المغاربة الذين سيذهبون إلى صندوق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم يوم الجمعة المقبل سيكونون أمام اختبار صعب. أولا: هم مطالبون بالاحتكام إلى ضمائرهم لا إلى المال المعروض عليهم ولا إلى الولاءات القبلية التي تقيد البعض منهم ولا نفوذ الأعيان الذي يبتزهم. ثانيا: هم مطالبون باختيار أفضل الأحزاب وليس الأفراد، لأن الفرد، مهما كان مستقيما وخدوما، فإنه لا يؤثر في حزبه، واختيارات الهيئة السياسية التي ينتمي إليها. ثالثا: هناك أكثر من 30 حزبا تعرض بضاعتها، وجل هذه الأحزاب «قوافل» ورحالة لا يظهرون إلا مرة كل خمس سنوات، وبالتالي يصعب التعرف عليهم وعلى برامجهم وعلى كفاءة نخبهم... أمام الناخبين اتجاهان سياسيان: أحزاب شاركت في الحكومات المتعاقبة، وبالتالي فعليهم الحكم على حصيلتها قبل برامجها، وإن كانت جل الأحزاب التي شاركت في الحكومة لا تقدم حصيلة، بل وعودا للمستقبل، لأنها تعرف أن حصيلتها «حصلة» لا تقدر على الدفاع عنها، وهناك أحزاب لم تشارك في الحكومة وتعد الناس بأنها ستكون أفضل من سيحكم في البلاد بجزء من السلطة. هؤلاء لابد من التدقيق في كلامهم ومعرفة الممكن من المستحيل في وعودهم، فأكثر الكذب يقع قبل الانتخابات. لأول مرة في تاريخ المغرب، تتحرك الدعوة إلى المشاركة مع الدعوة إلى المقاطعة، في مناخ مفتوح وحر، وهذا جزء من اللعبة الديمقراطية التي تقبل بكل الأطراف وتحترم كل الآراء. أصحاب المشاركة يرون أن المقاطعة تخدم مفسدي الانتخابات بالأساس، لأنها تسهل مرورهم إلى البرلمان بدون عناء ماداموا سيدفعون لبضعة آلاف من الناخبين مقابل أصواتهم، ومن ثم سيبيعون هذا «الفوز المغشوش» لأكثر الأطراف «تشددا» ضد الانفتاح الديمقراطي. وأصحاب المقاطعة يرون في المشاركة الانتخابية إطالة لعمر الفساد، وأكبر تأخير أمام التغيير.. مادام الدستور الذي تجري الانتخابات في ظله دستورا غير ديمقراطي. هذا نقاش قديم يتجدد في كل انتخابات، لكن ظروف البلاد والمحيط الإقليمي جد مختلفة هذه المرة. اليوم هناك ربيع عربي يضغط على الجميع. وهناك وعي في المجتمع بضرورة القطع مع الماضي والتوجه نحو المستقبل. الحكومة والبرلمان اللذان سيخرجان من صندوق الاقتراع يوم الجمعة القادم، أمامهما تحديات كبيرة وكبيرة جدا. أولا: سيكون أمامهما تحدي إقناع جزء من الرأي العام، الذي قاطع الانتخابات وناصر حركة 20 فبراير بأن الإصلاح ممكن، وأن التغيير قانون حتمي يمكن أن يتم داخل النظام وليس بالضرورة من خارجه. ثانيا: الحكومة والبرلمان القادمان أمامهما تحدي «إنتاج» أكثر من 20 قانونا تنظيميا لإنزال الدستور على الأرض وإعطائه تأويلا ديمقراطيا يتجاوز الثغرات التي ولدت معه. ثالثا: الحكومة والبرلمان القادمان أمامهما تحدي النهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، والتي تحتاج إلى جرأة وشجاعة ونخب جديدة ورؤية عميقة لمشاكل اليوم والغد. الورقة، إذن، في يدك، فلا تدع أحدا يلعب بها ويلعب بمصير البلد.