1- التفلسف الكاذب ومسألة "فصل الدين عن السياسة": 2- بين الذاتية والموضوعية : 3- نقض النقد والأصولية العلمانية: 4- تقية العلمانيين : التوسل بالمعني الجزئي لعلمانية لممارسة علمانية شاملة : 5- إلتقاء "السلفيين" والعلمانيين على التقليد : قال تعالى : (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) الآية 13،سورة الحجرات. (الإستشراق غيب العربي عن زمانه ومستقبله وحوله إلى موضوع لا زماني ولا تاريخي) د.مصطفى نصر المسلاني. (هؤلاء الذين يفصلون الدين عن بقية مجالات الحياة أنه لو ظهر فى الحياة العامة فإن هذا مظهر من مظاهر التخلف، وفى ذهنهم بطبيعة الحال المشروع العلمانى الغربى وما يسمى مشروع النهضة العربى الذى جعل شعاره اللحاق بأوروبا، بحلوها ومرها، وخيرها وشرها، وكأننا ببغاءات عقلها فى أذنيها.) د.عبد الوهاب المسيري 1- "التفلسف الكاذب" ومسألة "فصل الدين عن السياسة" : التفلسف الكاذب هو مصطلح وضعه "كانط" للدلالة على الميل إلى إثارة المشكلات من دون أن يكون هذا الميل مصحوبا بإرادة الوصول إلى حلول علمية وهذا لايليق بالمثقفين القاصدين للحق لا إلى إثارة المشاكل دون حلول ! لدينا مثقفون هم مثال واضح ورديء للمثقف الذي يعيش تيها فكريا واضحا بتوظيفه لمفاهيم وضعتها المجتمعات الأخرى فيأخذ في التخبط في معاقدها ومغالقها بل في متاهاتها وأحابيلها لاقدرة له على استيعابها وهؤلاء وإن كانوا مثقفين بالمعرفة المنتجة في مجتمعات غير مجتمعاتهم إلا أنهم – ولهذا- يفتقدون "الشخصية الثقافية". يحسن بنا أن نوضح للقارئ الكريم الخطة العامة التي يسير عليها بعض المثقفين أصحاب قوى التقليد للمتأخرين وأهل ما أسميه ب "الخيانة الثقافية" فيما يخص الدين والسياسة ، هذا البعض ينطلق من فكرة عامة هي "فصل الدين عن السياسة" لأن إقحام الدين هو سبب تخلفنا من دون أن يبين وجه هذا الإقحام لأن العلمانيين يدعون إلى فصل الدين ليس عن السياسة فقط كما يظن بل عن كل الحياة العامة والخاصة وإن لم يصرحوا بذلك مباشرة بل "تقية" ، ثم يضع المبررات لهذه الفكرة بضربه لعقيدة المسلمين والإفتئات على نصوص الإسلام سيرا على نهج المستشرقين من قبل تقليدا حذو النعل بالنعل وهو ما يؤكد الإرادة الكامنة للعلمانيين في محو التدين من المجتمع حتى على مستوى الحياة الخاصة إذ لاشك أن فارغا مغترا مقتنعا بمثل هذه الأفكار سيلعن الدين وأهله "ويكفرهم " على طريقته لأنهم لم يؤمنوا "بوحدانية إلاهه الخفي" و "يعتز" بسب الله وأنبياءه إلى أن تأتيه سكرة الموت بالحق، هكذا ينكشف أن الأمر لم يعد متعلقا بفصل الدين عن السياسة ! وقلت سابقا إن فكرة الفصل حمالة أوجه والوجه المشهود في الواقع أو طبيعة هذا الإقحام تعبر عنه علاقة الإسلام بالسياسة في المغرب وهي علاقة استتباع الدين بالسياسة ، فلو كان المتشدق بالفصل شجاعا وجريئا حقا لسعى لانتقاد من استتبع هذا الدين بالسياسة انسجاما مع فكرة الفصل لا أن يفرغ مكبوته المتطرف على نصوص الإسلام افتئاتا وتجنيا بدون منهج علمي سوى إثارة الشبهات على طريقة السفسطائيين والشيطان من قبلهم ! من السهل أن ثثير شبهة عامة بلا تفصيل فتقول مثلا : إن الإسلام "دين إرهاب" فتنطلي على من لاقدرة له على ردها فيستعظمها، لكن الجواب على هذه الشبهة سيستغرق كتابا كاملا ! فكل شبهة لا تمت للسؤال الفلسفي بصلة إذ لم تقم بشروطه تحتاج لكتاب كامل لبيان ضعفها وركاكتها ولكن الناس لا تقرأ للأسف.