اختتم البابا فرانسيس الأول زيارته إلى المغرب بعدما ترأَّس قداسا احتفاليا بمركب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، وبعد إلقائه عظة حضرها آلاف المشاركين من مختلف الجنسيات الأوروبية والإفريقية والأمريكية والآسيوية. وعلى مدار ساعتين، كان الحضور على موعد متجدّد مع جوقة منشدين يرددون أناشيد مسيحية، وسط جمهور من جنسيات متعدّدة وتمثيليات رسمية كان من بينها ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، وعبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، وأحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وسيرج بيرديغو، أمين عام مجلس الطوائف اليهودية بالمغرب، ويوسف إسرائيل، حاخام المغرب الأكبر، وأحمد يسّف، الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى. وفي عظته، قدّم البابا فرانسيس الأول مثالا بأب له ابنان، وبينهما مشاكل، ورجع أحد الأخوين بعد غيبة، مع عدم قدرة أحد الأخوين على مسامحة أخيه وعدم فهم قدرة أبيه على المسامحة، واسترسل مفصّلا في القصة إلى أن استنتج أن تحت سقف هذا المنزل يوجد سر الإنسانية، وتساءل في هذا السياق عن من يوجد مكان لهم على طاولاتنا، على الرغم من المشاغل.. وكما تبدو تحت سقف هذا المنزل، حَسَب البابا فرانسيس، الفروقات والمشاكل التي تقف أمام آمالنا ونضالنا من أجل الأخوة، فتلمع تحته أيضا إرادة الأب في أن يكون أبناؤه جزءا من سعادته؛ وهو ما يعني أن قلبه يريد أن ينقذ الناس كلهم وأن يتعرفوا على الحقيقة. وقال البابا إنه في سياق تكون فيه الظروف التي قد تنمي التفرق والمواجهة عديدة، ويكون الإيمان بأن الكراهية والانتقام وسيلة فعالة سريعة تهددنا دائما، يجب أن نعي بأن هذه الأمور "تقتل روح شعوبنا وتسمم أمل أبنائنا"؛ ولذا، يضيف البابا فرانسيس، المسيح يدعو لنرى قلب السلام، ونكتشف إخواننا الذين يساعدوننا على تجاوز المنطق المحدود الذي يفرقنا، والبحث عن جماعة قوية لا عن تشتّتٍ صامت. ويرى الحبر الأكبر أن علينا أن "ندخل في دينامية تمكننا من الرؤية وأخذ مخاطرة العيش لا كأعداء بل كإخوان"، وشكرَ في هذا السياق جهود الجماعات المسيحية على التسامح، وثقافة التسامح التي لا ينظر فيها أحد لآخر بعدم اهتمام، أو يَغُضّ طرفه عند رؤية ألمه، تاركا القصة التي سردها في البداية مفتوحةَ النهاية "ليتمكّن كل منا من أن يكتبها وفق حياته". وعرف القداس الاحتفالي، الذي استقبله مركّب الأمير مولاي عبد الله، صلاة من أجل العائلة الملكية وكل الحكومات، بلغات متعددة، تدعو بإنارة طريقهم للعمل في سبيل البلد، وقيادتهم في الطريق الخالص إلى الهداية والحب، والحوار، والصلاة من أجل الفقراء والمشرّدين، لتبديد الحزن وفتح درب الرجاء مجددا أمام الجميع؛ وهو ما أعقبه توزيع ل"سرّ التناول". كما شهد القداس تأملات تمّت في صمت، وصلاة جماعية، وإنشادا جماعيا رافق الأناشيد الدينية لجوقة تتكوّن من مئات المنشدين والمنشدات من القارة الإفريقية. من جهته، شكر كريستوبال لوبيز روميرو، رئيس أساقفة الرباط، البابا "على حضوره بيننا"، وعلى زيارته التي "تؤكد إيماننا ومهمتنا فوق أرض المغرب"؛ وهي الزيارة التي أتاحت للبابا رؤية جماعة مسيحية تريد العيش بالإنجيل. ورأى رئيس أساقفة الرباط أن دعوة البابا فرانسيس للخروج إلى الأطراف لم تكن باللسان فقط بل يقدّم مثالا عليها بزيارته للمغرب، وزاد متحدّثا عن تأكيد الزيارة أعمال الكنيسة مع المهاجرين وسيرها في سبيل من سقط بغضّ النظر عن أصله ووجهته، والمساهمة في الحوار المسيحي الإسلامي. وقال المطران إن ما يريده مسيحيو المغرب هو "أن يكونوا جسرا بين المسلمين والمسيحيين، والشمال والجنوب، وأوروبا وإفريقيا، وأن يبنوا جسورا، لا حيطانا وحواجز وحدودا". كما عرج، في مداخلته، على طلب البابا "الدعاء معه"، طالبا منه بدوره أن "لا ينسانا من الدعاء"، وتحدّث عن أهمية مساعدة ومرافقة الكنيسة العالمية، وقدّم "ألف شكر" للبابا وللمساعدين، ومرافقيه، وكل من جعلوا الزيارة البابوية ممكنة. وقبل مغادرته القاعة في جو من الاحتفاء والتّواجد شكر البابا فرانسيس الملكَ محمدا السادس على دعوته، كما شكر كل من ساعدوا في تنظيم هذه الزيارة، مبرزا ما تعنيه بالنسبة للمسيحيين والمسلمين، وطالبا من الحاضرين أن لا ينسوه من الصلاة. وبنهاية هذا النشاط، يختتم البابا فرانسيس الأول زيارته الرسمية إلى المملكة التي امتدّت يومي السبت والأحد، وبدأت باستقبال ملكي له في المطار، وعرفت تقديم خطابات عديدة كان من بينها خطاب الملك محمد السادس بأربع لغات في ساحة صومعة حسان، وخطاب البابا بالمكان نفسه، الذي تلته خطابات بجمعية حماية المهاجرين "كاريتاس"، وكاتدرائية القديس بطرس في العاصمة الرباط.