وإذا المنية أنشبت أظافرها ألفيت كل تميمة لا تنفع أبو ذؤيب الهُذَلي إن الحديث عن الموت وأسئلته الميتافيزيقية هو حديث متشعب وتتوزعه مجموعة من التأويلات وتتقاسمه كثير من الطقوس، فالموت أو الفناء مثلا عن المتصوفة هو ولادة أخرى وانبعاث جديد للإنسان، فهو أعز ما يطلب يختاره المتصوف بمحض إرادته ليتخلص من وهم هذه الحياة الفانية ومن زيف هذا الواقع المخادع بحثا عن حياة ثانية مكانها القلب وأول مقاماتها المحبة، وهناك الموت مثلا عند البوذيين يقوم على مبدأ التناسخ فهم يعتبرون أن روح الإنسان بعد موته إذا كانت فاسدة و مفسدة تعود إلى الأرض لتحل في جسد أخر حتى تتطهر من الذنوب والمعاصي ثم تصل إلى مرحلة النيرفانا، وهناك الموت عند العدميين وهو إعلان عن انمحاء الإنسان من الوجود ونهاية سيرة حياة، وأنه لا جزاء وحساب بعد الموت، وعلى أي مهما كانت نظرة الشعوب المختلفة لمصير الموت والطقوس التي تواكبه فإنه يدل عموما على النهاية الحتمية للشيء واندثاره بما يفيد توقف نبض الحياة وحرارتها، و لأن دلالة الموت و إسقاطاتها المجازية من لدن مجموعة من المفكرين على كثير من جوانب حياتنا التي فقدت كثيرا من نبضها وحرارتها هو تعبير عن الخيبة من الاستمرار في لعبة فقدت كل قواعدها، فأشكال الموت التي أطلقها كل من فريدريك بإعلانه عن موت الإله و ميشال فوكو بإعلانه عن موت الإنسان و رولان بارت بإعلانه عن موت المؤلف وجاك دريدا بإعلانه عن موت الكلام إنما هي أشكال مختلفة و متباينة لشكل وحيد هو النهاية، و مادمت أتحدث عن النهاية فإني أجد نفسي مضطرا لاستعادة فرنسيس فوكوياما حول نهاية التاريخ والتي تتأسس على أن الديمقراطية الليبرالية على المستوى السياسي، و اقتصاد السوق على المستوى الاقتصادي هما المرحلة الأخيرة و النهائية والذروة الأخيرة من تقدم المجتمعات. وعليه إذا استعرنا مقولة نهاية التاريخ التي نظر لها فرنسيس فوكوياما، هل يمكننا أن نتحدث عن نهاية السياسة! و كيف نستطيع تشخيص حالة موت السياسة وتوقف حرارتها في حياة الشعوب و الأمم!هل نستطيع أن نتحدث عن موت السياسة! وبالمناسبة أريد أن أشخص حال السياسة ببلدنا المغرب وليس ببعيد عنا انتخابات 25 نونبر وما أفرزته من خريطة سياسية جديدة عنوانها هذه المرة الاسلامويون، فهل ستكون تجربة الاسلامويين هي التجربة الأخيرة من مسلسل التجارب الفاشلة التي خاضها المغاربة! وهل من بديل هذه المرة في حال فشل الاسلامويين في تدبير الشأن العام وتحقيق إرادة الناخبين في العدالة الاجتماعية و المساواة والكرامة! و مهما يكن فإن تجربة المتأسلمين أو إسلاميو القصر اليوم أمام المحك خاصة أنها تأتي في ظرف تاريخي حساس يتمثل في انسداد الأفق السياسي والاجتماعي بالمغرب، وأيضا في حدة المطالب الجوهرية التيي تطالب بها حركة عشرين فبراير، و إذا لم تتعامل الحكومة الاسلاموية المقبلة بحنكة مع مختلف الملفات والقضايا الملحة للشعب المغربي فإن الإعلان الرسمي عن جنازة السياسة بالمغرب هو المناسب لذلك، خاصة إذا علمنا أن حزب العدالة والتنمية الذي نال ثقة الناخب المغربي وبالنسبة المخيبة المعروفة ومن وراءه حركة الإصلاح والتجديد ظلا منذ تفريخهما من كنف المخزن ورقة مهمة تستخدم في كل مرة لضرب الحركات الاحتجاجية الحقيقية المطالبة بالإصلاح الحقيقي و التغيير الجوهري، وهنا لا ننسى الدور الخفي الذي لعبه كل من عبد الكبير العلوي المدغري وعبد الكريم الخطيب باعتبارهما منتوجين خالصيين للمخزن في دعم وتقوية هذا التيار الاسلاموي المحافظ لترسيخ الثبات و الجمود، فماذا ننتظر من تيار محافظ لتحقيق التغيير المنشود الذي يطمح إليه جميع المغاربة و المتمثل في ترسيخ دولة مغربية حديثة تتمتع بمؤسسات قوية و فعالة! و أيضا إذا علمنا أن حزب العدالة و التنمية من خلال استثماره للخطاب الدينو- سياسي باعتباره كما يقول الكاتب العربي نضال نعيسة الصهوة الوتيرة، السهلة و المريحة للوصول إلى مآرب سياسية بحتة لن يكون بمستطاعه إغناء المشهد السياسي المغربي وإعادة الثقة إليه من خلال تعزيمات الفقهاء و خيال الدعاة و الغسل المنهج لعقول الناس بالأفكار الطوباوية الحالمة من خلال ما يسمى بمجالس الوعظ و الإرشاد والتي تصطدم مع قيم الإنسان الكونية، و إنما المغرب يحتاج إلى فاعلين سياسيين حقيقيين يساهمون في بناء دولة مغربية حديثة ومدنية قائمة على الأرض و الدستور واختيارات الناس الفردية و الجماعية، دولة مؤسسات حقيقية تفرزها انتخابات حقيقية تتمتع بنسبة مشاركة شعبية حقيقية ومحترمة وليس مثل الانتخابات الأخيرة التي أبانت على المزيد من الهروب من اللعبة السياسية لأنها أمست لعبة تكرر إنتاج النخب الذيلية للاستمرار في خدمة الأجندة المخزنية، فمتى نستوعب درس الحداثة السياسية لإخراج المغرب من حالة التسيب و الفوضى! و متى ندرك المسافة بين التغيير الحقيقي و الإصلاح الترقيعي على الطريقة المخزنية! [email protected]