هل ستمنعون بيع الخمور؟ هل ستمنعون النساء من النزول إلى البحر عاريات؟ هل ستمنعون التبرج في الشوارع؟ هل ستمنعون المهرجانات الموسيقية؟ هل ستمنعون الأفلام التي تتضمن المشاهد الساخنة؟ هل ستمنعون حرية المعتقد؟... هذه طائفة من الأسئلة التي تستفز بها الصحافة العربية و الأجنبية قادة الأحزاب الإسلامية في الوطن العربي، عند استعدادهم لخوض الانتخابات البرلمانية، بعد ما سمي " بالربيع العربي "، و تكررت هذه الأسئلة مرات و مرات، بعد فوزهم في الانتخابات، فوز النهضة في انتخابات المجلس التأسيسي في تونس، و فوز العدالة و التنمية في الانتخابات البرلمانية في المغرب، وبداية اكتساح حزب الحرية و العدالة الإخواني مع حزب النور السلفي في مصر. لماذا يواجه قادة الأحزاب الإسلامية بمثل هذه الأسئلة عند مشاركتهم في الانتخابات و بعد فوزهم؟ إن حكاية المنع أسهمت في تعزيز حضورها، الحركة الإسلامية نفسها، دون أن تدرك، أنه سيأتي يوم - عند وصولها إلى الحكم - فتذكرها النخب الإعلامية و السياسية بماضيها. عند بروز الحركة الإسلامية في العالم العربي، منذ ثلاثنيات القرن الماضي، بررت وجودها، بأداء رسالة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، في واقع عرف و يعرف الكثير من " المنكرات " الأخلاقية و الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية ، و استندت في ذلك، إلى قراءة شرعية، و صفت الواقع ب " الجاهلية "، فوظفت كل طاقاتها لهدم هذا الواقع الجاهلي، الذي لا يحكم بشريعة الله، و المتأثر بتقاليد الغرب " الكافر "، و الذي ينتشر فيه الخمارات، و سفور المرأة ، و خروجها إلى الشواطئ عارية، و المعاملات المالية الربوية ، و الأفلام و المسلسلات التي تضم مشاهد " المجون"...، و حملت مسؤولية هذا الوضع الجاهلي، للحاكم الذي لا يحكم بشرع الله و يسمح بشيوع المنكرات. و مع تطور الأحداث و توالي السنوات، قامت الحركات لإسلامية في العالم العربي، و على رأسها الحركات المغاربية بمراجعات عميقة، ألغت من تصوراتها الحركية تقسيم المجتمع؛ إلى مجتمع جاهلي، و آخر مسلم يمثله " جماعة أبناء الحركة الإسلامية "، فاعتبرت أن الجميع على دين الإسلام، و لا تحتكر الإسلام، وراجعت فكرة المفاصلة بينها و بين المجتمع، فانتقلت من " التنظيم الطائفي " إلى " مشاركة المجتمع "، كما أسفر عن ذلك،هدم مقولة " التغيير بالسلاح " لإسقاط نظام " الكفر "، فآمنت أغلب الحركات الإسلامية بعد مراجعات طويلة، بالمشاركة في "التغيير من داخل المؤسسات" و كان هذا مؤشرا على قبولها " باللعبة الديمقراطية "، فبادرت الحركات الإسلامية إلى تأسيس الأحزاب، فمنها من سمح لها بذلك " المغرب" و هناك من منعت، و حوربت " تونس " و " مصر ".. غيرت الحركة الإسلامية " مجال الحركة" من المسجد و اللقاءات الدعوية و التربوية" إلى الحملات الانتخابية و المشاركة في البرلمان و الصراع السياسي ، و قد يبدو أن هذا الانتقال يشكل تحولا جذريا، و هذا صحيح، لكن بالنظر إلى " النماذج الكامنة" المتحكمة في مسلكيات " التدافع" لم يقع التحول. إن المتأمل في الخلفية المعرفية للحركات الإسلامية بمختلف توجهاتها في الوطن العربي، يتضح له أن الحركة و هي في زمن المعارضة، استسلمت للقاعدة التراثية " دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة " ولم تعد النظر في هذه المقولة و مراجعتها انطلاق من نصوص الوحي، فنتج عن ذلك أن صاغت خطابا إسلاميا همه الأكبر " إنكار المنكرات " و " دفع المفسدات "، فما من مفسدة في المجتمع و الأمة إلا أقبلت على إنكارها، بالبيانات و الاحتجاجات و المظاهرات و الخطابات، و الردود عليها في الصحف و المجلات، فأصبح إنكار المنكر أولى من الأمر بالمعروف و دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة ، و هذا النموذج سيطر على خطابها الدعوي و السياسي، و إن اختلفت مضامين الخطابين، و من المثير للانتباه أن الغالب في نصوص القرآن " أن الأمر بالمعروف يأتي قبل النهي عن المنكر ". و قد فطن لهذا، المقاصدي المغربي أحمد الريسوني في مراجعته لقاعدة " دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة " و خلص إلى أن الحركات الإسلامية عليها أن تعطي الأولوية " لتقديم البدائل على محاربة الرذائل" و أن الأصل في القاعدة هو:" جلب المصالح أولى من دفع المفاسد". و يمكن الإشارة إلى أن أبا إسحاق الشاطبي 790ه صاحب الموافقات بين في نظريته المقاصدية أن مفهوم حفظ كليات الشريعة بأمرين: أحدهما تشريع ما يحفظها لبقاء جودها، و الثاني تشريع ما يحفظها لمنع ما يؤدي لإزالتها، و هذا المعنى جليل الفائدة، لأنه يؤكد أن حفظ مصالح الإنسان، لا يكون فقط ، بإبعاد ما يفسدها، بل في المقدمة، بإيجاد ما يثبتها و يقويها و يسهم في استمرارها. إن الحركة الإسلامية لو أدركت ذلك، لكانت رائدة ليست فقط، في أساليب إنكار المنكر و إزالته، و تحشيد الجماهير و تعبئتها سياسيا، بل في كافة المجالات، في البحث العلمي بكل ضروبه، و في الفن بكل تلويناته ، و في التعليم و التربية و الاقتصاد و الصحة و الفكر و الأدب، لكن الواقع يقول أن حظها في هذه المجالات ضعيف. بكلمة؛ الحركة الإسلامية في موعد مع التاريخ وهي تشارك في السلطة، لتعمل على تغيير صورة الفاعل الإسلامي المحب " للمنع و التحريم " بإبداع المشاريع و المبادرات في كافة المجالات، و آنئذ سيتحول السؤال: من هل ستمنعون و تحرمون ؟ إلى ما هي آخر مشاريعكم و إنتاجاتكم؟ [email protected]