عادت ظاهرة "الرقية الشرعية" إلى الواجهة، عبر بوابة الدورات التكوينية التي يقدمها عشرات الرقاة المتخصصين في بيع الوهم المُربح، حيث تداولت مواقع التواصل الاجتماعي إعلان دورة تكوينية ستتوج بتقديم شهادة في ما يسمى ب "علوم الرقية الشرعية"، خلال ثلاثة أيام متوالية بمدينة طنجة. والمثير في الأمر أن الدورة التكوينية اشترطت "الحجاب الشرعي" من أجل اشتراك النساء في الدورة، التي ينظمها أحد مراكز "الطب النبوي"، مما أثار استياء النشطاء الذين عبروا عن امتعاضهم من استغلال "تجار الدين" للمخزون الديني للمغاربة، من أجل ربح مكاسب مادية صِرفة بالدرجة الأولى، بل إن الظاهرة صارت تستعمل في أغراض ممارسة الجنس على الزبونات. ولم تقتنع الفعاليات الحقوقية بالمبررات التي سَاقها أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، من أجل الحفاظ على حوانيت "الرقية الشرعية"، معتبرين بأنها "اغتصاب مقنن" للنساء، لا سيما في ظل التساهل الذي تبديه الحكومة مع الموضوع الذي تسبب في تشريد عشرات الأسر. وفي هذا السياق، يرى سعيد الكحل، الباحث في قضايا الإسلام السياسي والتنظيمات المتطرفة والإرهابية، بأن "الظاهرة تتحكم فيها العديد من العوامل المتداخلة، من بينها السلطات العمومية التي تتساهل مع هذه الممارسات، على اعتبار أن الأمر يتعلق بنوع من الرقية والخرافة واستغلال لسذاجة الناس، فضلا عن محاولة اللعب على وتر حاجة المواطنين لنوع من الطمأنينة والعلاج النفسي". ويؤكد الكحل، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "العامل الثاني الذي يسهم في تفشي الظاهرة يكمن في انتشار الإسلام السياسي، الذي تنتشر معه ظواهر الخرافة والترقي واستعمال الدين في بعض أنواع العلاجات والطب النبوي". ويوضح الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أن "انتشار هذه الظواهر يتم بالموازاة مع وجود تفكير مفاده فقدان الثقة في العلم والطب الحديث، حيث يركن إلى الخرافة، والدليل على ذلك أنني رأيت بعض الرقاة، مثلما يسمون أنفسهم، يضعون أرقام هواتفهم الشخصية في الحدائق العمومية ويكتبونها في جدران المنازل". ويبرز الكحل أن "الرقاة يقومون باستغلال الجانب الديني والمخزون الديني في لاشعور الناس، لأن عموم المواطنين يعتبرون الدين وسيلة للشفاء من مجموعة من الأمراض وخلق طمأنينة شخصية، فضلا عن وظيفة التعبد. طبعا الإسلام السياسي يشجع على هذه الظواهر، في ظل صمت الحكومة الحالية". ويرى الباحث الأكاديمي المتخصص في قضية الإرهاب أن "فوز حزب النهضة في تونس أدى إلى استقدام مجموعة من الشيوخ، من أجل نشر تفكير محدد في المجتمع، بل وصلوا إلى درجة الدعوة إلى ختان الأنثى، على غرار مصر خلال فترة مرسي". ويخلص المتحدث إلى كون "وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة ساهمت في إشاعة هذه الممارسات، بوصفها أمراضا اجتماعية ودينية وثقافية تنتشر مع موجة الإسلام السياسي، علما أنها لم تكن في المجتمع، ذلك أن المغاربة كانوا يلجؤون إلى أساليب البخور والفقيه في المسجد بطريقة عادية للغاية"، لافتا الانتباه إلى "إقبال جميع الشرائح الاجتماعية على تلك الممارسات الخرافية، مما يجعلها ظاهرة لا ترتبط بالفقر فقط، لأن الرقاة يطالبون بمبالغ مالية مهمة، وإنما أصل المشكل ثقافي واجتماعي بالدرجة الأولى".