أعاد شريط الفيديو الذي تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، الذي يظهر تعرض إحدى الفتيات من قبل راق شرعي في مدينة بركان للابتزاز الجنسي، النقاش الديني من جديد، حول ظاهرة “الرقية الشرعية”، التي أصبح لها نجوم يتنافسون على “البوز” في منصات التواصل، عبر تقنية البث المباشر ويسعون إلى اقتناص زبنائهم، مقابل الحصول على مبالغ مالية ضخمة، ممتهنين “الرقية الشرعية”، بعيدا عن ضوابط الدين ورقابة المجتمع، فما هي دوافع انتشار هذه الظاهرة، وهل تجيزها تعاليم الشريعة؟ وما هي حقيقة راقي بركان؟ الدكتور محمد مشان، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة مقاطعات الفداء- مرس السلطان، قال إن حرفة الرقية الشرعية لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فالمريض بالنسبة إليه عليه أن يتوجه إلى الطبيب المختص، ويرجع في كل فن إلى أهله المتخصصين. إلا أن مشان، أكد أن الأحاديث النبوية الشريفة والصحيحة أجازت للمريض المسلم أن يضع يده على مكان الداء، ويدعو من أجل أن يخفف الله الألم عنه ويقرأ المعوذتين وسورة الفاتحة وآية الكرسي وأواخر سورة البقرة، ويقوم بهذا الزوج مع زوجته والأب مع ابنه، لكن هذا لا يعفيه من الأخذ بالأسباب والذهاب إلى الأطباء، وحذر رئيس المجلس العلمي المحلي، من خطورة أن تتحول الرقية الشرعية إلى حرفة لأن هذا ما أنزل الله به من سلطان، والبركة منزوعة من الرقية. وقال مشان، إن الناس يحتاجون إلى معرفة أبجديات الإسلام، وتعاليم دينهم لأنهم أصيبوا بالغرور، لأن الإسلام دين العقل الذي يستنير به البشر، وبالتالي لا نميل لا إلى الخزعبلات ولا إلى الترهات، بل نأخذ بالأسباب، يضيف مشان، ف”الأيدي مشتغلة بالأسباب والقلوب معلقة برب الأرباب”. وشدد الفاعل الديني، أن ترك الأسباب ليس من الإسلام، وقال إن الراقين شوهوا جمال الإسلام حين امتهنوا الرقية حرفة. وفي الوقت الذي أقر فيه مشان، أن الإسلام دين روحاني ولكن ليس على الطريقة البئيسة التي يمارسها الرقاة الرقية الشرعية، إلا أنه أوضح في المقابل، أنها تحولت إلى حرفة واسترزاق، وأصبح يتجار فيها الرقاة بدين الله وآياته. وحول الضوابط الشرعية التي يمكن بها القضاء على هذه الظاهرة، أكد مشان على ضرورة المعرفة بالدين، لأن المسلمين يعانون من نقص حاد في معلوماتهم الدينية، لأنهم لم يأخذوا هذا الدين من معدنه وأصوله ومن أهله، وليس من كل من هب ودرج من العلماء الربانيين الغيورين على دينهم وبلدهم، وقال مشان، إن المجالس العلمية تقيم دروسا علمية في المساجد، وفي قناة وإذاعة محمد السادس، وهناك لقاءات ومواعظ تشهدها مقرات المجالس العلمية، ولكن الناس عازفون عنها. وشدد مشان، على أن الرقية الشرعية ليست بحرفة، مستدلا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “كلكم راق”، إلا أنه عاد ليؤكد أن من مقتضيات المعرفة بالدين هو الأخذ بالأسباب، وعدم وجود أية وسائط بين الله وعباده، في إشارة منه أن الرقية الشرقية لا يمكن أن يمارسها رقاة ممتهنون بل يمكن أن يرقي كل مسلم نفسه بنفسه، ودعا مشان إلى استغلال الثورة الرقمية في تعريف غير المسلمين بالمقاصد النبيلة للإسلام، عوض تشويه صورة الإسلام كدين شعوذة وخرافات، لأن هذا شيء يسيء إليه. امتهان الرقية الشرعية بالنسبة للشيخ محمد الفيزازي، أمر غير صحيح بالمرة، ولا يعرف عن الصحابة والأئمة والتابعين عبر التاريخ، أن أحدهم كان يتفرغ للرقية، فالتخصص في الرقية والتخصص فيها وفتح محلات ووضع عنوان