اتجهت أنظار وسائل الإعلام الدولية إلى القرارات التي أصدرها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي أصدر قرارا يعلن فيه عدم نيته الترشح لولاية خامسة، وتأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان مقررا إجراؤها في 18 أبريل المقبل. كما أعلن عن تشكيل ندوة وطنية مستقلة يرأسها السياسي المخضرم والبارز الأخضر الإبراهيمي، ستكون هيئة لها صلاحيات واسعة لبناء دعائم النظام الجديد. وعقب استقالة أحمد أويحيى عن رئاسة الحكومة، تم تعيين نور الدين بدوي في هذا المنصب، ورمضان العمامرة نائبا له. وقد تعهد بوتفليقة بإجراء حزمة من التعديلات على الحكومة في أقرب وقت، تلبي مطالب الشعب. فبعد نجاح الشعب الجزائري في إسقاط فكرة "العهدة الخامسة"، بدأت محاولات النظام في الالتفاف على المطلب الأساس الذي تصدح به حناجر آلاف المحتجين وهو رحيل بوتفليقة وأبرز أركان نظامه عن المشهد السياسي ومحاسبة الفاسدين، حيث أجل الاستحقاق الانتخابي بارتكانه للمادة 107 من الدستور، التي تنص على أن الرئيس له حق مشروع في التدخل كلما داهمت الدولة تهديدات ومخاطر قد تفضي إلى إسقاط مؤسسات الدولة الدستورية. وهذا الاستغلال من جانب الرئيس لمادة هلامية، وتفسيرها على مقاس السلطة، فيه خرق الدستور خرقا سافرا؛ لأنه تناسى عدم تفعيل المادة 2 منه التي خرجت الجماهير من أجلها، أو حل الدستور نفسه وبالتالي عودة السلطة للشعب وحده، تفاديا لجر البلاد نحو المجهول. ويبدو أن استمرار زخم المظاهرات الشعبية، والتي يقودها الشباب، استطاعت أن تجمع مختلف مكونات وألوان الطيف الجزائري، متجردة من الحزبية المقيتة التي تجهض في الغالب الأعم أي حراك شعبي، أو على الأقل تفقده قوة الدفع الحضارية والأخلاقية، كما تبين عن وعي تام بسعي السلطة للمحافظة على أسس النظام القديم والسيطرة على مقاليد الأمور ورزنامة التغيير في الفترة الانتقالية المرتقبة، ورغبة جامحة في تغيير النظام تغييرا جذريا وإزاحة رموزه، للمرور إلى فترة انتقالية لا يمسح فيها للسلطة بإدارتها والإشراف عليها. وإذا كانت السلطة تحاول تضليل الرأي الدولي، باستعدائها للإبراهيمي لتقنع هيئة الأممالمتحدة بصدقها وجديتها في الاستجابة لمطالب الشعب، فإن الداخل حسم أمره وقال كلمته وبين رفضه أمام العالم لهذا التزييف، وفضح محاولات الترقيعية لتجميل وجه النظام القبيح، وهتفت شعاراته بالنصر على أعداء الحرية الذين جثموا على أنفاس الجزائريين على مر العقود. كلها محاولات يائسة حسب قادة المعارضة، وعلى رأسهم علي بن فليس رئيس حزب طلائع الحريات، وزبيدة عسول رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، من أجل التمديد وامتصاص الغضب الشعبي والحد من فورة احتقانه؛ فلم يعد هناك مجال لتمديد الولاية الرابعة، وإعادة إنتاج نفسها عبر أدوات دولتها العميقة التي يحركها جنرالات الجيش. لقد بات الجزائريون يحسون أكثر من أي وقت مضى بقمة الإحباط، وبوصول الحنق إلى الحلوق، عندما يجد بأن بلد المليون ونصف المليون شهيد، اختطفته زمرة فاسدة من جبهة التحرير، وجنرالات يهددون جموع الشعب بالقمع والمستنقع السوري - ولو بلغة مبطنة - باستخدام عبارة "العشرية السوداء"، ورئيس عاجز عجزا تاما، أشبه بدمية تحركها الأيادي من وراء الستار. يرون بأعينهم ثرواتهم تبدد تبديدا؛ ليس في سبيل تحسين عيشهم، ولا الارتقاء ببلدهم في مؤشرات التنمية البشرية، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، بل توجه لدعم خصوم وحدة المغرب الترابية من المرتزقة والانفصاليين، وتضخم ثروة رموز النظام، في البنوك الأجنبية، ولو على حساب شعب وصلت فئات عريضة منه درجة الفقر المدقع واختارت قوارب الموت في بحر المتوسط طريقا أخر بحثا عن طوق النجاة . أخيرا من يعتقد بأن قرارات بوتفليقة قد أخمدت نار حنق الشارع، فهو مخطئ وواهم؛ فهي بمثابة الذي يقاوم في وقت لا تفلح فيه المقاومة، ويجادل في لحظة سكت فيها الكلام، فهي ستشكل لا محالة فتيلا جديدا سيشعل سخط وتذمر الآلاف من المتظاهرين السلميين الداعين إلى مطلب واحد لا يقبل بالمناورة المكشوفة، وهو "سقوط النظام ومحاسبة الفاسدين". *أستاذ باحث