مند بضعة أشهر خلت، دبت في بلدنا العزيز حركية سياسية غير عادية كانت نتيجة تأثيرات سياسية إقليمية سرعت بشكل أو بآخر من وتيرة "الإصلاحات السياسية" التي شرعت المملكة المغربية في نهجها منذ بداية التسعينيات ما القرن الماضي. وهنا وجب الاعتراف أيضا بالدور المهم و لكن "المحدود" لحركة 20 فبراير في هذا التسريع من الإصلاحات رغم اختلافي السياسي مع طرحها منذ انطلاقها و حتى هذه اللحظة. شخصيا، لقد كنت ضد حركة 20 فبراير لعدة أسباب أعتبر أنها أدخلت الحركة نفقا مسدودا وأصبحت معها غوغائية متخذة لمواقف راديكالية و غير بناءة تعبر عن التنازاعات بين مكوناتها. أولا، إن مطالب الحركة عدا حسن النية التي تغلفها لم تكن جريئة و خلاقة في طرح أفكارها و مطالبها مباشرة عوض الإيحاء بالفساد و الاستبداد كمصطلحات عامة يعرفها الخاص قبل العام. ثانيا، لم تفرض الحركة نفسها كبديل للتغيير المنشود حيث أنها لم تتمكن من استقطاب غالبية المغاربة رغم عزوفهم عن الأحزاب "التي تحكمها نخبة انتهازية"، و ذلك بسبب ركوب تيارين راديكاليين فوق مطالب الدمقرطة و تمثيلية الشعب التي تنادي بهما الحركة. و المستفز لأي متتبع أن كلا من جماعة العدل و الإحسان (الأصولية) أو حزب النهج الديمقراطي (الستاليني) هما أكبر كافرين بمبادئ الديمقراطية المتعارف عليها عالميا، فكلاهما لم يعبر صراحة عن قبوله أو حتى رفضه لمجموعة من الأدبيات التي وضعتها حركة 20 فبراير كأساس لتمرير مطالب "الشعب". إن هذين التيارين :"الديمقراطيين" لم تكن لهما الجرأة و الشجاعة منذ تأسيسهما على قبول تداول السلطة داخل تنظيميهما (عبد السلام ياسين بالنسبة للجماعة و عبد الله الحريف بالنسبة لحزب النهج الديمقراطي)،فبالأحرى قبولهما لتداول السلطة في حال تسلموا مقاليد الحكم في المغرب. إن ما نراه من كيفية تدبير التيارين للخلافات داخل جموع حركة 20 فبراير و استبدادهما لخير دليل. ثالثا، ضعف الحركة عن طرح بدائل عملية و أفكار متطورة، و استعمالها لخطاب مبتذل شعبوي مستنسخ من حقبة سبعينيات القرن الماضي نفر فئة عريضة من الطبقة المتعلمة التي أنتمي إليها من الانضمام إلى الحركة. بالجهة المقابلة، وجب الاعتراف للدولة المغربية بذكائها السياسي من خلال تعاملها الحكيم و الإيجابي مع مطالب الشارع – و لا أقول هنا الشعب- المختلف هما شاهدنها و تشاهده في مجموعة من الدول العربية جنب البلد الدخول في متاهات لم يكن من الممكن التنبؤ بنتائجها. إن الإصلاحات السياسية التي قامت بها الدولة المغربية كانت مقبولة و مشجعة في بدايتها غير أنها توقفت ابتداء من انتخابات 2002 عندما تم الالتفاف حول المنهجية الديمقراطية التي أفرزتها صناديق الاقتراع من طرف الدولة من جهة، وخنوع الأحزاب "الوطنية" عن اتخاذ مواقف جريئة فوت فرصا على البلاد و عطل الانتقال الديمقراطي المنشود. فبالرغم أن الدستور الجديد الذي تم اعتماده في يوليوز الماضي متقدم جدا على دستور 1996، إلا أنه في رأيي الشخصي دستور غير مبني على فصل تام للسلط و لا يتيح هامشا مريحا للمناورة من طرف رئيس الحكومة. إن توافقات ما قبل انتخابات 25 نونبر 2011 بين الأحزاب و الدولة المغربية نفرتني شخصيا من المشاركة السياسية و زادت من إحباطي و سخطي على العبث السياسي المغربي بكل تجلياته و قتلت روح الدستور المغربي الجديد. مع الأسف إن هذه الأحزاب التي تتقدم إلى المواطنين اليوم لدعوته للمشاركة السياسية الفعالة نحو مغرب جديد مرتدية قناع العذرية و ملتحفة درع محاربة الفساد، هي أكبر منتج له خلال تجاربها السابقة و من خلال إعادة إنتاجها لنفس خطاباتها التقليدية بنفس الوجوه الرئيسة التي علاها الصدأ. فكيف يمكن أن يقنعني حزب الإتحاد الاشتراكي "الحداثي التوجه" وهو يرشح السيد الراضي، و هو البرلماني منذ أن كان عمر والدي العزيز 8 سنوات. وكيف يمكن أن يقنعني حزب العدالة و التنمية بأن صوتي له قيمة فعلية في المحاسبة و هو الحزب الذي لا تقوى أطره على مواجهة ناخبيها ليحاسبوها؛ فنموذج القيادي سعد الدين العثماني خير دليل، فمن ترشح بدائرة إنزكان أيت ملول في انتخابات 2002 مرورا بمدينة الدارالبيضاء سنة 2007 ثم مرشحا لانتخابات 2011 بمدينة المحمدية. لكل ماسبق أعلن عن مقاطعتي لانتخابات 25 نونبر2011 مرسلا رسالة تبرم وسخط على السياسة كما تمارس ببلدي من طرف الدولة المغربية من جهة و الأحزاب المغربية و حركة 20 فبرا ير من جهة أخرى. رافضا أن يتم استغلال مقاطعتي سياسيا من أي من هاته الأطراف.