تحتاج الصين إلى الاستعداد لخوض "معركة اقتصادية قاسية قادمة"، بتعبير رئيس وزرائها "لي كيشيانج". فالاقتصاد الصيني يخوض الآن حربا على جبهتين، الأولى تتمثل في الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يطالب بخفض الدعم للشركات الحكومية وإلا سيتم فرض رسوم عقابية عليها، والثانية تتمثل في الحاجة إلى مساعدة الشركات الصينية الخاصة المتعثرة دون استمرار ارتفاع معدلات الدين التي وصلت إلى مستويات غير مقبولة. وقد عرضت الحكومة الصينية، في مستهل الاجتماعات السنوية لمؤتمر نواب الشعب الصيني (البرلمان)، خطة مواجهة هذه التحديات، حيث منح رئيس الوزراء "كيشيانج" نفسه والرئيس الصيني "شي جين بينج" مساحة للمناورة من خلال تقليص معدل النمو الاقتصادي المستهدف للعام الحالي إلى ما بين 6% و5ر6% من إجمالي الناتج المحلي، وهو أقل معدل نمو للاقتصاد الصيني منذ أكثر من ثلاثة عقود. وأشارت وكالة بلومبرغ للأنباء إلى أن المحللين الاقتصاديين رحبوا بخفض الحكومة الصينية لمعدل النمو الاقتصادي المستهدف، لأنهم كانوا قد حذروا من أن أي محاولة لزيادة معدل النمو عن هذه المستويات كانت ستحتاج إلى إجراءات تحفيز مفرطة تهدد الاستقرار المالي للصين على المدى الطويل. وهناك أيضا تغيير مشجع. فمع مرور الأيام، كان صناع القرار في الصين سيواجهون مجموعة من التحديات الظاهرة الآن، وهي أنه مع الإنفاق الشامل السخي على مشروعات الطرق وخطوط السكك الحديدية وغيرها من مشروعات البنية التحتية العملاقة، يمكن فقط الوصول إلى معدل النمو 10% من إجمالي الناتج المحلي. ولكن هذا ليس هو الواقع اليوم. فمع أنه مازال هناك الكثير من مشروعات الطرق والسكك الحديدية الكبرى رهن التنفيذ حاليا، فإن الحكومة قررت خفض الكثير من الضرائب، وهو تطور إيجابي سيمنح الشركات الخاصة مساحة للحركة والتقاط الأنفاس حتى لو كانت النتيجة نموا أبطأ. وقد أعلن رئيس وزراء الصين، أمس، حزمة تخفيضات ضريبية بقيمة تريليون يوان تقريبا (298 مليار دولار)، وتعهد بالمزيد من إجراءات تحفيز الاقتصاد خلال الفترة المقبلة. ورغم أن هذا التركيز على السياسة المالية القوية يمكن أن يرى باعتباره تراجعا عن تعهدات العام الماضي بكبح جماح المخاطر المالية وتقليص الموازنة، فإن الهدف العام مازال هو تعزيز نمو الاقتصاد بدون السماح بتسارع وتيرة نمو الديون مرة أخرى. وهذا التحرك المتوازن سيخضع للاختبار بشدة إذا ما ظهرت أي تهديدات جديدة للنمو الاقتصادي. ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن "مايكل سبينسر"، المدير العالمي لوحدة الدراسات الاقتصادية في فرع مجموعة "دويتشه بنك" المصرفية الألمانية بهونج كونج، القول إن التحرك الحكومي الأخير يمثل "دفعة مالية كبرى، فهناك تردد في اللجوء مجددا إلى إقامة مشروعات بنية تحتية (لتعزيز النمو الاقتصادي) إذا لم تكن هناك حاجة إلى هذه المشروعات". من ناحيته، حذر رئيس الوزراء الصيني من أن تواجه بلاده خلال العام الحالي ظروفا أصعب وأشد تعقيدا. ويحاول "لي كيشيانج" تنشيط الإقراض للقطاع الخاص، في الوقت الذي يدرك فيه أن إجمالي الديون في الصين يقترب من 300% من إجمالي الناتج المحلي، حيث يقول: "يجب أن تستعد الصين تماما لخوض كفاح قاس" في مواجهة الظروف الاقتصادية الراهنة. والحقيقة أن المشكلة الاقتصادية في الصين ليست شأنا محليا فقط. فمع تباطؤ وتيرة النمو في أوروبا والشكوك التي تحيط باستمرار النمو الاقتصادي في الولاياتالمتحدة، فإن اشتداد حدة تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني سيكون نبأ سيئا للاقتصاد العالمي ويشيع الاضطراب في الاقتصادات الآسيوية التي اندمجت في سلسلة الإمدادات المرتبطة بالصين. وحتى الآن، يركز صناع السياسة الاقتصادية في الصين على إدارة الانخفاض طويل المدى لمعدل نمو الاقتصاد الصيني من 10% في أوائل الألفية الثالثة إلى حوالي 5ر6% في العام الماضي. ويتوقع المحللون الذين استطلعت وكالة بلومبرغ للأنباء أراءهم نمو الاقتصاد الصيني بمعدل 2ر6% مقابل 6ر6% في العام الماضي قبل أن يتباطأ بصورة أكبر في عامي 2020 و2021 . وقد أعلنت الصين، أمس، خفض ضريبة القيمة المضافة التي تشمل قطاع الصناعات التحويلية بمقدار 3 نقاط مئوية كجزء من إجراءات تستهدف دعم الاقتصاد الصيني المتباطئ. وبحسب بنك "مورغان ستانلي"، تم الإعلان عن خفض ضريبة القيمة المضافة بمقدار 3 نقاط مئوية في تحرك يهدف إلى إفادة قطاع الصناعات التحويلية. كما أعلنت الصين خفض شريحة ضريبة القيمة المضافة التي تبلغ 10% بمقدار نقطة مئوية واحدة، ليصل إجمالي ما ستوفره تخفيضات ضريبة القيمة المضافة للمستهلكين والشركات الصينية إلى 800 مليار يوان، بحسب تقديرات "مورغان ستانلي". في الوقت نفسه تستهدف الحكومة الصينية خفض عجز موازنة العام الحالي إلى 8ر2% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 6ر2 في المئة العام الماضي. وتعهدت الحكومة في تقريرها الذي قدمته أمام مؤتمر نواب الشعب الصيني بخفض الأعباء الضريبية عن الصناعات الرئيسية في البلاد. ورغم التخفيضات الضريبية، تعهد تقرير رئيس الوزراء باستمرار استقرار معدل الكفاية المالية خلال العام الحالي. وهذا قد يكون هدفا صعبا. وتقول "بولين لونج"، المدير الإداري لشركة "آشيا –انالاتيكا" للاستشارات، في هونج كونج، إن الرسالة الصادرة عن اجتماعات البرلمان الصيني هي أن تعزيز النمو الاقتصادي قاعدة جديدة، وأن تخفيض حجم الديون "خارج النطاق بالتأكيد". وفي يناير الماضي قفزت قروض البنوك في الصين إلى مستوى قياسي جديد، كما ارتفعت التمويلات غير المصرفية خلال أول 11 شهرا من العام الماضي. وحذر رئيس الوزراء الصيني من تزايد القروض قصيرة الأجل بسرعة مفرطة. وعلى خلاف السنوات السابقة، لا توجد مستهدفات لمعدل نمو مبيعات التجزئة ولا الاستثمار في الأصول الثابتة في الصين خلال العام الحالي. وأكد التقرير الحكومي الصادر أمس أن السياسة النقدية ستظل "عقلانية" في حين ستكون السياسة المالية "استباقية وأكثر فاعلية". وقال "لي" إنه سيتم خفض الاحتياطيات الإلزامية للبنوك الصغيرة في الصين مجددا. يأتي ذلك في حين تقترب الولاياتالمتحدةوالصين من التوصل إلى اتفاق تجاري يمكن أن يؤدي إلى إلغاء أغلب أو كل الرسوم الأمريكية على المنتجات الصينية، مع التزام الصين بتنفيذ تعهداتها التي تتراوح بين تحسين حماية حقوق الملكية الفكرية وشراء كميات كبيرة من المنتجات الأمريكية. وسيؤدي هذا الاتفاق إلى تبديد واحدة من أصعب السحب التي تخيم على الاقتصاد الصيني، وتجعل الرئيس الصيني "شي" أقل احتياجا إلى اللجوء إلى إجراءات تحفيز الاقتصاد لدعم النمو. وقال "ليو ليجانج"، كبير خبراء الاقتصاد الصيني في فرع مجموعة "سيتي غروب" المصرفية الأمريكية في هونج كونج، إن تحديد المعدل المستهدف للنمو بما يتراوح بين 6% و5ر6% خلال العام الحالي، يشير إلى أن الحكومة لا تريد إطلاق حزم تحفيز اقتصادي كبيرة متكررة، حتى مع تزايد الغموض الناجم عن التطورات الخارجية مثل زيادة الرسوم الأمريكية على المنتجات الصينية.