أمام تنامي ظاهرة تزويج القاصرات بجهة بني ملالخنيفرة ، نظمت جمعية مبادرات لحماية حقوق النساء ،وجمعية نساء المناطق الجبلية ،بتنسيق مع اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان جهة بني ملال - خنيفرة وتحالف ربيع الكرامة ندوة علمية حول موضوع (تزويج الطفلات بين مدونة الأسرة والحقوق الكونية للنساء( بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء ،واليوم العالمي لحقوق الإنسان وذلك يوم الجمعة 4 دجنبر 2015 بفندق عين أسردون بمدينة بني ملال بمشاركة قضاة ومحامين و ورؤساء أقسام قضاء الأسرة وحقوقيين وإعلاميين وفعاليات من المجتمع المدني . وفي كلمتها الافتتاحية حذرت ثريا تناني عن جمعية مبادرات لحقوق النساء من المنحى التصاعدي الذي يعرفه زواج الطفلات القاصرات خصوصا بجهة بني ملالخنيفرة التي تعرف انتشارا واسعا للظاهرة والذي تؤكده التحقيقات التي أجريت من طرف قوافل طبية وحقوقية فضلا عن بحوث في هذا الشأن، مشيرة إلى الانعكاسات السلبية التي تؤثر على النواة الأولى للمجتمع والمتمثلة في الأسرةلانعكاساته السلبية على مستقبل الأسرة والمجتمع ما يستدعي العمل على توفير إمكانيات الحد من ظاهرة تزويج الطفلات والتعاطي معه باعتباره انتهاكا لحقوق الطفلات ، يقتضي معالجة شمولية تراعي أبعاد الظاهرة ،وأسبابها ومضاعفاتها الصحية والاجتماعية ،وتنطلق من مسؤولية الدولة في حماية حقوق الطفلات من العنف والتمييز على أساس الجنس.، وضمان سلامتهن النفسية والجسدية. ودعت تناني ، كل فعاليات المجتمع إلى إيلاء هذا الموضوع ما يستحق من اهتمام وعناية للقطع مع ممارسات تتعارض مع حقوق الطفلات في الاستمتاع بطفولتهن واستكمال دراستهن للمساهمة في تنمية بلاده . واعتبرت زواج القاصرات أمرا قسريا وانتهاكا جسيما لحق الطفلة. أما ممثلة جمعية ربيع الكرامة أسماء المهدي ، فقد طالبت بحذف الفقرات الثانية والثالثة والرابعة من المادة 16 وحصر وسيلة إثبات الزواج في عقد الزواج، وحذف المادة 20، 21 و 22 من نفس القانون والتي تشرع لزواج من هم دون سن أهلية الزواج باعتباره استثناء نزعت عنه الممارسة القضائية طابع الاستثناء، والإبقاء على المادة 19 التي تحدد سن أهلية الزواج في 18 سنة وتجريم كل تحايل غرضه تزويج الطفلات والزواج بهن . والتمست أسماء تجريم كل تحايل على القانون يهدف إلى تزويج طفلة بغض النظر عن مرتكب التحايل.واستندت الناشطة النسائية لتبرير مطالب جمعيتها على الأرقام الصادرة عن جمعيات المجتمع المدني ووزارة العدل التي تظهر أن عدد رسوم الزواج دون سن أهلية الزواج ارتفع من 18341 سنة 2004 إلى 21660 سنة2005 ثم قفز إلى 35152 سنة 2013، ليشكل بذلك 11,47%من مجموع عقود الزواج. فيما بلغ عدد الطلبات المقدمة من أجل الإذن بزواج من هم دون سن الأهلية 43508 طلبا سنة 2013،و لم تتعد طلبات القاصرين الذكور ضمنها 92 طلبا ، مما يؤكد حسبها أن الظاهرة مؤنثة وأن التطبيق غير السليم للنص القانوني أفضى إلى التمييز بسبب الجنس. واعتبرت ممثلة ربيع الكرامة أن هذه الأرقام، المتنوعة المصادر والمعبرة، تظهر بالملموس واقع الطفلات وما يشهده من خروقات لحقوقهن في بعدها الشمولي، خاصة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والمدنية التي ينتهكها التطبيق غير السليم لمدونة الأسرة والذي ساهم في تكريس التمييز حتى بين الطفلات والأطفال، فنفس التقرير لوزارة العدل أضاف بأن سنة 2013 سجلت 43416 طلبا يخص الطفلات، في حين لم يتجاوز عدد طلبات الذكور 92 طلبا، و98,47% من مجموع هذه الطلبات أصحابها عاطلون وعاطلات عن العمل. منبهة في السياق ذاته أن هذه الظاهرة تتفاقم بسبب الممارسات القضائية غير السليمة، وخرق المساطر، والاحتكام لتقديرات شخصية وذاتية والخلفيات الحابلة بثقاقة التمييز بسبب الجنس لدى الساهرين على تطبيق القانون من جهة و أيضا نتيجة الممارسات الاجتماعية التي تجعل من الأعراف والتقاليد قانونا لها، وتساهم بذلك في تعميق الظواهر السلبية وتستمر في إعادة إنتاجها. ومن جانبه تقدم أنس سعدون قاضي و باحث في قانون الأسرة المغربي والمقارن وعضو نادي قضاة المغرب