هل يمكن أن يفقد شعب كامل الأمل في المستقبل ؟ هل يمكن أن يصاب باليأس شعبٌ عن بكرة أبيه، بقضه وقضيضه،بصغاره وكباره،بنسائه ورجاله،بأمييه ومتعلميه ؟ إن هذا ،إن حصل ، معناه أن الشعب على شفا حفرة من اليأس القاتل.ولا حياة مع اليأس،ولا يأس مع الحياة... ولله ذر من قال معللا نفسه،وربما معللا الملايين من الجماهير العربية التي ستأتي بعد مرور قرون مديدة على رحيله: أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل إن فسحة الأمل التي ينتظرها الشعب المغربي قد تضيق لتصبح مجرد نقطة لا ترى بالعين المجردة،وقد تتسع وتكبر لتصبح قبة ومزارا يقصده الناس من كل فج عميق.فحبة الأمل ،إما أن تكون فص ملح يذوب بفعل الأمطار التي تصادف موسم الانتخابات هذه السنة،وربما هذا سبب واحد من أسباب برودتها.والحبة نفسها،على صغر حجمها،وعلى شكلها المجهري قد تصبح قبة برلمان جديد، بقواعد عمل جديدة ... بدماء جديدة ... بأفكار جديدة... وبقدرة على بعث الأمل في الأنفس أننا، كمغاربة ،قادرون على فرز نخب تمثلنا خير تمثيل، وتدافع عن مصالحنا وتسعى لما فيه خيرنا وتقدمنا وازدهارنا ،وتعمل من غير كلل لكي يكون المستقبل أحسن، ولكي يصبح الغد أجمل ،والحلم أروع. إن المرشحين لقبة البرلمان الذين ضمنوا مقعدهم،سواء بحكم أهليتهم وثقة الناخبين فيهم،أو بحكم وسائل أخرى،الله وحده يعلم حجمها وقوتها،ولا نطعن في نية أحد ولا في سمعته،فقط نهمس في أذنه همسا خفيفا : إن الطريق إلى البرلمان قد يكون معبدا، ويسهل على من وفر شروط النجاح أو شروط "القفز كجلمود صخر حطه السيل من عل" أن يجتازه بكل خفة ورشاقة،لكن السؤال الكبير الذي يتعين على هؤلاء المرشحين القادرين على النجاح بسلام : هل من طريق للمستقبل ؟ هل تملكون الرؤية والقدرة والوسائل والجرأة كي تشقوا للشعب طريقا نحو المستقبل ... نحو الأمل في عيش كريم،وعدالة اجتماعية،ورخاء اقتصادي،وقدرة على المنافسة ،وأمل في العيش بأمن وسلام لكل المواطنين.. لقد عايش كثير من المغاربة حملات انتخابية كثيرة،وسمعوا وعودا معسولة،منها ما كان يقترب من الواقعية والموضوعية،وبعضها يشبه السخرية المريرة،كمن يريد أن يجعل الصحراء بحرا،والسماء تمطر ذهبا وفضة.لقد سمعنا بعض الحكايات،ونحن صغار لا نفقه شيئا،من قبيل أن الفوسفاط قادر على توفير عشرة دراهم لكل مواطن،وأن شواطئنا قادرة على أن تطعمنا سمكا طريا أيضا كل يوم،وأننا بوصولنا لعتبة مليون هكتار من مساحة الأراضي المسقية سوف نحقق الأمن الغذائي أو نسبة كبيرة منه على الأقل،وبذلك نضمن قرارنا الاقتصادي والسياسي... ثم ازدادت هذه الآمال اخضرارا و بهجة،يوم قيل لنا أننا قاب قوسين أو أدنى من أن نصبح دولة بترولية،وأن الاحتياطي الكبير من البترول الذي تدخره لنا تلك المدينة الصغيرة المسماة تالسينت كبير ومهم ،ومن شأنه أن يوفر ما يغطي نسبة كبيرة من استهلاكنا الداخلي،وبالتالي نوفر فائض العملة الصعبة التي يتطلبها استيراد النفط من الخارج. كبرنا .. ولم تكبر كثير من الآمال ! ومنا من هرم ،على حد قول شيخ ثورة تونس الخضراء،وفي نفسه كثير من الآمال التي ينتظر أن تتحقق قبل أن يوارى الثرى.لأن الأمل وحده هو وقود مواصلة الحياة.وحين يفقد الإنسان البقية الباقية من الأمل تصبح حياته بلا معنى وبلا جدوى.