وإذا عزا هؤلاء أسباب التخلف إلى الدين فلا شك يعرفون مؤشرات التقدم فليمدونا بها إذن أم هو استظهار للأفكار المتسولة من "الأسياد" كما يستعرض المتسول دريهمات معدودة ليوهم الناظرين أنه من الأغنياء،هل نحن بحاجة لمثل هذه الأفكار "المتنورة" التائهة لتعمق من التيه المسمى ب"التنوير" !..إنه من السهل أن نصف الإسلام بأنه سبب التخلف متى أخرجناه من السياق الحضاري والتاريخي والإنساني والإجتماعي تماما كما فعلت الولاياتالمتحدة حين وصفت المقاومة ب "الإرهاب" ، فهذا الخطاب ينزع الظاهرة من سياقاتها ليسهل وصفها بما شاء بل إن المسألة تعدت تجاوز السياقات إلى الإسقاط السافر للفكر اللاهوتي الكنسي الذي وقف حجر عثرة أمام العلم بازدراء الطبيعة وتحريم التعامل معها على الفكر الإسلامي الذي يريد البعض أن يقنعنا بأنه إنما هضم التراثات الإغريقية واللاتينية والسريانية التي نقلت المسلمين من البداوة إلى الحضارة من دون أن يخبرنا أن علماء المسلمين لم يأخذوا ذلك على علاته بل أخضعوه للكتاب والسنة وأحكام العقل بالإجتهاد.قالت المستشرقة الألمانية "زيجرد هونكه" :" استطاعت الحضارة الإسلامية أن تضع أسسا ذاتية كانت سببا منذ البداية في عملية الإقلاع الفكري الذي أثبت كفاءته ومقدرته وأصالته منذ أن بدأ وحتى وقت متأخر جدا من القرون الوسطى. الأمر الذي جعل المؤلفات الإسلامية مصدرا غنيا جدا بالمعرفة لم يكن الإستغناء عنه في الأوساط الأكاديمية والمدرسية الغربية أو تعويضه ببدائل حتى مطلع القرن السابع عشر" ولعل ذلك يرجع إلى المبادئ والأصول العامة التي أرساها علماء المسلمين وضربت الكاتبة على ذلك بأمثلة كثيرة منها مقولة النظام الشهيرة " الشك هو الشرط السابق للمعرفة" ! حث الإسلام على العلم والبحث والاستفادة من الطبيعة في مصدريه القرآن والسنة ومن ثمة على ألسنة المدارس الفلسفية على اختلافها..على عكس الفلسفة اليونانية والمعتقدات المسيحية. فالفلسفة اليونانية بثنائيتها – dualismus- الخالق : الذي له مجاله وعالمه ووسائله وأدواته – والطبيعة: تلك المادة البشعة العفنة التي لاتستحق سوى الإهانة والإحتقار – مما حمل اليونانيين على احتقارالعمل اليدوي واعتباره وقفا على طبقة العبيد،بينما الفكر هو للسادة- أعاقت العلوم الطبيعية،وينجلي هذا أيضا في حوار "ثيمايوس" لأفلاطون الذي يقدم الحيز الفاصل بين التفكير النقي واليقين الناقص بالطبيعة ! وأما المعتقدات المسيحية فهي تأثرت بتصورات الفلسفة اليونانية ،هذه التصورات التي أصبحت منذ منتصف القرن 12 عشر توصيات استبدادية،تباركها الكنيسة ! حقا لقد لعبت الفلسفة الإسلامية دورا فعالا في إرساء القواعد الأولى للنهضة وهدم عالم العصور الوسطى في أوربا ! الصلاة والصوم وغيرها لم تكن مجرد طقوس جوفاء فبصرف النظر عن أثرها الأخلاقي قادت المسلمين إلى الإنفتاح على الطبيعة وإيلاءها العناية لتحديد المواقيت ما أدى إلى اختراع الأدوات التي تعين على تحديد الإتجاهات من أجل معرفة القبلة ومنازل الشمس والقمر وكان اختراع الإصطرلاب الذي كان معجزة علمية آنذاك. 2- بين الذاتية والموضوعية : لا يستقيم ألبتة أن تنعت كتابات الإستئصاليين باسم "التنويروالحداثة" بالموضوعيةobjectivité-objectivity بل بالذاتية subjectivité-subjectivity ، فالموضوعية مسلك الذهن الذي يرى الأشياء على ماهي عليه فلا يشوهها بنظرة ضيقة أو بتحيز خاص بمعنى"أنها استعداد فكري لذلك الذي "يرى الأشياء كما هي" الذي لايشوهها لا بضيق فكري ولا بتمذهب أو تحزب "،في حين تعني الذاتية جعل الأحكام والمواقف مبنية على الذوق والشعور والعواطف والأهواء الشخصية (أنظر معجم لالاند). ومن يقرأ مقالات هؤلاء سيكتشف موقفا علمانيا استئصاليا متطرفا خطيرا ولاشك أن الرغبة في الإستئصال والتطرف هما ضد الديمقراطية التي تقبل الإختلاف وضد مبدأ الموضوعية الذي يفرض التجرد من الأهواء ! أي موضوعية تلك حين ترى الذات بمنظار الآخر ؟ 