"كلما لمست الكرة أحسست بأني أعيش في كون مواز غير الذي أنا به الآن"، هكذا نطق عبد الرحمان الكرشاني، الملقب ب"شيشا"، هو يحكي لهسبورت ابن الأطلسي الذي تعلم أولى أبجديات كرة القدم بأحياء مدينة الجديدة أوائل ستينيات القرن الماضي، قبل أن يعرج نحو الشاطئ هناك، لتنفجر موهبته، ويصير بعدها أحد الهدافين التاريخيين لفارس دكالة "الدفاع الحسني الجديدي" وجزءا لا يتجزأ من الأعمدة التاريخية التي بصمت الصورة المشرقة للنادي، الذي ما زال الجديديون، الذين عاصروا تلك الحقبة الزمنية، يذكرونه إلى حدود اللحظة بشغف كبير. "شيشا" الذي انطلق باللعب بشكل منظم مع نادي رجاء لالة زهراء (الرجاء الجديدي حاليا)، قبل أن يلفت نظر الرئيس الراحل اليزيد الشركي الذي تنبأ بأن موهبة عظيمة ستتفتق بين انبساطات دكالة، ليوقع للنادي أواسط الستينيات وعمره لا يتجاوز 16 ربيعا، وبالضبط بالسنة التي صعد بها الفريق إلى حظيرة الكبار. الحاج عبد الرحمان حكى بحنين عظيم قصة أول ظهور له بقميص الدفاع، "عندما وقّعت للفريق كلاعب للفتيان وليس بالفريق الأول ذلك بموسم 1965-1966، شاهدت أول مباراة للنادي كأي متفرج وما زلت أتذكر أننا انهزمنا بهدف دون رد أمام الاتحاد البيضاوي، بعد ذلك مباشرة كان الفريق سيلعب بأكادير أمام الحسنية المحلي. دعاني رئيس النادي لألتحق بهم من أجل المشاركة بالمباراة، كان الأمر كذلك فتدبرت ملابس رياضية من عند أصدقاء لي بالحي، لعبت اللقاء وسجلت خلالها الهدف الوحيد الذي منحنا فوزا ثمينا، في اللحظة التي أعقبت الهدف صاح الواصف الرياضي من شيشا هذا؟ إنه شيشا الجديدي، بالإضافة إلى ذلك ذاكرتي، على الرغم من مرور كل السنين مازالت تحتفظ بلحظة عودتي إلى المنزل في منتصف الليل، وجدت الحي بأكمله يعج بلحظة غير عادية، الكل يصيح "آلي عبد الرحمان.. آلي عبد الرحمان" سعادة كبيرة غمرتني وفرحة لا توصف، ومن هناك انطلقت حكاية شيشا الجديدي". قصة هداف البطولة الوطنية في مناسبتين مع اسم شيشا رافقته منذ نعومة أظافره، "كنت صغيرا ألعب مع أبناء الحي، وكان يأتي دائما شخص معين وينطلق في القول (يله شيشا، هاد الدري كيشبه لشيشا ديال أكادير لي كيلعب مع العربي بن مبارك) ومن هناك انطلقت قصتي مع هذا الاسم الذي ما زال يناديني به الجميع وصار كالعلامة التجارية التي لا تفارقني". ابن دكالة جاور النخبة الوطنية في أواخر ستينيات القرن الماضي، وبالضبط بالتصفيات المؤهلة لكأس العالم 70 بالمكسيك، "عندما تمت المناداة علي آنذاك كنت في 18 من عمري، بأول وهلة لم أع لماذا أنا معهم وماذا سألعب بالضبط، لأكتشف بعد مباراة السنغال أني ألعب تصفيات كأس العالم، شاركت بعدها بمباراة ضد الكوت ديفوار ونيجيريا، لكن ما حصل في يوم 25 دجنبر 1969 وما زلت أذكر هذا التاريخ كأنه الأمس، إصابة بليغة منعتني من لعب المونديال العالمي ولعب كرة القدم لحوالي سنة كاملة، حاولت العودة إلى المنتخب؛ وهذا ما دفعني إلى الاجتهاد للحصول على لقب الهداف لسنة 1975 من أجل المشاركة بكأس إفريقيا 76 وتكوين ثلاثي مع كل من أحمد فرس وعسيلة؛ لأن لعبهما يشبه لعبي، وهذا ما كان حيث أحرزت لقب الهداف ب19 هدفا، لكن الناخب الوطني آنذاك كان له رأي آخر". خاض الشاب آنذاك غمار الاحتراف، حيث شد الرحال نحو جنوب شرق فرنسا وبالضبط بغرونوبل؛ فرسم هناك حكاية أخرى بموسم كروي قدم به الوجه