يجتمع اليوم أكثر من 1700 مؤتمر في الرباط ليرسموا خارطة طريق حزب العدالة والتنمية في الأربع سنوات المقبلة. لابد من القول بأن الحزب الإسلامي المعتدل أصبح جزءا من معادلة الاستقرار في البلاد، ورغم كل الانتقادات التي توجه ضده والمخاوف التي تستوطن عقل خصومه، وبعضها حقيقي وبعضها وهمي. رغم كل هذا فالحزب يشكل عنصر توازن في الساحة «الأصولية» الملتهبة بدعوات التطرف السلفي الجهادي، الذي يلقي صدى متزايدا لدى فئات عديدة لأسباب داخلية وخارجية. الحزب اليوم يحتل مكانا مهما في الساحة الحزبية، فقد حصل على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات التشريعية الماضية، رغم أن هذه الأصوات لم تترجم كلها إلى مقاعد في البرلمان. ثانيا: إنه الحزب الأكثر تنظيما والأكثر قدرة على التعبئة والتحرك رغم أنه خسر في ظرف خمس سنوات أكثر من 100 ألف من أنصاره (حصل في انتخابات 2002 على 600 ألف صوت، وحصل سنة 2007 على 500 ألف صوت)، وغالبا ما تفسر قوته النسبية بضعف الأحزاب الأخرى التي دخلت في أزمات عميقة أبعدت الفئات الوسطى عنها. أما الفئات الفقيرة فإن جلها خارج المعادلة، لأن أصواتها محتكرة من قبل أحزاب اليمين الانتخابي التي تشتري الأصوات إما بالمال أو بالولاءات القبلية ونفوذ الأعيان في البوادي والمدن... عرف الحزب تقدما هاما على صعيدين: الأول تنظيمي، والثاني إيديولوجي، لكن مازالت هويته ومشروعه السياسي غامضين، كيف ذلك؟ تنظيميا، يقترب الحزب كل سنة من اعتماد بناء حديث وعصري، قائم على تنظيم التيارات وانتخاب المسؤولين على ضوء التزامات، بعضها واضح وبعض غير واضح. العقبة الكبيرة اليوم أمام دمقرطة الجهاز التنظيمي هي مبدأ «استقلالية القرار الحزبي» الذي لم يحسم بعد لدى كل قيادات الحزب، فبعضهم لا يرى مانعا -لاعتبارات شخصية وأخرى يراها موضوعية- من تدخل وزارة الداخلية والحكومة في سلوك الحزب واختيار الأسماء التي تراها مناسبة لمواقع المسؤولية، بدعوى أن للحزب أعداء كثر، وأن التوافق مع الدولة في هذه المرحلة أفضل من الصراع معها. عبد الإله بنكيران هو منظر هذا التوجه، وهو ينطلق من خارطة للصراع ترى أن «اليسار» هو عدو الإسلاميين وليس «المخزن»، وأن مقابل السماح للحزب بالاشتغال في الحقل السياسي الرسمي وتفويت الفرصة على الاستئصاليين، لابد من البحث عن مساحات للتوافق مع الدولة... الرميد يعارض هذا التوجه ويدعو إلى التوفيق بين التدرج في الإصلاح ومجابهة الطابع السلطوي للدولة الذي يمنع ميلاد الديمقراطية، وهو بهذا يقترب من أطروحات اليسار الراديكالي، ففي حين ينحو بنكيران نحو أطروحات أحزاب اليمين، وإن كان يختلف معها في المنطلقات وفي الريع المتحصل من السياسة، فإن الرميد يدعو إلى إصلاحات دستورية تقلص من سلط الملك، أي أنه يتبنى المعارضة الصلبة، أما العثماني فإنه يقف في الوسط، ويستفيد من تناقض الاتجاهين أكثر مما يستفيد من رؤية واضحة أو مشروع يقوده، ولهذا ظلت قيادته للحزب دون كاريزما، لأنه يقف في الوسط ولا يحسم، رغم أن طابعه الهادئ وشخصيته المرنة أفادت الحزب في تسويق صورة الاعتدال عنه بعد أحداث 16 ماي التي حُمل الحزب مسؤوليتها الأدبية من قبل أصوات في الدولة وخارجها. إيديولوجيا، مازال الحزب لم يحسم في هويته، وما إذا كان حزبا سياسيا سيدير شؤون الناس في الدنيا، أم أنه حزب ديني مكلف بإدارة شؤون الناس في الآخرة، أي أن جدلية السياسي والدعوي لم تحل إلى اليوم. نعم، تراجع النشاط الدعوي للحزب، وتراجع الخطاب الديني لدى قادته –وهذا ربما ما يفسر خسارته لحوالي 100 ألف صوت- لكن المعارك التي يجد الحزب نفسه وسطها، ودون اختيار في بعض الأحيان (المهرجانات، القروض، ومظاهر الحياة في مجتمع مفتوح)، تدل على أن المسألة لم تحل. نعم، الإشكالية جد معقدة، فهي من جهة تتصل بإشكالات أعمق في الفكر السياسي الإسلامي الذي لم يعرف بعد «موجة الإصلاح»، ومن جهة أخرى تتصل بنوع المشروع السياسي الذي يعرضه الإسلاميون على المجتمع، وعن حدود الاجتهاد والتقليد داخله، وما إذا كان يتوفر على أجوبة لمشاكل الاقتصاد والاجتماع والسياسة، أم أنه يعول على المرجعية الإسلامية والعاطفة الدينية المتجذرة في أغلب فئات المجتمع. أمام الحزب ثلاثة أسئلة اليوم سيتطلع المتابعون للحزب إلى معرفة جوابها بعد نهاية أشغال المؤتمر: هل العدالة والتنمية حزب سياسي أم ديني؟ هل الحزب يعارض سلطوية الدولة وفساد الكثير من أجهزتها أم يعارض الحكومة ووزراءها؟ هل الحزب سيدافع عن استقلالية قراره وعن انفتاحه على المجتمع واهتمامه بقضايا الديمقراطية ومحاربة الفساد وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، أم أنه سيشكل حليفا موضوعيا للجناح السلطوي في الدولة؟