هذا على مستوى شخصي بحث،فكيف بشعب كامل؟ طبعا هناك تفاوت كبير بين المواطنين من حيث موقفهم من الانتخابات التشريعية التي ستجري يوم الجمعة القادم ( 25/11/2011).وكل يبني موقفه على مجموعة من المبررات التي يراها مقنعة له على الأقل.ومن يدُه في النار ليس كمن يده في الماء،ولكل مبادئه ومواقفه ووجهة نظره.وليس علينا إلا احترام وجهات النظر المختلفة،إيمانا على الأقل بشيء من مباديء الديمقراطية نظريا. هناك أيضا من يعول على نسبة مشاركة كبيرة جدا بالمقارنة مع المحطات الانتخابية السابقة،لأن المواطنين يعرفون أن هذه فرصتهم ،إن لم تكن الأخيرة فهي فرصة في ظروف استثنائية، ويمكن التعويل عليها من أجل تنزيل ما جاء به الدستور الجديد وإعطاء الحياة السياسية بالمغرب دفعة جديدة نحو التغيير والإصلاح المنشودين.وطبعا فإن زعماء الأحزاب المشاركة في الانتخابات على رأس المتبنين لوجهة النظر هذه. لكن الرد على هؤلاء الزعماء ،وهم من ساهموا ،أو بعضهم لتحري الموضوعية،بأنانياتهم وانتهازيتهم وتفضيلهم لمصالحهم،في تمييع الحقل السياسي ومفهوم السياسة النبيل الذي يعني القيام بشؤون الخلق على أفضل الأوجه الممكنة، وهو الفشل الذي يمكن استخلاص خطوطه العريضة من النتائج غير المرضية بالمرة،والتي تشهد عليها كثير من الأرقام،سواء تلك التي تنشرها منظمات ومؤسسات وطنية،أو ما يأتي عن طريق هيئات ومنظمات دولية. طبعا دأب هؤلاء الزعماء الذين مارسوا المسؤولية سنوات طويلة،ومارسوا السياسة عقودا متتالية،على التشكيك في الأرقام والطعن في صدقيتها.ولذلك يأتون بأرقامهم التي ترضيهم،وحين تكون أرقام تلك الهيئات والمنظمات في صالحهم لا يترددون على التفاخر بها.لكن السؤال المؤرق،إذا كانت الأرقام كاذبة كما تقولون فهل الواقع كما هو،وكما تشهد عليه جرائدنا وصحفنا ومجلاتنا الوطنية،والحزبية منها على الخصوص،وكما تنقله حتى قنواتنا الخجولة جدا حين يتعلق الأمر بالشؤون الداخلية لكنها أحيانا تخطيء " خطأ صوابا" تشكر عليه. ما رأيهم إذا في هذه الأرقام والصور والدلائل من الداخل ؟ والأكثر ما رأيهم في هذه الجموع من المواطنين والمواطنات الذين يصرخون من كثرة التهميش وغلبة الفقر وقهر الواقع؟ إنها فرصة هؤلاء المسؤولين والساسة أن يبرهنوا عن احترامهم فعلا لمواثيقهم ،وعن الصدق في أيمانهم.لأن كل عقوق في حق المواطن معناه دفعه لليأس والكفر بكل سياسي، وبكل مفردات السياسة وما يدخل في نطاقها من أحزاب وزعماء ونقابات وجرائد وحملات انتخابية. الجميع على قناعة أن هؤلاء الساسة،وخاصة من سيفوز بمقعده في البرلمان ومن سيُلقى عليه ،بعد ذلك،عبءُ تدبير الشأن العام ( هو عبء ومسؤولية وليس مغنما وتكريما في حقيقة الأمر ) لا يملكون عصا سحرية يستطيعون بها تحويل تراب الأرض ذهبا،وأحجارها فضة.وحبذا أن يحترموا ذكاء الناخبين أيضا،ولا يكثروا من الوعود الهلامية التي لا سبيل إلى تحقيق نصفها،فكيف بمجملها...