على هامش الندوة الدولية "دور التأطير الثقافي في محاربة التطرف وتعزيز السلم" شاءت الأقدار الإلهية أن تسوقني إلى حضور ورشة تكوينية في محاربة التطرف وتعزيز السلم من تأطير الأستاذ والباحث مصطفى الشكدالي من تنظيم وزارة الثقافة والاتصال في إطار فعاليات وجدة عاصمة الثقافة العربية لسنة 2018 التي احتضنها مركز الدراسات بوجدة يوم السبت 23 مارس 2019 ، وكنت أتوقع أن تكون الورشة منصبة في التعرف على آليات ووسائل تفكيك التطرف بحكم ما نعيشه حاليا من تطرفٍ وسوء فهم ٍلكثير من المفاهيم ، فنحن محتاجون بشدة لمعرفة هذه الآليات ، وإذا بالورشة عبارة عن جلسة يغلب عليها كلام المؤطر لم تتخللها إلا أربعة أو خمسة أسئلة من الطلبة الحاضرين ، خَتَمَتْها كلمة مدحية من أحد الطلبة ظهر منها أنه لم يفهم شيئا مما كان يدور ويروج في تلك التوصية لا الورشة . كان حديث الأستاذ منصبا على بيان نظرة علم النفس للإنسان أو قل نظرة الفلاسفة للإنسان المتدين بحكم الأمثلة والاستشهادات الواقعية والاجتماعية المضروبة في تلك الندوة، فانطلق الأستاذ في كلامه ذلك من خلال أربعة مستويات: مستوى داخلي فردي مستوى بين شخصي: أي بين الأفراد مستوى داخل الجماعة: الانتماء مستوى بين الجماعة والجماعات الأخرى وختمها بأمرين اثنين: التمثلات الاجتماعية التنافر المعرفي تخللت هذه الندوة أو الدرس الوعظي الفلسفي إن شئنا القول مجموعة من الرسائل المشفرة التي تحاول توجيه النقد للمعتقد الديني، بعض المرات يصرح الأستاذ بذلك، وبعض المرات يتم تغليف تلك الرسائل بغلاف السخرية المجتمعية أو النقد الشعبوي، لا يقدر السامع على التدخل وإلا سيكون موضع استعراض عضلات الأستاذ الفلسفية والنفسية. بعض الأمور والأفكار تجد نفسك مرغما على تمريرها بحكم عمقها واحتياجها لجهد جهيد من قبل الطلبة لفهمها ، فما دام أن الغالب منهم لم يقف على مراد الأستاذ من الإتيان بها فلا حاجة إذن لبيانها أو نقدها ، لكن هناك أمور اضطررت للتدخل فيها بحكم ما تحمله من دلالات نقدية حادة لأصول اعتقادية عليها يقوم إيمان المرء ، من ذلك على سبيل المثال قوله في معرض تفسيره للمستوى الأول من مستويات التحليل الأربع ( ليس هناك شخص سوي على وجه الأرض ) باعتبار أن المتطرف له اعوجاج نفسي يريد التعالي عليه من خلال ذلك التطرف الفكري أو السلوكي ، فتوقعت منه بحكم التعميم الذي وقع فيه أن يستثني شخصيتنا المعروفة وقدوتنا المشهورة لكنه زاد وأكد على أنه لا يوجد بشر في الكون كله سوي ، فاستوقفته قائلا : اسمح لي يا أستاذ أن أخالفك في هذه النقطة بالذات ، وإن كان الدين لا يرى مانعا في العمل بهذه المستويات الأربع بل له السبق في تأطيرها من منظور قرآني لا من منظورات أخرى ، ونحن كبشر نحتاج إلى نموذج نقيس عليه أفعالنا وأعمالنا من الحسن والقبح والخطأ والصواب لأجل الإصلاح والارتقاء للأفضل ، وهذا النموذج هو رسول الله الرجل السوي ، فقد كان رسول الله رجلا سويا بشهادة زوجته وأصحابه بل وبشهادة المخالفين لدعوته ، ثم القرآن الكريم يبين لنا أن الرجال نوعان رجل يهيم على وجهه ورجل سوي على الصراط ﴿ أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ﴾سورة الملك الآية 22 وقد وصف الله جبريل حين أرسله لمريم فقال ﴿ فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ﴾سورة مريم الآية 17 فأحسست به تتغير أوصافه بعد سماعه لآيات من القرآن الكريم تخالف مقولته ، فتدخل قائلا : أنا لا أقصد رسول الله فهو شخصية مقدسة ونحن غير مطالبين بأن نكون نُسَخاً منه – أو نحو ما قال – ثم رجع إلى تمثلاته الاجتماعية . هذا مثال بسيط لما كان يروج في مجلسه وإلا فكلمته تضمنت مجموعةً من المفاهيم والأفكار المناقضة صراحة لصميم الشريعة الإسلامية مثل: علامات الساعة: مجرد تعبيرات اجتماعية لظواهر لم يستطع المجتمع أن