، هل فكرت يوما أن في إقدامك على إحراق نفسك تضرب بعرض الحائط كل التعاليم الدينية والشرائع السماوية التي تحرم الانتحار مهما تكن الأسباب؟ أكثر من ذلك فاعلم أنك أمام الله ستحمل مسؤولية الآخرين الذين سيقلدونك في ما أقدمت عليه، تذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:(من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم يبعثون، ومن سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم يبعثون).
تخلص من تلك الفكرة واضرب بعرض الحائط نداء المرتزقة التي يدعونك بكلمتين خلف حواسيبهم وبأسماء مستعارة وينادونك إلى الثورة وحرق جسدك تيمنا بمحمد البوعزيزي، أطلب منهم أن يقوموا هم بذلك إذا كانوا بالفعل يملكون درة غيرة على وطنهم.
لا ننكر أن في بلدنا رشوة، وفيها فساد سياسي وإداري، وفيها استغلال السلطة والنفوذ، وفيها أمية وجهل، وفيها انسداد أفق، لكن الحل ليس هو أن تحرق جسدك البريء.
مازلت إلى حد الآن لم أفهم سبب اختيارك إحراق جسدك، أتتصور نفسك مجاهدا...كلا ... إنهم يكذبون عليك... تراجع عن قرارك، حينها ستجدني أول المدافعين عنك... احتكم إلى عقلك قبل قلبك، لا تحتكم إلى (زعماء)همهم الوحيد قتل طموح شبابنا، فنحن أبناء الحي والمدرسة والوطن الواحد. والسلام [email protected]