ليس المطلوب منهم الإكثار من الوعود "الكاذبة"،ولكن المعول عليه إعادة بعث الأمل في أنفس المواطنين وبناء جسور الثقة معهم من جديد،ومصارحتهم الصراحة الكاملة. المواطن ليس "ساذجا" كي يصدق برامج طويلة وعريضة من الوعود المتشابهة وهو يكتوي بغلاء الأسعار وتدني الخدمات وغياب فرص الشغل وضعف الأجور ... وغيرها من المشاكل التي يتخبط فيها كثير من المواطنين بسبب سوء التدبير والتسيير،وجعل السياسة مجرد وسيلة للوصول للمراتب العليا في المسؤوليات رغبة في مغانمها لا حبا في أتعابها ومغارمها. إن الكذب هو شكل آخر من أشكال التيئيس... ولقد قالوا : إن حبل الكذب قصير.وأظن أنه في السياسة أقصر بكثير.فصاحب الوعود الكبيرة اليوم،سيجد نفسه إن تسلم مقاليد المسؤولية في القريب العاجل،أمام ملفات معقدة ومشاكل متوارثة ومتراكمة بشكل كبير،وعليه أن يفي بوعوده.فلئن جاز للسابقين أن يجعلوا الكذب والدعاية الفارغة من المعنى ومن الجدية سبيلهم لتقلد المناصب في العهود السابقة،فإن الأمر مختلف بشكل كبير اليوم.فليس بعد إخلاف الوعود إلا مزيد من اليأس والخوف من المجهول.وهو ما يستند إليه دعاة المقاطعة ويبررون به موقفهم الرافض للعملية الانتخابية من أصلها،ما دامت غير قائمة على أسس وقواعد متينة،يجب أن يتفق عليها بشكل آخر. ولذلك،إذا كان المشاركون،أقصد من بصفتهم مرشحين وليس المصوتين،يريدون خيرا بالبلاد والعباد،فعليهم أن يكونوا صادقين مع أنفسهم أولا،بحيث لا يقولون إلا ما يعتقدونه صوابا وقابلا للتحقق .لأن المواطن على درجة من الذكاء والمعرفة بأحوال البلاد دون حاجة لخبراء يحللون الأرقام ويركبون الاستنتاجات.وهذا المواطن يميز جيدا بين هذه الخطابات ويعرف ما ترمي إليه. ومن الأمل ألا نقتل الأمل في الأنفس،فنعمم الأحكام على مجموع المتنافسين والهيئات المتبارية.فالمؤكد أن هناك من تحركهم مصالح الوطن والمواطنين.وهم صادقون مع أنفسهم ويزنون كلامهم ولا يطلقون الوعود الكاذبة لإرضاء سامعيهم بالكلام الحلو الذي لا يحمل جديدا،ولا يستند إلى أي أساس . فلا شيء سيتحقق بين عشية وضحاها.العالم يعاني أزمات اقتصادية متتالية.ولقد رأينا دولا من داخل الاتحاد الأوربي نفسه تشارف على "الإفلاس" الاقتصادي،كما هو شأن اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال.وما حال دول أخرى من داخل أوربا بأفضل كثيرا.وهو ما ينطبق على الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها.والمغرب باعتباره دولة غير منتجة للبترول،لأن الذهب الأسود هو سبب الطفرات الاقتصادية هذه الأيام،وهو ما يجعل دولة في حجم قطر تلعب الدور الأول في العالم العربي...إن المغرب أيضا ليس بمنجاة من الأزمات الاقتصادية وحالة الركود التي تهيمن على دول كثيرة في العالم. فلا داعي إذا للإكثار من الوعود بدون مبرر. إن الوعد الأول والأخير الذي ينبغي أن يقطعه هؤلاء المتنافسون في مضمار الانتخابات التشريعية المؤدية إلى البرلمان،أجده في كلمات ربما تبدو شاعرية وحالة و رومانسية أيضا بشكل كبير، وهو بعث الأمل في نفس المواطن كي يتصالح مع واقعه،ويشارك فعلا في سياسة أمور بلاده بكل الأشكال المتاحة ،وليس الانتخاب إلا شكلا واحدا من بينها،وذلك من أجل خير الوطن وخير المواطنين. يا سادة لا تجعلونا نفقد الأمل،فنفقد الثقة فيكم جميعا،وأنتم الخاسرون في النهاية. رغم أن المعاناة تقع على كاهل الطبقات الفقيرة والمهمشة والمسحوقة. فهم غير "مسؤولين" ... وأنتم مسؤولون أمام الشعب... وأمام التاريخ ... وأمام الله. [email protected]