عبر المشاركون في ندوة حول تزويج الطفلات في المغرب عن خيبة أملهم في تعاطي الدولة مع هذه الظاهرة، التي ما زالت منتشرة بشكل واسع في عدد من مناطق المغرب، بل إن المشاركين في الندوة، المنظمة من طرف منظمة "صوت المرأة الأمازيغية"، أكدوا أنها في تزايد. وتوقف أنس سعدون، عضو "نادي قضاة المغرب"، عند مفارقة مجسّدة في كون متوسط عمر الزواج لدى النساء في المغرب في ارتفاع، إذ وصل إلى 25 سنة، حسب آخر دراسة للمندوبية السامية للتخطيط، لكن زواج القاصرات في ارتفاع. وعلق سعدون على هذه المفارقة بالقول: "هناك شيء غير مفهوم". وقدم المتحدث ذاته بعض المعطيات المتعلقة بأسباب تزويج القاصرات، بناء على دراسة أنجزها في إقليمأزيلال، الذي يعرف انتشارا واسعا لتزويج القاصرات، كشفت نتائجها أن من خصائص القاصرات اللواتي تم تزويجهن أن غالبيتهن توقفن عن الدراسة، ولا يزاولن أي عمل، ويعانين مشاكل اجتماعية كطلاق الوالدين واليُتم والانتماء إلى أسر فقيرة. واعتبر أنس سعدون أن تزويج القاصرات "هو عنوان للفقر والتهميش"، الذي ترزح تحت وطأته المناطق التي تنتشر فيها هذه الظاهرة، مبرزا أن الأرقام الرسمية حول تزويج القاصرات لا تعكس الحقيقة، ذلك أن أولياء أمور القاصرات المزوّجات لا يدلون بسنهنّ الحقيقية، لعدم تسجيلهن في الحالة المدنية، أو لأن تاريخ الازدياد لا يكون صحيحا. ووصف سعدون تزويج القاصرات ب"الظاهرة المركّبة"، التي يختلط فيها ما هو اقتصادي بما هو ثقافي واجتماعي، لكنّ الهدف من هذا النوع من "الزواج"، يضيف المتحدث ذاته، ليس هو الزواج في حد ذاته، بل إن غاية المستفيدين منه من الرجال هي "إبرام عقد عمل، حيث يتم استغلال الطفلة في القيام بالأعمال المنزلية والعناية بوالدي الزوج". وأوضح المتحدث ذاته أن الكثير من أمثلة تزويج القاصرات بينت أن سبب هذه الظاهرة اقتصادي بالدرجة الأولى، إذ أن أغلب القاصرات اللواتي يتم تزويجهن ينتمين إلى الطبقة الفقيرة، مشيرا إلى أن غالبية الزيجات تنتهي بالفشل، لأن الطفلة حين تذهب إلى بيت زوجها تجد نفسها خادمة أو راعية لوالديه. وأجمع المشاركون في الندوة على أن تزويج الأطفال في المغرب ينطوي على عنف قائم على النوع. إذ قالت خديجة زويتني، الباحثة في علم الاجتماع، إن هذا النوع من "الزواج" يستهدف الإناث بنسبة أكبر من الذكور، مشيرة إلى أن أسبابه عديدة، يتصدرها العامل الاقتصادي، ذلك أن الأسر التي تزوج طفلاتها تعاني الفقر والهشاشة، فضلا عن غياب فرص اقتصادية للإناث في العالم القروي. فيما انتقد محمد ألمو، المحامي بهيئة الرباط، بشدة المدافعين عن الإبقاء على تزويج القاصرات في مدونة الأسرة، رغم إحاطته بقيود. وذهب أبعد من ذلك قائلا إن "من يدافع عن تزويج القاصرات إنما يدافع عن البيدوفيليا". كما انتقد مدونة الأسرة، واصفا إياها ب"أكبر مظهر للنفاق التشريعي"، لكونها تضم الشيء ونقيضه، إرضاء للتيار المحافظ، على حد تعبيره. وفي هذا الإطار، قالت عائشة ألحيان، المحامية بهيئة الرباط وعضو "اتحاد العمل النسائي"، إن مدونة الأسرة جاءت بعدد من المكتسبات للنساء والأسرة، لكن التطبيق بيّن عدم فعالية هذه المكتسبات، لعدم نجاحها في تحقيق المساواة التي بنيت عليها فلسفة المدونة. وأضافت ألحيان أن 99 في المائة من طلبات الإذن بتزويج الأطفال الواردة على الحاكم تتعلق بالإناث، في حين لا تتعدى نسبة الذكور 1 في المائة، مشيرة إلى أن الطلبات التي تحظى بموافقة القضاة تتزايد سنة بعد أخرى، "حتى صار الاستثناء قاعدة"، وعزت سبب ذلك إلى الثغرة التي تركها المشرّع في المادة 116 من مدونة الأسرة. من جهتها، قالت الفاعلة الحقوقية نجاة الرازي إن ظاهرة تزويج القاصرات تنطوي على تمييز وعنف قائم على النوع الاجتماعي، "وهي خرق لحقوق الإنسان وحقوق الطفل المضمنة في المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب وخرق للدستور"، وفق تعبيرها. وأضافت الرازي أن تزويج القاصرات يمثل عنفا لما يسببه من أضرار نفسية وجسدية للطفلة، ونظرا إلى حرمان الطفلة المتزوجة من الحرية، مشيرة إلى أن "تزويج القاصرات فيه تشجيع على ممارسة العنف ضد النساء، لأن الطفلة المتزوجة تسهل ممارسة العنف عليها بكل أنواعه". واعتبرت ثريا تناني، وهي فاعلة نسائية وجمعوية، أن التبريرات التي يحاول مؤيدو تزويج القاصرات إضفاء الصبغة الشرعية عليها ليست قانونية ولا واقعية، مضيفة أن الطفلات "مكانهن فصول الدراسة وليس الزج بهن في غرف النوم". وانتقدت تناني ما أسمته "استغلال التيارات المحافظة للدين لتكريس تزويج القاصرات"، قبل أن تستدرك قائلة إن الجمعيات المدافعة عن حقوق النساء والفتيات، والمناهضة لتزويج القاصرات "لا يخضن صراعا مع الرجال، بل مع العقلية الذكورية، التي تسعى إلى بسط سلطويتها على المرأة". كما استنكرت تهميش الدولة للمناطق النائية التي ينتشر فيها تزويج القاصرات، معتبرة أن هذا التهميش "يشكل وصمة عار على جبين الدولة".