المشرف للمحترفين المغاربة بالخارج في تلك الحقبة، "في البداية، توجهت هناك لخوض فترة تجريبية. اقتنع بي المدرب ولعبت رفقتهم موسما كرويا رائعا سجلت به 18 هدفا وساهمت في عدم سقوط الفريق للقسم الأدنى. بعدها في فترة الراحة الصيفية، عدت إلى المغرب وتوجهت إلى الديار المقدسة. آنذاك وجدت والدي قد توفي، وراسلني الفريق الفرنسي من أجل العودة، مستفسرا عن سبب التأخير، فأخبرتهم عما وقع. بعد ذلك أتوا ليعيدوني معهم، لكن رغبة والدتي شاءت غير ذلك فاعتذرت لهم، وهناك انتهى حلم الاحتراف"، ليضيف بعدها: "جلست فترة ما فاستقصى أمري المدرب الهنغاري "اروز" ليدعوني للانضمام إلى الدفاع مرة أخرى فلعبت بعض اللقاءات، لأغادر بعدها الفريق متوجها نحو الرجاء بعد وقوع مشاكل مع إدارة الفريق، لينتهي مساري الكروي بعد ذلك مباشرة وبالضبط سنة 1980". "شيشا" اللاعب حامت حوله أسطورة "شيشا" الذي يقال إنه أحسن من روّض الكرة بالجديدة بصفة خاصة والمغرب بشكل عام، يداعب "الطابة" برجليه كأنها جزء منه.. الحاج عبد الرحمان يحكي عن هذا الأمر بشغف كبير وبحنين يشد أواصره نحو الماضي وكأنه يحاول العودة بالزمن إلى الوراء وأن يعيش ما عاشه سابقا بكل تفاصيله، "إن كل ما يروج هو حقيقة، كنت أروض الكرة وكرة المضرب كذلك، على الرغم من صغرها بشكل أتعجب له الآن.. أقول بداخلي: كيف كنت أعمل جل تلك الحركات؟ ويضيف "في التداريب كنت أمسك الكرة وأنطلق في مداعبتها، ولا يمكنها أبدا أن تسقط مني إلى أن أتعب وأضعها أرضا، كان زملائي دائما يطلبون مني ذلك.. مازالت ذاكرتي موشومة بحدثين أتذكرهما جيدا: الأول بمباراة ربع نهاية كأس العرش عام 1969 أمام الوداد، في الوقت الذي وقع فيه شنآن بالمباراة أمسكت الكرة وبدأت أروضها بشكل عجيب. أحملها عاليا بالكعب الأيسر ثم تعود فالأيمن وهكذا دواليك، في تلك اللحظة نسي الجمهور ما وقع في أرضية الملعب وانطلقوا في الهتاف لي. الثانية كان عيد الشباب حين أتت بي السلطة المحلية ووضعوني فوق جرار وبدأت أروض الكرة من جانب القاعة الرياضية الكبرى بالجديدة إلى ساحة المسرح البلدي (عفيفي حاليا)، وقبل نزولي رفعتها عاليا لأمسكها بعاقبي قبل سقوطها على الأرض، رجلاي كلاهما كنت ألعب بهما بنفس الطريقة وكانا كصديقي اللذين أحملهما معي دائما ويطوعاني بشكل عجيب". على الرغم من مرور السنين مازالت حسرة عدم الفوز بأي لقب لا تراوح "الحاج شيشا"، "كان بإمكاننا الفوز بالبطولة أكثر من مرة، كان خطنا الهجومي يصل إلى أزيد من 60 هدفا، فوزير وحده سجل في أحد المواسم 22 هدفا وفزنا بلقب الهداف 6 مرات، لكن تداخل مجموعة من الأمور كالتحكيم، سامحه الله، في تلك الفترة، بالإضافة إلى الاتصالات الهاتفية بين رؤساء الفرق حرمتنا من ذلك، لكن الجمهور كان يحبنا بصدق، وهذا أكثر شيء كسبته من هذه اللعبة. هذا الحب الجم الذي يغمرني جعلني فخورا بكل ما قدمته للدفاع وما قدمته لي". "شيشا" الجديدي ابن "مازاكان" التي مازال سكانها يحملون تلك الصورة الوردية اتجاهه واتجاه من لعبوا بجانبه، جيل بالنسبة إليهم لعب الكرة كما وضعت أول مرة. كرة أساسها الإمتاع والفرجة، كرة لعبها جيل الشريف ومعروفي وبابا ووزير وآخرون بسلاسة كبيرة وبأسطورية أكبر، جيل حقق كل شيء ولم يحقق أي شيء.. أمتع وكفى وصنع الفرجة ووفى. * لمزيد من أخبار الرياضة والرياضيّين زوروا Hesport.Com