بعد طفولة أتقنت فيها محاورة رقعة الشطرنج مطلع التسعينات ببوزنيقة لتتبوأ المراكز الأولى في اللعبة على المستوى الوطني، ستوجه رقية أشمال تركيزها نحو ساحة الفعل المدني لتخوض تجربة جمعوية اتسمت على مدى 20 سنة بعطاء متواصل استثمرته بالخصوص للترافع عن قضايا الشباب. مسار رقية أشمال ارتبط، كأية طفلة تعيش في مدينة صغيرة آنذاك، بدار الشباب التي تعتبرها أحد أهم مدارس التنشئة الاجتماعية، وسندا تربويا وثقافيا لكل روادها، وهي الأجواء التي ستقودها بعد سنوات لتنخرط في جمعية المواهب للتربية الاجتماعية التي مازالت تنتمي إليها "روحيا"، كما تقول، لما كان لها من دور في تكوينها وبناء شخصيتها. جمعية أخرى سيكون لها أثر بالغ في مسار رقية أشمال، إنها جمعية منتدى المواطنة التي مازالت ترتبط بها عمليا هذه المرة باعتبارها عضوا بكتابتها الوطنية لأنها ترى فيها "أكاديمية في المجال المدني". وسيظل تأثير فضاء دار الشباب والفعل الجمعوي حاضرا ومستمرا في كل خطوات رقية مهما تشعبت بها منصات الاشتغال، بما فيها البحث العلمي والأكاديمي. فعندما انبرت لإعداد رسالة دكتوراه في القانون العام كان من البديهي بالنسبة إليها أن يكون موضوع البحث هو "دور الشباب في التحول الديمقراطي". وبالرغم من مسارها الأكاديمي الناجح وخوضها لمعترك السياسة، تصر رقية أشمال على أن الأهم يبقى عملها الجمعوي، وخصوصا الترافع عن قضايا الشباب، وهو ما تعبر عنه المناضلة التي لم تتخلص من خجلها بالقول: "أسعى دائما إلى البحث عما يجمعني بالناس أكثر مما يفرق بيننا، من خلال العمل داخل البنيات التي تمد جسور التقاسم والتعاون والتشارك انتصارا لكرامة الإنسان". وتضيف أشمال، الأستاذة الزائرة بكل من كلية علوم التربية بالرباط وكلية الحقوق بسطات،في تصريح صحافي بمناسبة اليوم العالمي للمرأة: "أدين قبل كل شيء للمجتمع المدني الذي استطعت من خلاله تجسير هوة الاختلاف الذي يفرضه الفعل السياسي وانتماءاته المختلفة بالتوافق حول القضايا المدنية". وقد حرصت الفاعلة الجمعوية وهي تخوض مغامرة معترك السياسة أيضا على أن تظل قريبة من هموم المحيط القريب، بل إن هذه الانشغالات كانت الدافع لدخول هذا المجال أيضا، خصوصا وأنه كان من الصعب على الفاعل الجمعوي قبل دستور 2011 الانخراط بشكل مباشر في التخطيط للمدينة حيث يعيش، كما تؤكد رقية أشمال التي تشغل اليوم منصب نائب رئيس جماعة بوزنيقة عن حزب الاستقلال ورئيسة لجنة التكوين بجهة الدارالبيضاء. فالمواطنة، كما تراها أشمال هي "المشاركة التفاعلية الحرة والطوعية الواعية والفاعلة لكل شخص دون استثناء، ودون وصاية في تنمية وطنه وبناء الإطار الاجتماعي والسياسي والثقافي للدولة". وسواء كفاعلة جمعوية أو كباحثة أكاديمية أو ناشطة سياسية، يظل الشباب محور فعلها وتفكيرها؛ فهي تؤمن بدور هذه الفئة في تنمية البلاد اجتماعيا واقتصاديا باعتبارها عصب المجتمع ومستقبل الدولة والأمة على حد سواء، وهذا الإيمان يجعل حضورها لافتا في الكثير من المحطات والندوات، حيث تحاضر وتناقش وتلبي الدعوات دون كلل ولا ملل في قضايا تهم الشباب داخل وخارج المملكة. وقد أهلتها التجربة الميدانية التي راكمتها في العمل الجمعوي لتكون أول رئيسة لمنتدى شباب الألفية الثالثة بعد تأسيسه سنة 1999، باعتباره أول مؤسسة رائدة تعنى بقضايا الشباب في مجالات متعددة. متسلحة بابتسامة طفولية لا تفارق محياها وحزم وقدرة غير محدودة على العمل، تواصل رقية أشمال الترافع لتوفير الخدمات الأساسية للشباب وإشراكه في اتخاذ القرار، بما فيه القرار الحزبي، وفتح المجال أمامه لتدبير الشأن العمومي، وهي تدق ناقوس الخطر على هذا الصعيد وتؤكد أن "80 بالمائة من الشباب المغربي أدار ظهره للوسائل التمثيلية وللوسائط الديمقراطية لأنه يعتبر نفسه غير موجود ضمن أجندتها السياسية، ولغياب الديمقراطية الداخلية وتدوير النخب داخل الأحزاب السياسية". ولأن الشباب المغربي أصبح يلجأ إلى فضاءات بديلة للتعبير عن حاجياته وانتظاراته، فإن لرقية أشمال أيضا حضور وتفاعل مع الأحداث والمبادرات المدنية والسياسية والاجتماعية على مواقع التواصل الاجتماعي. كما أنها أضحت وجها مألوفا في البرامج التلفزيونية التي تتناول قضايا الشباب بالخصوص. رقية أشمال التي طافت وهي ترافع عن الشباب مختلف أنحاء المغرب وزارت كبريات المدن العالمية، لا تشعر بالطمأنينة والسلام إلا عندما تطأ قدماها أرض بوزنيقة، أو "مسقط الروح"، بتعبيرها، حيث تعلمت كيف تحرك قطع الشطرنج بذكاء، وهو الذكاء نفسه الذي أسعفها لتجيد استثمار كل أوراق الترافع من أجل جيل بكامله. *و.م.ع