صدر، حديثا، لمحمد التهامي الحراق، الباحث الأكاديمي المغربي المتخصّص في الإسلاميات والتصوف، مؤلَّف جديد بعنوان "مُبَاسَطَاتٌ في الفكر والذكر"، عن منشورات "دار أبي رقراق للطباعة والنشر" بالرباط، ضمن سلسلة "مسارات في البحث". ويندرج هذا الكتاب، حسب مقدِّمته، "ضمن الحقل الدلالي الجمالي في المعجم العِرفاني"، ويؤشِّر على "أفق تَدَيُّنِي جمالي، رحموتي، إنسيّ، كوني يحتفي بالنقدِ المزدوِج حيال توثينِ العقل وتغييبِه في آن"، وهو ما يجعله "يحتفي بالروحانية ويناكِفُ الخُرافية". وأكّد التهامي الحرّاق، في مقدّمة كتابه، أن ثمّة فرقاً كبيراً وواسعاً بين الروحانية والخرافية؛ "لأن الروحانية ليست أبدا مناهِضةً للعقلانية، بل هي مُوسِّعَةٌ لها، وتدخل معها في علاقة جدلية بموجبها يعمل العقل على توسيع مجالِه بما يتيحُ له الاعتراف بالمكوِّن الرُّوحي والمعنوي في الإنسان، ويقف عندَ حدود الغيب الذي تُغذي الروحانيةُ العلاقةَ به وفق منطقٍ خاص". وتناقض الخرافيةُ العقلانيةَ، حسب الأكاديمي المغربي، و"تُقدِّم تفسيراتٍ يسخرُ منها العقلُ ويدحضُها ويبرزُ تهافتَها، بل تدحضُها العقلانية الإيمانيةُ نفسُها حين تفتحُ أفقا روحانيا يتعاملُ مع المتعالِي بما يغذِّي قوةَ العقلِ على تفسير الظواهر، ويمَكِّنُه من الوقوف عند شاطئ الغيب الذي تكِلُّ أدواتُه عن الإبحارِ فيه"، مؤكّدا أن الروحانيةَ "توسيعٌ للعقل وحوار ممتد معه، فيما الخرافيةُ تبديدٌ له ونبذ جذري لأُسسه". كتاب "مُبَاسَطَاتٌ في الفكر والذكر"، حسب مؤلفه، "مزاوجةٌ بين الاعتناء بالنقد، وهو روح الحداثة، وبين الاعتناءِ بالوَجدِ، وهو انتعاشةُ الروح"، وبالتالي فإن الكتابة فيه مراوحَة "بين التحليل الذي يقتضيه التفكير النقدي، وبين التأشير، أي استعمال الإشارة الصوفية، الذي تقتضيه دهشة الروح". ويحاول الحرّاق، حسب المصدر نفسه، "التفكيرَ في بعض مسارات الحداثة انطلاقا من أسئلة الروح، والاقترابَ من ظمأ الأرواح للمعنى انطلاقا من أسئلة الحداثة"، والاستنارة بأنوار الإسلام وأنوار الحداثة، "في أفق فكري ذكري أو نقدي وجدي، يزعم أن الأنوار لا تتزاحم قطُّ ، مع اشتراط الاجتهاد العقلي والمجاهدة الروحية". أفق الذّكر بالضرورة، حسب الكتاب، "أفق كوني يعيد الاعتبار للمشتَرك الروحاني الإنساني، قبل أي تشكيل تيولوجي تاريخي تشدّدي مُغْلق"، وهو ما يتبدّى أساسا "مع إشارات العارفين المسلمين الذين انطلقوا من الإسلام بمعناه التاريخي والتشريعي الأخصّ ليُذَكِّروا بأنوار الإسلام بمعناه المثالي الأزلي الأعم"، ومن هنا كان توسّل هؤلاء العرفانيّين، في وراثة وظيفة التذكير وتحقيقها، ب"توظيف الجمال الموافِقِ للفطرة، أو الجمال بما هو لغة الفطرة، ليُعتبَر الجمال الروحي والطبيعي في الأفق العرفاني جزءا من "الذكر"، كما هو حال موسيقى السماع من حيث هي "ذكر"، أو حلقة الرقص الصوفي، من حيث هي "حلقة ذكر"؛ بل وكلّ حركات الأجرام والأفلاك ومكونات الطبيعة التي لها دلالة "الذكر"، في سر الصوفي، لأن السماوات والأرض وما بينهما في تسبيح دائم؛ أي في ذكر دائم". المنشور الجديد لمحمد التهامي الحرّاق، الذي يلي كتابَه الذي صدر في سنة 2016 معنونا ب"إني ذاهب إلى ربي... مقاربات في راهن التديّن ورهاناته"، لا يتردّد، حسب مقدّمته، في "طرح الأسئلة، بدءا من طرحها على الذكر الحكيمِ، في ضوئِه، وبتسويغ منه"، مثلما لا يتردّدُ في "استصحابِ التعالي والاعترافِ بظمأ الروح للوَجد وتوقِها للمعنى، احتفاءً بالفكر الذاكرِ وبالذِّكْر المتفكّر".