3- نقض للنقد والأصولية العلمانية : تشتهر الفلسفة على أنها ممارسة للنقد ، بل إن حد الفلسفة هو ممارسة النقد، لكن لابد أن يكون لهذا النقد نهاية ونتيجة يصل إليها وإلا فإن المآل كما يقول الفيلسوف المجدد طه عبد الرحمان :" يكون لا محالة هو التعطيل كما يتجلى هذا في النزاعات اللاأدرية والشكية والعدمية والفوضوية ، فلا معرفة ولا طريقة ، بل لا عقل فيها ، فالعقل الذي ينفي ذاته يكون قد أفناها ، والنقد الذي لا نهاية له نقض للنقد ، ولا عقلانية بعده ! يلزم أن يكون للنقد الفلسفي نهاية يقف عندها ولا يكون له ازدياد بعدها، متى بقي هذا النقد متمسكا بمعيار العقلانية في منهجه ، وقد تتخذ هذه النهاية المطلوبة للنقد صورتين : صورة الدور أو صورة المستقيم(1). يبدو أن بعض الإخوة العلمانيين في المغرب وأخص بالذكر مثقف الإيديولوجيا الأمازيغية أحمد عصيد الذي قلد أساتذته من العرب في مدرسة التقليد العربي هم أيضا أصوليون، هذا النعت الذي ينطبق عليهم كما أسبلوه على بعض المسلمين تقليدا وإسقاطا لأن مصطلح "الأصولية" ظهر في الثقافة المسيحية لا في الثقافة الإسلامية والكلمة بحد ذاتها بعيدا عن دلالتها المستوردة صحيحة لغويا و يمكن أن تطلق على المنهج في علم أصول الفقه، فلا أحد من العلمانيين هؤلاء قرأ عن الإسلام و وتخصص في علومه إنما هو إطلاق الأحكام على الإسلام والمسلمين بكل صلافة بصيغة جازمة وكأنها افتراضات ثبتت صحتها ! وهذا هو عين التعصب فهم لذلك "أصوليون" حقيقيون لأن التعصب للأفكار دون التعرف على أفكار الآخرين هو اضطهاد وإرهاب فكري ومصاردة للرأي الآخر من دون التعرف عليه وإنما هو الإفتئات وتفسير الأمور بما يخدم غرضهم - فمثلا عصيد أبان عن جهل فاضح في "أسئلته الصعبة" ارتأينا عدم الرد عليها شبهة شبهة لأنه من السهل حتى على الطفل الصغير إثارة الشبهات التي تحتاج لكتب كاملة لبيان وهنها، فالطفل قد يقول لك إن الله غير موجود لأني لا أراه فتتبسم له ثم تتريث إلى حين يبلغ تفكيره مستوى التجريد فتحيله على كتب ويبدو أن بعض من بلغ من الكبر عتيا ليس بأحسن من الأطفال في تفكيره !- و هي التهم التي ألصقها المستعمرون بالإسلام وجمعوها في مصطلحهم "الأصولية" الذي جاؤوا به من بيئتهم فتلقفته أقلام مثقفين شكلوا تشكيلا . إن الملابسات التاريخية التي ظهرت فيها "الأصولية" في أوربا كانت بالذات أثناء ظهور محاكم التفتيش المسيحية التي كانت تخير مسلمي الأندلس بين القتل والردة عن الإسلام ، وهذا المصطلح لائق على كل من يتهجم على الإسلام بدء بالغربيين المتطرفين إلى أذنابهم بين ظهرانينا .. إن "الأصوليين" الحقيقيين هم العلمانيون الحاكمون الذين فرضوا الأوضاع المزرية في السياسة والتعليم والإعلام والدين بالقوة والإرهاب والقمع والمصادرة حتى شكلت هذه الأوضاع شخصية مغربية ممسوخة من كل القيم النتنة للعالم ومن كل ثقافاته..الأصوليون هم من هجموا على المغرب ذات يوم واستنزفوا ثرواته بالدبابة والسلاح ثم استتبعوه سياسيا وثقافيا واجتماعيا ونمطوه بمعونة من أذنابهم المخلصين أصحاب "الخيانة الثقافية" فكما كان في المغرب أثناء المقاومة بالسلاح خونة يبيعون الوطن كذلك في المغرب اليوم في ظل المقاومة الثقافية خونة يبيعون الوطن ! 