للراقي، فهذا أمر محدث ومبتدع ولا أصل له. الفيزازي، اتفق مع مشان في كون كل مسلم ومسلمة هو راق لنفسه، لأن الرقية عندما نلحق بها صفة الشرعية فلكونها تعتمد على سور وآيات معلومة من القرآن الكريم، وأعظم ما يرقي به الإنسان نفسه هو سورة الفاتحة، وتساءل الفيزازي من من المسلمين لا يحفظ فاتحة الكتاب، فكل مسلم مباح له أن يرقي نفسه وزوجته وأولاده ولا شيء في ذلك، لكن الفيزازي اعترض على تحويل الرقية إلى مقر للعمل، يتقاضى عنه الراقي مبالغ مالية باهظة، فهذا اعتبره المتحدث نصبا وتدليسا على الناس، وقال إن من أعظم التلبيس أن نضيف كلمة الشرعية على الرقية، لنوهم الناس أنها من دين الله تعالى. الدولة مقيدة وشدد الفيزازي، على أن الدولة لم تمنح الرخصة لأي راق، فأي واحد منهم يمارس الرقية الشرعية في محل، فهو يمارسها خارج القانون، موضحا أنهم يتحايلون على القانون ويحصلون على رخص تجارية لمحلات خاصة ببيع الأعشاب، فيقومون بتحويلها إلى مقرات يستقبلون فيها زبناءهم ويمارسون الرقية الشرعية، وفي الوقت الذي هاجم فيه الفيزازي الرقاة، عاد واستثنى فئة منهم قال إنهم يمارسون الرقية وفقا لضوابط شرعية، وبعضهم لا يمكنه أن يستقبل النساء إلا بوجود محرم، ولا يمكنه أن يقترب منهم، ليخلص أن أغلب الرقاة نصابون. وأوضح الفيزازي، أن المجرم ليس هو الراقي، واصفا بأن الإجرام الحقيقي هو الجهل الكبير لشريحة من الناس، يفتقدون إلى الاعتقاد المتين، والرؤية الصحيحة للدين الإسلامي، وقال إن المريض عندما يصاب يصبح همه الوحيد هو أن يتعلق بأي شيء، لأن الأهم بالنسبة إليه هو الشفاء بأي طريقة، وحينها يدخل الرقاة على الخط مستغلين جهل الناس وحاجتهم للشفاء، فماذا ننتظر من راق لا يخاف الله ومختل بامرأة جميلة، سلمته نفسها، مشددا على أن العلة ليست في الرقاة لوحدهم بل في من يلتجأ إليهم. بالنسبة للباحث أحمد عصيد، فإن ظاهرة الرقية الشرعية لها علاقة بالثقافة البشرية منذ القديم، وليست خاصة بالمسلمين لوحدهم. ونفى عصيد، أن يكون الإسلام هو من شرع الرقية، فهي ظاهرة قديمة، ورثها الإسلام عن العصور السابقة، فالأمر سيان عنده، لأن المسلمين يعتقدون مثل غيرهم من الشعوب بأن رجل الدين يمكنه علاج الناس من الأمراض بتلاوة بعض النصوص المقدسة والدينية. السبب في رواج الممارسات الشعوذية والخرافية المرتبطة بالرقية، حسب عصيد، هو الفقر، ووجود شريحة واسعة من المجتمع تعاني من ضعف الموارد التي يسمح لها بالتعامل مع الطبيب وولوج المراكز الاستشفائية بسهولة، وهو الأمر الذي يحتاج فيه الناس إلى ميزانيات ضخمة، فيضطرون إلى اللجوء للرقاة، مع تردي الخدمات الصحية. الأمر لا يرتبط بالفقر، يؤكد عصيد، بل هو مرتبط أيضا بشيوع الفكر الخرافي على حساب الفكر العلمي، نافيا أن يكون المجتمع المغربي مجتمع فكر ومعرفة، موضحا أنه مجتمع مازال يعاني من التأخر والتخلف، ولهذا فإن المعارف العلمية هي معارف مهجورة، والأفكار الخرافية والأسطورية تنتشر وتسود بسهولة. حسب عصيد، فإن المشكل مرتبط بالسلطة، التي تعتبر أن الرقية تخدر العامة وتسكن من روعهم، وهذا شيء مرفوض. وقال عصيد، إن على السلطة أن تتحمل مسؤوليتها في محاربة النصب والاحتيال والشعوذة بجميع أنواعها، وهذا يتطلب في اعتقاد عصيد فصل الدين عن السياسة، لأن الخلط بينهما هو الذي يدفع الدولة للاعتماد على الدين بنسبة كبيرة من أجل التهدئة وضبط المجتمع والتحكم. وتوقع عصيد استمرار هذه الظواهر لمدة طويلة، لأنها تقتضي تغييرا جذريا على مستوى سياسات الدولة