كتاب "الزمن بين الوهم والواقع" جزء من مشروع في أجزاء متتالية يريد من خلاله حفيظ بوطالب جوطي، الأكاديمي المتخصّص في الفيزياء النّظريّة، إطلاع القارئ غير المختصّ على الفيزياء الحديثة بوصفها علما استنتاجيا ينطلق من موضوعات وفرضيّات تضعها التجربة على المحكّ، وتقريبه من علم تتطوّر فيه المفاهيم فيعدّل بعضها، ويلغى البعض الآخر، لِتَحُلّ محلّها مفاهيم جديدة يبتَدِعُها العقل العلمي مستوحيا الطبيعة التي قد لا تجيب عندما تسأل أو تجيب أجوبة غامضة، في استشهاد بقولة لعالم الرياضيات والفيزيائي فايل هرمان. ويقصدُ الكتاب، حَسَبَ مقدّمة كاتبه، "شفي غليل القارئ المتعطّش إلى المعرفة" و"نشر الثقافة العلمية"؛ التي يعدّ "أحد الشروط اللازمة لتقريب العلم من المجتمع والدعوة إليه"، و"التخفيف من الاستلاب الذي يعاني منه المجتمع العربي كمستهلك مدمن للتكنولوجيا، بعيدٍ كل البعد عن العلمِ الذي يُنتجها، وتوعيَتِهِ بضرورة الخروج من هذا الواقع المؤلِم". ويستحضر الكتاب بقاء العلم مبنيا على الحدس حتى مطلع القرن العشرين، حيث لم تكن قضاياه تتعارض مع الحسّ المشترك، وبالتالي كانت التقنيات المبنيّة عليه سهلة التفهّم والقبول، بل وسبقت العلم، وهو الوضع الذي تغيّر كليا في العقود السبعة الأخيرة؛ فأضحى كل شيء ينطلق من المختبرات ليتحوّل في فترة تقصُرُ يوما بعد يوم إلى تقنية تغني منتِجِيها في العالم المتقدّم وتزيد من رفاهية المجتمع، وتسهم في تنمية المعرفة التي أنتجتها. كما يهدف هذا الكتاب إلى إيصال القارئ إلى أجوبة علمية مبسّطَة لتساؤلات شكّلت جزءا مهما من اهتمامات الفيزيائيين، من قبيل: ما معنى ارتباط الزمن بالفضاء ليصِيرا هيكلا متّصلا يسمّى الفضاء-الزمن؟ وهل يمكن للزمن أن يتحوّل إلى فضاء؟ وهل يمكن للفضاء أن يتحوّل إلى زمن؟ وما معنى تشوّهات الزمن وتشوّهات الفضاء؟ وكيف تؤثّر المادة والطاقة في الفضاء-الزمن؟ وكيف تتأثّر بهما؟ وما تجاعيد أو ارتعاشات الفضاء-الزمن؟ أي الأمواج التثاقلية التي تنبّأ بها أينشتاين عام 1916 ورُصدت في نهاية 2015 وأُعلن عنها في بداية 2016، وقادت ثلاثة فيزيائيين أسهموا في رصدها إلى الحصول على جائزة نوبل للفيزياء. ومن بين ما استهلّ به حفيظ بوطالب جوطي كتابه أسئلة؛ منها، على سبيل المثال لا الحصر: هل هناك فرق بين الماضي والحاضر والمستقبل؟ وما معنى سهم الزمن؟ وما علاقته بالانفجار الأعظم؟ ولماذا يتجه كل شيء في الطبيعة نحو مزيد من الفوضى أو الأنتروبيا؟ وهل يمكن أن نسافر في الزمن نحو المستقبل، أو نرجع إلى الماضي ليقتل الحفيد جدّه قبل أن يصبح جدّا؟ ولماذا هناك أربعة أبعاد فقط للفضاء-الزمن؟ ولماذا ليس هناك أبعاد أكثر؟ وماذا عن الأبعاد الخفية؟ وما كيفية رصدها؟ وهل الفضاء-الزمن متّصل كما تفرضه نظريّتا النسبية الخاصة والعامة؟ ولم لا يكون الفضاء-الزمن مكمّما في المسافات جد المجهرية كطول بلانك وزمن بلانك؟ وهل للزمن بداية ونهاية؟ ويذكّر الأكاديمي المغربي، في كتابه، بأنّ الفيزياء مثل غيرها من علوم الطبيعة علم تجريبي يقوم على الرصد والتجريب؛ فهي تشرح الظواهر الطبيعية وتتنبّأ بأخرى، وعندما تصدق تنبّؤاتها عن طريق التجريب والرّصد يقال إنها تشكّل دعما تجرُبيا للنظريات الفيزيائية، وعندما تثبت ولو تجربة واحدة عدم صدق تنبّؤ نظري فإن النظرية تعتبر خاطئة أو في أحسن الأحوال خارج حدود تطبيقها. ويوضح الرئيس السابق لجامعة محمد الخامس أن الحقيقة لا تنقلب إلى باطل بين عشيّة وضحاها، بل "يستحيل إجراء تجربة تبطل نتائج تجربة قمنا بها"، ويزيد شارحا أن "كل ما في الأمر أن المعرفة شجرة مثمرة غرس الإنسان بذرتها قبل عشرات القرون وما زال يرعاها دون كلل، وهي تنمو دون توقّف منذ آلاف السنين، وتزداد فروعها وتمتدّ أغصانها حاملة ثمارها"، ومجموع الفرضيات والتّخمينات المعلنة أو الضّمنية، ومجموع المبادئ والمفاهيم التي تقوم عليها النّظرية بساطٌ يحاك ويُمدّ تحت شجرة المعرفة لتسقط عليه ثمارُها. هذا البساط إذا سقطت خارجه ثمرة واحدة نتيجة تجربة واحدة، حسب الأكاديمي المتخصّص في الفيزياء النّظريّة، فهذا يعني أنه قد ضاق وأن النظريّة لم تعد كافية لاستيعاب الواقع، مما يقتضي مدّ بساطٍ يسع الثمرة الجديدة ويحتوي البساط السابق، بطبيعة الحال، فترسم بالتالي النظريّة الجديدة حدود صلاحية النظرية القديمة بوضعها شروطا تقيّد هذه الصلاحية وتعزّزها باعتبارها تقريبا لها، وتبقى حدود النظرية الجديدة غير واضحة حتى تأتي النظرية الأكثر جدّة، ويستمرّ الأمر هكذا. ويقدّم المتخصّص مثالا على هذا الأمر بصلاح الميكانيكا التقليدية شريطة بقاء سرعة المتحرّك صغيرة أمام سرعة الضوء، في حين عندما تصبح سرعة الجسيمات قريبة من سرعة الضوء تستلم نظرية النسبية الخاصة المشعل، مذكّرا في السياق ذاته بأن الفيزياء، خلافا للعلوم الطبيعية الأخرى مثل الكيمياء والبيولوجيا، تعنى بالحركة بشكل خاص، أي بانتقال الجسم من وضع إلى آخر وبتغيّر سرعته بفعل جسم آخر؛ بمعنى: بسبب حقل يتأثّر به، أي تحديد المكان والزمن والمادة في تفاعلاتها والطاقة في تشكّلاتها، وهي المفاهيم الأساسية لوعي ما يحيط بنا ووعي وجودنا بالذات. ومن خلال 29 مبحثا، يتضمّنها كتاب "الزمن بين الوهم والواقع"، يبحث الأكاديمي المغربي الذي درّس الفيزياء النّظريّة، في "الفضاء المطلق والزمن المطلق"، و"الفضاء-الزمن المطلق"، و"الفضاء-الزمن الديناميكي"، و"الزمن: بين الوهم والواقع"، مثيرا في هذا المحور الأخير مواضيع مثل: "زمنك ليس زمني"، و"الواقع ووهم انسياب الزمن"، و"السفر إلى الماضي والسفر نحو المستقبل"، و"وهم الفضاء المتّصل"..