4- تقية العلمانيين : التوسل بالمعني الجزئي لعلمانية لممارسة علمانية شاملة : من خلال الفكرة العامة : الدعوة إلى فصل الإسلام عن السياسة-التي قلت عنها في سابقا إنها حمالة أوجه نظرا للخصوصية التوظيفية للدين في المغرب والتي نختصرها بالقول : إن الدين مستتبع بالسياسية - يتضح أن هؤلاء يستنجدون بالمفهوم الجزئي للعلمانية والذي يعني فصل الدين عن الدولة، لكنه ما يلبث أن يبينوا عن نظرتهم الإقصائية المتطرفة للدين عموما حتى من دائرة العبادات الفردية من خلال ضرب للنص القرآني وما يتعلق كوصفه وفق الخطة المنهجية المعروفة لدى مدرسة التقليد العربي صاحية القراءات الحداثية للقرآن وعلى رأس أساتذتها محمد أركون ونصر حامد أبو زيد وطيب تزيني ! ومن خلال تخطئة للنبي عليه الصلاة والسلام حين يستنكرون اتباع أشخاص أخطأوا منذ 14 قرنا، ولفظ الأشخاص يستغرق شخص النبي محمد عليه الصلاة والسلام ! والمهم من ذلك تبين النظرة الإستئصالية المتطرفة وعلاوة على كونها ضد الديمقراطية التي تقبل الإختلاف إذ من أبسط تجلياتها مبدأ الإختلاف فإن الأمر لم يعد يتعلق بالعلمانية الجزئية لأن هذه العلمانية تتعلق بأمور فنية وإجرائية والدولة فنيات وإجراءات، بل بعلمانية شاملة هي المرجعية النهائية والمطلقة تدعو إلى فصل القيم الأخلاقية والإنسانية عن الحياة، أي أن العلمانية في الحقيقة ما هي إلا "دين أرضي" في مقابل الدين السماوي ولقد عبر أحد العلمانيين عن هذه الفكرة بقوله : " أنا إله نفسي " وهو المعنى المشار إليه في قوله سبحانه : "أفرأيت من اتخذ إلاهه هواه " ! إنه إسباغ للمطلقية على الإنسان مع استحالة تجرده من الأهواء والمصالح ! قلت سابقا إن مفهوم العلمانية تم تناوله من منظور مختلف عما هو سائد وشائع وأومأت لكتاب الدكتور عبد الوهاب المسيري الذي يفرق فيه بين العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، فالأولى تعني فصل الدين عن الدولة بينما الأخرى تعني :(فصل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن الحياة في جانبيها العام والخاص)! ولسنا بصدد تناول مفهوم العلمانية والإشكالات الحاصلة فيه ودلالاته المختلطة وإنما مرادنا أن نبين أن بعض العلمانيين المتطرفين لم يكن هجومهم على عقيدة المسلمين،بهذه الجرأة والصلافة التي لا تؤهلهم للخوض فيها بحكم تكوينهم،أمرا عبثيا وإنما هجومهم ذاك يعبر عن رؤية واضحة لمعنى العلمانية الشاملة فالمسألة غير مرتبطة بفصل الدين عن الدولة، لإنه مادام الدين كما يتصوره مجرد شعائر فما دخله في التخلف وهو مسألة إجرائية وفنية محضة في تصورهم ، لأن مفهوم التقدم عندهم لا يخرج عن إطار النظرة المادية للكون كما أخذوه من الغرب الذي نؤدي عنه نحن ضريبته الأخلاقية بلا تقدم مادي أو كما قال عبد الله العروي : " لا دين لا دينا "، ولم هذا الإهتمام ؟ وإذا كان في الإسلام إجراءات أيضا فذاك جانب معطل ثابتا كان أو اجتهاديا! فإذن التهجم على عقيدة لا تهم الدولة في شيء لكونها إجراءات وفنيات – ولا معنى عندنا لما سطره الدستور "الدولة الإسلامية" لأن دولتنا لم تلتزم بإجراءات الشريعة في شقها الإجرائي والعقيدة تهم الأشخاص الطبيعيين لا الدولة الشخصية المعنوية فأي معنى لقولك "إن الدولة تصلي أو تصوم أو توحد الله" ! هي مؤسسات وإجراءات - يخفي وراءه اعتبار العلمانية المرجعية النهائية والمطلقة فينبغي فصل القيم