وعضو المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية خلال عرضه : "الإذن بتزويج الطفلات بين قانون الأسرة واتفاقية حقوق الطفلة والطفل" ، تقدم بمقترحات لمعالجة مساطر زواج القاصر جعل على رأسها اعتبار طلاق القاصر طلاقا تعسفيا موجبا للتعويض ثم تدعيم الإصلاح التشريعي بتحفيز جهود التنمية للنهوض بوضعية الأسرة في جميع المجالات والحرص على التكوين المستمر للقضاة وتشبعهم بمبادئ حقوق الإنسان للمرأة والنوع الاجتماعي. وناقش الأستاذ أنس سعدون توجهين من بين سيناريوهات كثيرة للتعامل مع موضوع زواج الطفلات بحسب مطالب الفعاليات الحقوقية المهتمة بالموضوع، مبرزا أن التوجه لأول يدعو إلى حذف المقتضيات القانونية التي ترخص بزواج الطفلات، وهو توجه يبدو من وجهة نظره مستبعد لعدة اعتبارات منها ما هو داخلي يتعلق بالواقع المعاش الذي لا يزال يقبل بمثل هذا النوع من الزواج ومن ثم يكمن الحل في محاولة تقييد هذه الممارسة، قبل محاولة العمل على منعها، كما أن التشريعات المقارنة حتى في البلدان المتقدمة تسمح بالنزول استثناء على السن المحددة للزواج لتحقيق مصلحة القاصر أو لمواجهة بعض الحالات الاستثنائية، وتقبل تزويج الطفل أو الطفلة تحت مراقبة القضاء، لكنها تقيد ذلك بعدة قيود قانونية كما أنها تتولى توفير الرعاية الاجتماعية للقاصر للحيلولة دون تعسف قد يطاله من وراء هذه الممارسة. بينما يدعو التوجه الثاني للإبقاء على الفصل 21 من مدونة الأسرة وإدخال تعديل تشريعي عليه، إما بوضع حد أدنى لسن تزويج القاصر طفلا كان أو طفلة محدد في 16 أو 17 سنة لكلا الجنسين، أو تقييد السلطة التقديرية الممنوحة للقضاء من خلال التنصيص على الزامية الخبرة الطبية والبحث الاجتماعي. وعالج أنس سعدون ظاهرة تزويج القاصر من خلال مجموعة من المحاور منها : زواج الطفلات في الشريعة الإسلامية ، زواج القاصرات في المواثيق الدولية ، زواج القاصرات في المؤتمرات الدولية ، زواج القاصر في التشريعات المقارنة في قوانين المغرب العربي، وزواج القاصر في القوانين الأوربية ثم محور مقاربات متباينة لظاهرة زواج الطفلات. وناقش سعيد حتمان رئيس نادي قضاة المغرب فرع بني ملال في مداخلته بعنوان : "زواج القاصر بين الواقع و القانون" اصطدام القاضي عند تطبيقه لمواد القانون مع الواقع المعاش ، المادة 19 من مدونة الأسرة التي تحدد السن القانوني لإبرام عقد الزواج في 18 سنة، لكن تم وضع حالات استثناء تمنح لقاضي الأسرة الإذن بالزواج لمن هو دون سن الرشد أو سن الزواج مع مراعاة مجموعة من الضوابط القانونية الشكلي منها والموضوعي ، وبين المراحل التي يقطعها طلب الإذن للقاصر ووليه الشرعي والوثائق المطلوبة لذلك ، مؤكدا أن تكوين القناعة لدى القضاء منح الإذن من عدمه يرجع إلى المعطيات التي تكون متضمنة في الملف . وأكد أن النص الذي تعتمده مدونة الأسرة في أهلية الزواج موجود في مختلف القوانين الدولية سيما في دول الجزائرتونس اليمن والأردن ومصر ... ، الإشكال في الواقع الذي يجب الاهتمام به ( فقه الواقع ) الواقع لا يمكن أن يرتفع بإلغاء النص القانون ، لأن القانون إنما وجد لتنظيم المجتمع ، مضيفا أن القضاء المغربي يجد نفسه في قلب الانتقادات التي توجه إليه أصابع الاتهام وتعتبره مقصرا في حق القاصرات، وبالتالي وجب البحث عن حلول للمشاكل القائمة للبحث عن بدائل قانونية متفق عليها من قبل كل الفرقاء والمتدخلين، علما أن رفض القاضي تزويج القاصر تنجم عنه أحيانا مشاكل خطيرة تضيع معها حقوق القاصر ، مبينا أن الأسماء التي تم رفض الإذن لها لم يغير من الواقع في شيء ، حيث تم اللجوء إلى زواج "الفاتحة" تم بعد ذلك البحث عن ثبوت الزوجية مع إعطاء أمثلة ونماذج لذلك . ودعا حتمون إلى الاجتهاد في تغيير العقليات لأن الأمر يتجاوز النص ، ولأن تغيير النص لا يغير من واقع الظاهرة شيئا ، لأن الواقع عندنا يؤمن بالظاهرة ويعتبرها داخلة في ثقافته السوسيولوجيا ، مؤكدا أنه يتعين التروي في التعامل مع الظاهرة والبحث عن الأسباب المؤدية إليها ، ومحاربة الفقر والهشاشة اللذين يعتبران من بين أهم الأسباب المساهمة في الظاهرة.