جميلٌ أن يحلم الإنسان،وأن يقاوم ضغط الأحداث عليه،كي يفك كل القيود على خياله الواسع،كيما يسبح في فضاء واسع يخرجه من بؤرة توتره الضيقة . وجميلٌ أن يتشبث المرء بالأمل في وقت الشدة،وبالرجاء إذا حمَّ القضاء.ويقطف بخياله أجمل الأحلام،وبأنامله أجمل الورود بكل الألوان،كي لا ينهار أو يُصاب بخيبة أمل تقعده حيث هو.. إن العيش قد يغدو جحيما لا يطاق تَحمُّلُه إذا حَرَمَ الإنسان نفسه من الحلم الجميل والأمل الكبير.فالبقاء في حالة ترقب لآمال كبيرة،قد تأتي وقد لا تأتي،أفضلُ بكثير من السقوط في أسر اللحظة الراهنة بكل سوداويتها.بل إن العيش يصبح غير محتمل،والاستمرار في الحياة غير ممكن،إذا فُقِدَ الأمل.وهي الحقيقة التي فطن إليها إبن الوردي قديما في لاميته المشهورة،حيث يقول: أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل وما أظنه جانب الصواب بتقرير هذه الحقيقة.فلا يأس ولا قنوط،مادامت هناك كُوَّةٌ صغيرة في الجدار السميك،يمكن أن يتسلل منها شعاع الشمس إلى الداخل. ورب قائل يبادر إلى القول يائسا : وإذا لم تكن هناك كُوَّةٌ أصلا. والجواب في غاية البساطة: إفتح عينيك جيدا ... لا بد من كوة ما في مكان ما ... يمكن أن تراها في لحظة ما.فقط تشبث ببصيص الأمل ولو بدا لك ضئيلا.. إن ما نراه اليوم من منجزات تبهرنا،ومنتجات تكنولوجية تعجبنا،وابتكارات واختراعات متجددة،هي في الأصل أحلام وإن شئت قل مشاريع أحلام،سبح أصحابها بخيالهم في الفضاء الرحيب،وتأملوا جيدا مسيرة الإنسانية الطويلة،وتطلعوا إلى المستقبل بعيون مفتوحة،فكان أن وصلوا إلى ما وصلوا إليه من نتائج وابتكارات عظيمة حقا. وربما حلَمَ قوم،وجاء من بعدهم خلف حولوا أحلامهم حقائق ملموسة،وأفكارا قابلة للتحقق والأجرأة.وهي نتيجة يقول بها عقل رياضي كبير متفوق في الموضوعية والتجريد،لكن هذا لم يمنعه أن يجعل الأحلام أيضا موجهة لموضوعيته وتجريده.فالانحسار في زاوية ضيقة،بدعوى أحكام العقل المجرد الصارمة،هو تفويت لفرص أخرى،لدى الإنسان من المواهب والقدرات، الكثيرُ لتحقيقها.إن ألبرت إينشتاين،يقرر بكل ثقة ويقين : أن كل ما يحلم به الإنسان يمكن أن يحققه الإنسان . نعم ، لقد حلم الإنسانُ عباس بن فرناس في القرن التاسع الميلادي بالطيران.وكان له شرف المحاولة الأولى من نوعها،ليقول لكل الذين من بعده إن الصعود إلى الأعلى ممكن،وإن الطيران في الفضاء ممكن،وهو ليس بالأمر المستحيل أبدا.ربما سخر أقوام من محاولته " الفاشلة" قرونا،واعتبروها نزوة الشاعر في شخص عباس بن فرناس،وليست من بنات أفكار الفلكي الرياضي عباس.والغريب أنه قام بتجربته هذه، الأولى من نوعها ، وعمره 65 سنة،ففي شيخوخته لم يفقد عبقرية العالم الحالم والساعي إلى أمر لم يأته أحد من قبله.علما أن الرجل كان له باع في تخصصات أخرى،وله اختراعات أيضا. بعد ذلك بأكثر من عشرة قرون ،أعاد الأخوان رايت المحاولة من جديد ( هما الأخوان أورفيل (1871 - 1948) وويلبر (1867 - 1912).) التجربة نفسها من جديد ،لكن مع إدخال تغييرات كبيرة على آلة الطيران،فبدل الريش الذي استعمله عباس بن فرناس،استطاع الأخوان رايت تصميم آلات متطورة نظرا لمعرفتهما بالميكانيك والعلوم التطبيقية.ولكن الفكرة نفسها،والحلم أيضا نفسه.وهو الطيران في الفضاء.. وها هم الناس اليوم،يطيرون على متن آلات ضخمة في الفضاء تسمى طائرات ... أي أنها تطير فعلا.فما أجمل الحلم،وما أروع من حلم به بداية... هذه أحلام جميلة ... وأحلام حالمة ! وبفضل الحالمين الكبار،قفزت البشرية قفزات عظيمة،على درب التقدم والتحضر والإبداع.. لكن للأسف،هناك دائما من يرسمون " أحلاما "، تتحول إلى كوابيس تقض مضاجع بني البشر، وتنقلب عليهم بالشقاء والعنت وسوء الحال.ومن سوء حظ الإنسانية أن كثيرا من أبنائها العاقين لمبادئها ،والمعوِّقين لمسيرتها،والمعوَّقين فعلا بالنظر إلى رسالتها السامية وأهدافها النبيلة ...هؤلاء المجانين طافت بأذهانهم ذات يوم أحلام مريضة،فأوردوا بني جنسهم موارد الهلاك... إن الأهرامات ،على ضخامتها وعظمتها،هي قبور لحفظ جثث الفراعنة وممتلكاتهم.