رأى ما يرى الشعراء وعاد إلى ساحة الحرب منفردًا. (محمد بنطلحة) شكّل الجسد دائما كتلة تعبيرية فطرية هائلة، بلورت إبداعية الكون وجنون عناصره الحية، وتفاعلت مع الوجود وحاورته بكثير من التحرّر والتحفظ. كما كان الجسد الموضوعة الأكثر هيمنة على المشهد الفني - رقصا ووشما وشعرا ورواية وسنيما وتشكيلا...، تعبيرا عن الافتتان الفطري للذات بهذه الأيقونة المفرطة في الإحساس والقابلة دوما للانصهار مع مرجعيات ثقافية كثيفة وغزيرة الدلالات، وتجميعا لكثافة الكون وأبعاده المرئية؛ حيث الماء والتراب والهواء والنار تتدافع تأسيسا لحدس يُرى به العالم. يشغل الجسد في تجربة عبد الكريم الأزهر كل مساحات الرؤيا وكل مسافات التجربة ، يحتك بألوانه.. بظلاله.. بالتماعات الضوء، وينبثق في فضاءات تتسع حينا وتضيق أحيانا أخرى لتنظر في الوجه العزيز. يحضر الجسد فردا ومتعددا.. واضحا وانمحائيا.. وحيدا وأنيسا...، بعيدا عن جاذبيته الإيروتيكية قريبا من عمقه الروحي. مكتفيا بنصفه العلوي، مستغنيا عن جوارحه وكماله، مكتفيا بشموخ الأعناق وعطش العيون. اللوحة عند الأزهر مفتوحة على آفاق رحبة تسمح للّون بمداعبة الوجدان وإيقاظ جذوة الحياة وعدوى الأسئلة. تأخذ بُعدا جماليا مشروطا -يُقيّد الطاقة التأويلية للمتلقي- كلما وظّف الفنان الأبعاد الرمزية المجثة من وثا ئق رسمية ك (عقود الازدياد، نسخ البطائق الوطنية...) أو كراسات ومسودات تعليمية، أو مشيرات زمنية، أو رموز رقمية...، وتأخذ بُعدا جماليا مُضاعفا كلّما وضعنا الفنان أمام الوجوه Face/Face للسّفر معها حيث تنتفي الأزمنة والأمكنة وتزهر الأجوبة، وتواصل الأعناق امتدادها تمردا على الذات وتمجيدا لصوت الحياة. هي ثمالة الأزهر الإنسان وهو منغمس يبحث في عوالمه ورؤاه العابرة للأبعاد المرئية للوجود. ورؤية الأزهر الفنان وهو يتجاوز بلغته التشكيلية ميتافيزيقا الجسد ليؤسس لكينونة جديدة في بوثقة الأسئلة الوجودية الأكثر تأويلا للعالم.