توطئة لا بدّ منها: كان قدري في بدايات مساري المهني كصحافي في إحدى الجرائد الوطنية أن يكون أول روبورتاج أشتغل عليه هو المهن الليلية ومتاعب أهلها، وكان من بين الأماكن التي اشتغلت عليها حينها (سنة 2008) مستشفى "موريزكو" قسم المستعجلات، فرأيت ما غَمّ نفسي وأصابني بالهمّ والحزن..مواطن لا قيمة له، مسؤولون غائبون، متدرّبون وممرضون وموظفون ورجال أمن خاص يتربّصون للحصول على مكافأة نظير أي خدمة...قلت حينها –وقد كنت عائداً للتو من فرنسا- يستحيل أن يكون هذا هو المغرب الذي قاوم أجدادنا لطرد المستعمر منه، يستحيل أن يكون هذا هو المغرب الذي ناضل آباؤنا لاستكمال وحدته الترابية. وقلت في قرارة نفسي: لعلّ القادم أحلى إن شاء الله. وبعد 10 سنوات، وبالضبط ليلة السبت 08 دجنبر بمستشفى سيدي عثمان، قُدّر لي أن أرى بأم عيني المواطن المغربي يُعامل كالحيوان، بل أنكى وأمرّ.. الحيوان توجد جمعيات تدافع عنه على الأقل. تلك الليلة ساقني القدر لأطمئن على أحد معارفي بعدما تعرض لاعتداء شنيع تسبّب له في كسر مزدوج في يده ووركه. لا تفارقني صرخات زوج مسكين بائس لا حول له ولا قوة فقد رضيعه وزوجته في تلك الليلة المشؤومة، وسط لا مبالاة غير عادية من الطبيب والممرضات...يقول ذلك الرجل وهو منهار عصبيا: "أنتم لا تعرفون سوى استخلاص النقود، ولا تسدون أي خدمات". رجال أمن خاص "مقرقبين"، طبيب "سكران"، ممرضات مشغولات ب"فايسبوك" و"واتساب"، وموظف مكلف باستخلاص الرسوم، لا أجد له أي تصنيف ضمن الجنس البشري؛ إنسان فظ غليظ القلب قاسٍ، قليل الاحترام منعدم التربية، يشتم المواطنين والمواطنات بأقبح الصفات وأحطّ النّعوت. أعرف أن ما أكتبه بديهي ومعروف لدى العديد منكم، ولكن السؤال هو: ونحن على أعتاب سنة 2019 يا عباد الرحمان، إلى متى تستمر معاملة المواطن المغربي في بلده كالحشرة، بلا قيمة بلا اعتبار؟ إلى متى تستمر وزارة الصحة في صمت القبور؟ أين المراقبة؟ أين العقاب للمخالفين؟ هل مطلوب من المغربي أن يدفع الضرائب دون أن يحصل على خدمات جيدة وباحترام لآدميته وكرامته؟. إن ما عاينته بأم عيني من استهتار بالمغاربة واحتقار لهم لا يمكن بحال من الأحوال قبوله ولا السكوت عنه؛ فالمغاربة شعب كريم له كرامة وليس قطيعاً من الدجاج والنعاج. في الحقيقة أخاطب السيد وزير الصحة: إن كنت لا تعلم بما يقع في مستشفيات المغرب فتلك مصيبة، وإن كنت تعلم ولا تتصرف فالمصيبة أعظم. ما معنى يا سيدي الوزير أن تكون سيارة الإسعاف في المستشفى وعندما يطلبها الناس لحالة مستعجلة يأتي السائق بتعليمات مجهولة ويخرجها من المستشفى فارغة؟ ويطلبون من أناس فقراء أن يستقلوا سيارة إسعاف بالأجرة بمبلغ 500 درهم وهم لا يملكون ثمن عشائهم؟ ما معنى أن يكون من يسمى "الماجور" غير موجود؟ ما معنى أن الطبيب المداوم سكران؟ ما معنى أن رجال الأمن الخاص "مقرقبين"؟ ما معنى أن الموظف الذي يستخلص الرسوم يشتم النساء والعجائز بأمهاتهن وبأعراضهن؟ ما معنى أن يعامل المغربي في بلده وفي العاصمة الاقتصادية معاملة مهينة؟ ما معنى أن يحمل مريض يعاني الأمرّين ب"هوندا" وكأنه بطاطس أو بطيخ "خامج" وسيارة الإسعاف موجودة؟. سيدي الوزير، أخاطبك كمثقف، إن الوضع مزر، وهذه صرخة لاستنهاض همم ذوي المروءة. المغربي مواطن وليس قردا..أرجو منك محاسبة أشباه الأطباء وأشباه الممرضين وأشباه الموظفين الذين انتفت من قلوبهم الرحمة في مستشفى سيدي عثمان وفي كافة مستشفيات المملكة؛ فلا يعقل أن ملك البلاد يبني وأنتم تهدمون. *باحث متخصص في القانون والإعلام