يفسرها. خلو الرجل بالمرأة وتثليث الشيطان لهما: مسألة لا يقولها إلا رجل لا يلم بالوضع الاجتماعي. كاذب من لا يكذب: في إشارة إلى كل متحدث هو كاذب ولو ادعى الصدق، والغريب في هذا أنه كان يدعي الصدق فيما يقوله وهو يعظنا وأن من سمات شخصيته التي يحاور بها في التلفاز والمذياع أنه صريح وصادق. أفكار استعمت إليها بإمعان ووصلتني الفكرة التي كان يعمل جاهدا على تمريرها وكأنني بحسن حنفي وهو يخاطبنا بضرورة إعمال العقل وتخليف النقل ، وأن الكبت الجنسي مؤثر على فعل المتطرف بحكم أن جماعته تجعله يعتقد أنه إذا مات في سبيل الله فسيعطيه الله سبعين حورية ، ففي منظور الأستاذ الباحث لو لم يكن هذا الرجل مكبوتا جنسيا لما استغلته جماعته ووعدته بالحوريات السبعين ، وكأن الكبت الجنسي هو سبب التطرف والإرهاب والقتل والدمار الذي يقع الآن في العالم العربي والإسلامي ، مما يفيد أن المسلم بصفة عامة هو إنسان مكبوت جنسيا لذلك وعده الله بالحور العين في الجنة ﴿ حور مقصورات في الخيام ﴾سورة الرحمن الآية 72 خصوصا أن الأستاذ الباحث صرح أكثر من مرة أنه ولا أحد منا ولا من الناس استطاع أن يشبع شهواته الجنسية ، ولا أعرف إذا كان هذا الجزاء الأخروي يدل في منظوره على الكبت الجنسي للمسلمين ألا يدل كذلك على الكبت الجنسي عند الغربيين الذين جعلوا المرأة سلعة وبضاعة يفوز بها الرجل أثناء فوزه باليناصيب أو شرائه لسيارة فارهة أو نومه في فندق من الفنادق العالمية (ستار كلاس). هذه الأمور وغيرها كثير مما تخللته ندوة الأستاذ جعلتني أقول في نفسي: لماذا نحارب التطرف بالتطرف؟ نحارب فكرا متطرفا بفكر متطرف آخر يحاول تغييب الإنسان أثناء دراسة الإنسان بل وتغييب الدين أثناء ذلك والأشد منه والأفظع هو أن نجعل الدين هو السبب في ذلك التطرف من باب أن هذا الدين يحتاج لإصلاح، وهل الدين شيء مكسور يحتاج أن نصلحه؟ الصحيح لا يُصْلَح. إن تغييب المنظور الديني أثناء الإصلاح النفسي من أكبر الأخطاء التي يقع فيها أمثال الأستاذ لأن الدين أصل في الوجود الإنساني وليس فرعا نقابله بمتغيرات ونعرضه عليها لرد فروعه والضرب في أصوله ، هناك مقولة تقول "النجار أعلم بصنعته من الناس" فصانع الكون أعلم بمخلوقاته فهم مخلوقاته وصُنْعُهُ وَصَنْعَتُهُ ﴿ هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه سورة لقمان الآية 11 ﴿ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ﴾سورة الملك الآية 14 فكيف نُغَيِّبُ الخالق أثناء دراسة الخلق ، منذ بَدْءِ المحاضرة إلى انتهائها آية واحدة استشهد بها الأستاذ وقرأها خطأ ( ولكن أكثر الناس لا يفقهون ) وجاء بها على خطئه فيها في سياق خاص لا يقتضي الاستشهاد ، بمقابل ذلك ذكر أكثر من عشرة فلاسفة وعلماء نفس واجتماع غربيين، هذا الأمر يوحي بضرورة اعتماد المنهج الغربي في دراسة الإنسان العربي – المسلم - ، فلماذا تغييب الدين والقرآن والسنة ، إذا أُغْفِلَ الدين في منظومة إصلاح الإنسان فلا إصلاح حينئذ بل هو فساد وإفساد ﴿ فبأي حديث بعد الله وآياته يومنون ﴾سورة الجاثية الآية 6 فَلِمَا نتطرف ونتجاوز الدين في تحليل الفعل والسلوك الإنساني وإذا استشهدنا بآية أو حديث نخرجهما عن سياقهما لحاجة في نفس يعقوب ، لابد من مراعاة السياق في الخطاب والانتباه لأساليب العرب فيه وإلا فَسَيَجْعَلُ فَاقِدُهُمَا أصل الإنسان عجلا لا قردا ﴿ خلق الإنسان من عَجَلَ ﴾ الأنبياء الآية 37 فمراعاة الفرق بين كسر وفتح وضم وسكون محدد للمفهوم وملزم بالغاية ، وكذلك الإنسان خطاب الرجل المكسور المقهور ليس هو خطاب الرجل المفتوح ولا هو خطاب المرفوع ولا خطاب الساكن الهادئ فيختلف الخطاب على حال المخاطب وظرفه . هذه بعض من الأمور أحببت الإشارة إليها في ندوة الأستاذ الشكدالي وإلا فالمواضيع والأفكار التي تناولها كثيرة جدا تحتاج لأكثر من مقال.