المعمول بها في العديد من المستويات. من جانبه، قال عبد الوهاب رفيقي أبو حفص، معلقا على ظاهرة الرقاة الشرعيين، “لا أعرف شيئا في الإسلام يسمى الرقية الشرعية، باعتبار أن ما يعرف من الرقى، وهي نوع من التحصين والتعويذ، كان قبل الإسلام، وما وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم استعملوه بناء على استعمال العرب له قبل ذلك، فأقرهم عليه. استعمال الرقية كنوع من التحصن والتعوذ، سواء من شر متوقع من العوالم الخفية، أو من بعض الحوادث التي يقع فيها الأذى كلدغة الحية والعقرب، فهذا أسلوب قديم كان يستعمله العرب، واستعمله الصحابة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يخالفهم فيه، والشاهد هنا، يشدد أبو حفص، ليس هناك ما يسمى بالرقية الشرعية، أو شيء جاء به الإسلام في هذا الباب، ولذلك فتعميم هذا الأمر وجعله تخصصا ونسبته إلى الدين، وتخصيص طقوس معنية به، كل هذا في اعتقاد الشيخ أبو حفص هو نوع من الخرافة، وتسويق الوهم للناس باسم الإسلام ومحاولة استغلال عواطفهم وعلاقتهم بالدين لتحقيق مصالح خاصة. وحول السر في ظهور ما سمي ب” الرقية الشرعية”، كشف الباحث في الشؤون الإسلامية عبد الوهاب رفيقي، أن هذا اصطلاح محدث، لا يوجد شي اسمه رقية شرعية، ولكنها وسيلة من وسائل العلاج القديمة التي كانت تتعامل بها الأمم قبل الإسلام وموجودة عند الكثير، فهي ليست منتوجا دينيا، يشدد أبو حفص، كما يحاول الرقاة التسويق له من أجل تحقيق مصالح سواء كانت مادية أو غير ذلك، ويستغلون حالة التخلف والانحطاط التي تعيشها المجتمعات الإسلامية، لأنه من المعروف أنه كلما كانت حالة الانحطاط أقوى، كلما كان التسويق أكثر لمثل هذه الظواهر، كلما يزداد التعلق بالأوهام، وتعليق الكثير من الأمراض النفسية والعضوية على عوالم خفية ومجهولة وغير معروفة. بالنسبة لأبو حفص، فإن من أهم أسباب وجود سوق رائجة للرقاة الشرعيين بالمغرب هو عدم تعقلن المجتمع، لأنه يعيش حالة هامة من لا عقلانية وتصديق الخرافة والكذب والأوهام. صناعة تخدير ودعا أبو حفص إلى التصدي لظاهرة الرقاة الذين يمارسون النصب والاحتيال على الناس، مؤكدا على ضرورة تدخل القانون من أجل ردعهم عن ذلك، وعلى دور التعليم من أجل عقلنة المجتمع، وتكوين مواطن يغلب عقله على مشاعره، وقال أبو حفص لا ينبغي أن ننسى دور المؤسسات الرسمية وغير الرسمية الدينية، التي ينبغي أن تعنى بتثقيف الناس وتوعيتهم وتثقيفهم وتحذيرهم من مثل هذا النصب الذي يقع باسم الدين. بالنسبة للراقي أشرف الحياني، الذي يتوفر على صفحة رسمية في موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك، يتواصل من خلالها مع الآلاف من مرضاه، فإنه كشف معطيات مثيرة حول الفضيحة الجنسية لراقي مدينة بركان الذي ظهر رفقة فتاة وهما يمارسان الجنس في محل قيل إنه عيادة للرقية الشرعية. وقال الحياني، إن الأمر يتعلق بشخص ليس براق شرعي، بل هو دجال ومشعوذ، مارس الجنس مع العديد من النساء من بينهن من قبلن بشكل طوعي ورضائي، وأخريات تحت مفعول التحذير والسحر. وشدد الحياني على أهمية الرقية الشرعية في الإسلام، وقال إن على الرقاة الشرعيين أن تتوفر فيهم عدة شروط، أهمها عدم لمس المرأة وعدم إخضاعها للرقية دون وجود محرم، إما زوجها أو أبوها أو أخوها. ويضيف الحياني أنها ليست المرة الأولى التي يقوم فيها رقاة بهذا النوع من الممارسات ضد المصابات بالمس، ليناشد السلطات المعنية، بالتدخل من أجل وضع حد لهذه السلوكات، داعيا إلى تقنين مجال الرقية.