الأخلاقية والإنسانية عن الحياة، وهذه نظرة متطرفة استئصالية لا تعتبر المآلات من شأنها أن تقود للفتنة ! الإرهاب نفسه كان صنيعة هذه النظرة الإقصائية وليدة التطرف الغربي ! ولأن مرجعية المد الإسلامي الذي يعبر عن وجهة نظر سياسية هو العقيدة الإسلامية فينبغي ضربها ليختفي الشعور الديني لدى الناس والذي يقوم هذا التيار السياسي ! إن ما يميز المشهد السياسي- الذي يشهد واقعه الرسمي تعددا حزبيا بلا تعدد سياسي- في المغرب هو البعد عن مبدأ الإختلاف والنظرة الإقصائية للخصم السياسي وقمع المعارضة السياسية الحقيقية من الإسلاميين أو اليساريين وهذا هو سبب التخلف بعينه ! كان على هؤلاء لو كان شجعانا حقا لا يخشون على خبزهم أن ينتقدوا الأنظمة المطلقة التي تستمد احتكارها للسلط من الدين من جهة علاقة الإستتباع لا أن يهجم على عقيدة إنسانية وحضارية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.. لكن العلمانية الشاملة لا وزن لمعروف عندها ولا منكر وإنما هو الغاية تبرر الوسيلة ! 5- إلتقاء "السلفيين" والعلمانيين على التقليد: لابد في البداية وأن أبرز موقفي مما يسمى "السلفية" فالسلفية منهج وليست جماعة بعينها وهؤلاء الذين يطلقون مسمى "السلفية" على أنفسهم قد يخطؤون هذا المنهج كما أن من يخالفهم قد يصيبونه ، فقد يكون الصوفي سلفيا متى أخذ بهذا المنهج وقد يكون "السلفي" مبتدعا متى شذ عنه ! فلا يفهم أن السلفية مخصوصة بأتباع الثالوث: بن تيمية وبن القيم و محمد بن عبد الوهاب ولا أقول "الوهابية" لأن هذا اللفظ هو تلفيق محض أطلقه المستعمر البريطاني على حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ضد البدع التي كانت تخدم استراتيجيته في تفريق المسلمين من باب الألفاظ وأطلقه خصومه من الطرقيين والشيعة وتلقفه الباحثون ووسائل الإعلام دون تمحيص ! إن "السلفيين" والأصح هو لفظ المتسلفين والمراد بهم باختصار جماعة من المسلمين يعيشون في الكتب الصفراء- كناية عن التقليد لا تنقيصا من شأن تلك الكتب - بعيدا عن الواقع وملابساته أو هم مقلدة المتقدمين الذين يعجزون عن التجديد في دعوتهم فيهم من اعتزل عن السياسة فلا يتعاطى إلا الشعائر وأحيانا يغالي في المظاهر حتى لكأنه يظن أن المقصد في الشعيرة الدينية هو الشعيرة نفسها حتى رموا بالتطرف والتعصب والتخرف جالبة لهم تهما تضر بدينهم أكثر مما تضر بهم هم ! ومعلوم أن المقصد في الشعائر هو آثارها لا الجمود على ظاهرها والواقع الأخلاقي لهؤلاء يؤكد لنا هذه الفكرة إذ ليس حظهم من الإقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم إلا جمود على الظواهر بل لا غرو أن تجد فيهم من يخالف هديه صلى الله عليه وسلم في السلوك والمعاملة الحسنة ! وفيهم من اقتحم غمار السياسة لكن بالوعظ ليس إلا في حين يطلب منه التجديد بما يقتضيه العصر ! فهؤلاء كلهم يتبعون ما أبدعه السلف المتقدم ويسقطونه على الواقع المعاصر. أما قوى التقليد من العلمانيين فهم كأولئك يقلدون المتأخرين من الغربيين فيسقطون مفاهيم أنتجت في مجتمعات غير مجتمعاتهم ما يسقطهم في تيه فكري و"خيانة ثقافية"، إنهم يسقطون ما أبدعه الغرب من غير تحصيل الأسباب التي جعلتهم يبدعون ما أبدعوه على واقع مجتمعاتهم ! [email protected] http://elmeskaouy.maktoobblog.com face book: hafid elmeskaouy ------ 1: المرجو قراءة : فقه الفلسفة : الفلسفة والترجمة/ د.طه عبد الرحمان : الفصل 3: 2-الصفة النقدية للتدليل الفلسفي وما قبلها وما بعدها.