فروعة البناء وهندسته لا ينبغي أن تحجبا أن الهدف في نهاية المطاف متواضع جدا،فكيف يشقى الآلاف لبناء هذه المعالم فقط لحفظ جثت الموتى وممتلكاتهم ... وقد حلم الإسكندر الأكبر بحكم العالم وبسط نفوده على كل بقعة تشرق عليها الشمس،فكان أن أهلك الحرث والنسل.. وهو الحلم نفس الذي راود رجلا مريضا بالعظمة،هو هتلر،الذي كانت حروبه سببا في هلاك أربعين مليون نفس بشرية... وحلم بوش الصغير بتحقيق هذيانه الديني وهوسه الإيديولوجي،فأشعل حروبا دفعت شعوبٌ عربية وإسلامية فاتورتها ثقيلة..وسالت الدماء أنهارا في أفغانستان والعراق وما تزال تسيل ... والعالم لم يسترد عافيته بعد ثمان سنوات من تسلط الإدارة الأمريكية تحت قيادة المحافظين الجدد، أصحاب الأحلام المتطرفة والنزعات الدموية وروح الشر والكراهية ... لكن أبشع الأحلام وأغربها وأكثرها وقاحة وصلفا،هي تلك التي طافت برأس رجل مريض بشهادة الجميع إسمه معمر القدافي ،أو عميران الأخضر على ذمة الشاعر العراقي أحمد مطر.ومما يؤسف له،بالغ الأسف،أن أحلامه المريضة حد القرف اقترنت ، سيميائيا، باللون الأخضر لدرجة أفقدته دلالته. لقد أضفى عميران الأخضر على نفسه ألقابا لا تليق إلا بالأباطرة العظام.فهو عقيد ...وقائد... وفاتح ... وزعيم... وعميد الحكام العرب ... وملك ملوك إفريقيا..ويوم ثار الشعب الليبي ضده أصبح " مجدا"، كل دول العالم أو بالأحرى كل شعوب العالم تفديه بالروح والدم.. وهو حاكم أول جماهيرية في التاريخ،إسمها هو الأطول.لا أذكر كل أوصافها،ولكنها " عظمى " .وعظمتها ليست من عظمة الشعب الليبي،ولا حتى من عظمة المجاهد الكبير عمر المختار ... ولكنها من عظمة عميران،عفوا أقصد الفاتح العظيم. وهو صاحب منجزة النهر الصناعي العظيم، لأن كل أفعاله ومنجزاته عظيمة،بما في ذلك خيمته ... وهو صاحب النظرية الثالثة... تصوروا، كل البشرية مقسمة إلى معسكرين،كل معسكر له نظرية في الحياة،وحمدا لله أن عميران كان له الفضل أن يخلق المعسكر الثالث بنظرية ثالثة.هذا طبعا بمقاييسنا نحن ونظرتنا للأمور،أما هو فلا يرى إلا نظريته ،أولا وثانيا وثالثا ... وهو كاتب قصة،عقدت ندوات ونظمت ملتقيات،لتسليط الضوء على موهبته الفذة وإبداعاته الأصيلة. تريدون على ذلك دليلا دامغا،دونكم مجموعته القصصية الأشهر من نار على علم ، تحت إسم :" القرية القرية الأرض الأرض وانتحار رائد الفضاء " ، ولكم أن تخمنوا كم خسر الأدب الإنساني من إبداعات حين انشغل عميران بحروبه.إن البشرية كلها مخطئة،حين سمحت بإشعال حرب ضد مبدع خارق للعادة.إن هذا معناه وقف نبع الإبداع الإنساني الذي لا ينضب . لكن ليست المشكلة أن يخال عميران نفسه أديبا عبقريا،وكاتبا ألمعيا،المشكلة أن يكون هناك من يساير هذا الهوس ،ويُضيع بعضاً من وقته للكتابة عنه،تحت مسمى النقد. يقول أحد المهووسين في ختام مقالة نقدية حول المجموعة القصصية المذكورة آنفا : ( إ ن حياة الإنسان في هذا العالم تطرح بوضعها فشلا كاملا تدلل عليه تلك الصلة الغائبة بين الآباء والأبناء.. والنتيجة هى ضياع الأمل الذي يتجسد في بحث الإنسان عن عالم أفضل . يصل الكاتب المبدع القائد معمر القذافي في سبره لهذه المشكلة الحيوية إلى أقصى حد له عندما يضع شخوصه في عالم الموتى فور عبورهم حدود الحياة والموت.. وذلك في محاولة أخيرة لإيجاد جواب ينقذ الإنسان .وعلى الرغم من أن المحصلة النهائية لهذه المجموعة القصصية سلبية إلا أنها تفتح بابا واسعا للأمل ..) أنظر : http://www.gaddafiprize.org/Shakir.htm إنها أحلام أكبر من صاحبها بكل تأكيد.. أصابته بمرض جنون العظمة والتفوق،فأصبح يخال نفسه مرجعا قائما بذاته،فوق كل الاعتبارات التاريخية والفنية والإنسانية..بحيث لا يمكن أن يردعه رادع من أخلاق أو قانون أو عرف ...هو فوق الجميع. في الختام ، دعونا نحلم أحلاما جميلة مرة أخرى،واسمحوا لي أن أشارككم هذا الحلم الرائع : - ياليت أم عميران وأدت عميران .............!! عفوا ، أقصد : عاش الفاتح العظيم !! [email protected]