أصبحت هجرة الكفاءات المغربية إلى الخارج ظاهرة مقلقة للغاية، ما دفع بعدد من المؤسسات العمومية والقطاع الخاص إلى التحرك لمواجهة النزيف في فئة الشباب المغاربة ذوي الشهادات في مجالات مطلوبة بشكل كبير. وحسب أرقام أعلنتها هذا الأسبوع الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات وفدرالية التكنولوجيات والاتصال والأوفشورينغ، التابعة للاتحاد العام لمقاولات المغرب، تشهد البلاد سنوياً تخرج 8000 طالب في تكنولوجيا المعلومات، فيما يغادر حوالي 600 من المهندسين البلاد سنوياً، أي بمعدل 50 إلى 100 مهاجر شهرياً. وبالإضافة إلى ذلك، يُقدر الفاعلون الكبار في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال والأوفشورينغ بالمغرب أن ثلاث شركات أجنبية تأتي كل 15 يوماً إلى المغرب لتوظيف عشرات المهندسين المغاربة، ما يعني أن هجرة الكفاءات لا تتوقف. وتأتي هذه الهجرة المستمرة للكفاءات المغربية مع الطلب المتزايد على بروفايلات الحاصلين على دبلومات في تكنولوجيا المعلومات، وفي وقت يمر المغرب من مرحلة تحول رقمية، كما في العالم، وهو ما يُمكن أن يؤدي إلى انخفاض القدرة التنافسية للمقاولات على المستوى المحلي، وبالتالي ضُعف جاذبية المملكة كوجهة للاستثمار وممارسة الأعمال. وتعتبر "أنابيك" وفدرالية التكنولوجيات التي تمثل المقاولات المشتغلة في هذا المجال أن هذا "النزيف سيُؤثر على صورة المغرب كمركز جيواستراتيجي للابتكار، ناهيك عن كون قطاع تكنولوجيا المعلومات يعرف طلباً قوياً على الكفاءات، لكنها تبقى غير كافية على المستوى الكمي والكيفي". وحسب معطيات أصدرتها الوكالة والفدرالية هذا الأسبوع فإن المغرب في حاجة إلى هذه الكفاءات المؤهلة لمواكبة التحول التي يشهده العالم ككله، ناهيك عن تحد آخر يكمن في كون المهن المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات تخضع بشكل مستمر للضغط بسبب تطورها السريع. ولمواجهة هذا الوضع، اتفقت الوكالة والفدرالية على العمل على تسهيل توظيف الكفاءات الأجنبية الحاصلة أساساً على باك زائد 5 في المعلوماتيات، حين يكون هناك نقص في الكفاءات المغربية، والحرص على تكوين المغاربة أكثر في مجالات متخصصة تعرف طلباً مرتفعاً. وسيخضع توظيف الأجانب بالمغرب في هذا المجال للقوانين الوطنية، من قبيل مدونة الشغل، خصوصاً الفصول 516 إلى 520، والقانون رقم 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة، إضافة إلى الاتفاقيات الدولية ذات الصلة. وتؤكد الوكالة والفدرالية على السعي إلى حماية اليد العاملة الوطنية من المنافسة التي قد تحدثها اليد العاملة الأجنبية، وتلبية حاجيات البلاد من الكفاءات الأجنبية الضرورية لتنمية اقتصادها. ومن أجل توظيف الأجانب في هذا الصدد سيتم اعتماد مسطرة "تأشير" التابعة لوزارة التشغيل والإدماج الاجتماعي، من أجل الحصول على شهادة العمل من طرف الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، إضافة إلى تأشيرة من القطاع الحكومي المعني بالشغل. كما جرى الاتفاق بين الطرفين على تعزيز قدرة كفاءات الشغل في السوق المغربية من خلال التكوين عبر إطلاق "شهادة التأهيل المهني" للمُطور في التكنولوجيات الجديدة، تحت اسم certificat de qualification professionnelle (CQP). وتلتزم "أنابيك" بالبحث واختيار المترشحين وتمويل التكوين ومتابعة الإدماج المهني للمستفيدين، في حين سيكون على الفدرالية المصادقة على برامج المكونين والمتدربين واعتماد مراكز التدريب ومكونيهم ومنح شهادات التأهيل المهني للمترشحين. والغاية من هذه الشهادة هي توفير إمكانية للمقاولات العاملة في هذا القطاع للاستجابة لحاجياتها في ما يخص المهن التي تتطلب تطويراً مستمراً وتمكناً من مهارات مُتخصصة تمكنها من مسايرة التطور التكنولوجي. وستكون هذه الشهادة موجهة إلى الشباب في النظام المدرسي والجامعي باك زائد 3 وخريجي الشعب العلمية والباحثين عن الشغل المُسجلين في "أنابيك". وستسلم هذه الشهادة بعد إجراء تكوين لمدة 6 أشهر، إضافة إلى 3 أشهر من التدريب في مقاولة. وسيضم التكوين وحدات حول نظم المعلومات واللغات والأساليب والتقنية والتطوير والمشاريع، إضافة إلى خدمات الدعم وأمن النظم المعلوماتية وصيانتها واليقظة التكنولوجية والقانون الرقمي. ومن المرتقب أن تكون هذه الشهادة متوفرة في الجهات الاثنتي عشرة للمملكة، على أن يتم التركيز في مرحلة أولى للانطلاق على جهات الدارالبيضاءسطات، والرباط سلاالقنيطرة، وسوس ماس، وفاس مكناس، وطنجة تطوانالحسيمة.