عبد الحميد جماهري: موسيقية «حبرمائيات» المبهرة لا يمكن أن يزورها الشعر بدون بدون امتنان بعد معرضه الأخير الذي خصصه لبورتريهات الكتاب والمثقفين المغاربة والعرب، يعود الفنان التشكيلي عبد الله بلعباس لإغناء الحقل التشكيلي المغربي بتجربة جديدة موسومة ب «حبرمائيات». معرض «حبرمائيات»، الذي كتب مقدمة كاتالوغه الشاعر حميد جماهري، يحتضن افتتاحه رواق الشعيبة طلال بالقلعة البرتغالية بالجديدة في الساعة السادسة من مساء الجمعة 8 شتنبر الجاري، ويستمر إلى يوم 15 من نفس الشهر. ننشر أسفله قراءة الزميل عبد الحميد جماهري في المعرض والتجربة. «تطرح تجربة «حبرمائيات أي حبر وماء « سؤالا محايثا لتقنية الإبداع الجديد عند عبد الله بلعباس: كيف نجمع جسدا متشظيا بين الحبر والماء، ونقتفي أثره؟ و في الوقت الذي يكون أمين السر المفضل عند الجسد هو الماء.. كيف سيقبل بجوار الحبر، موزعا في أشكال بحرية- أليس الحبر في النهابة هو جناس بحري؟ جسد محارة جسد زبد جسد موجة جسد مصب..؟ جسد غبش جسد خطوط.. تجبرك تجربة عبد الله بلعباس الجديدة ، التي وضع لها عنوانا هذا الاشتقاق الجميل الذي يضيء التصور الكامن فيها،»حبرمائيات»، على البحث عن خيال يسعف في البحث عن التمائي، من الماء، بالحبر، أي «التمائي» الحي بين الجسد والحبر.. شاعرية الحبر لا تكشف عن نفسها، هنا إلا بجوار الماء... ولا تستقيم أيضا بدون جسد شفيف، لكنه غبشي في نفس الوقت، تتشكل ملامحه من ظلال في موج البحر الأبيض متوزعة بين الماء والحبر، ثنائية تتراكب، كمرايا الماء نفسه ... صاحَبَ عبد الله بلعباس الجسد، بكثافته الإيروسية والرمزية معا، منذ ثلاث عقود، وإذا كان الجسد مكتفيا بذاته، في تجاربه الأولى فإنه يفسح المجال، رويدا رويدا للعالم من خلال الحبر والماء.. عادة، في العالم الموزع بين الأبيض والأسود تولد مانوية الخير والشر، لكن عندما يعوضها الفنان بمانوية جديدة، المائي والحبري، فإنه يهرب من هذه الثنائية ، ويصنع ميتافيزيا جديدة للجسد.. أليست الميتافيزيقا صناعة الماء، في كل الكتب السماوية أليست هي أيضا صناعة الحبر في كل المعتقدات؟ هاهو صلب التجربة: الانتقال بالجسد من مادية مفرطة في النثرية إلى ميتافيزيقا مفرعة في الخفة الشاعرية.. هناك سعي واضح إلى جعل الجسد حركة، نعم، تحويل الجسد إلى حركة جسدية تبدأ من يد الفنان نفسه، أي تحويل الجسد إلى أثره، بخفة الماء والحبر معا... كما لو أن الجسد يخرج من الضباب، مثل فجر في غابة استوائية، فتتمايز الأشكال، شيئا فشيئا يضيئها الماء تارة والحبر تارة أخرى.. ويتساءل الشاعر أمام شاعرية ما يراه: ما أراه جسدا، أ هو لون أم مادة؟ وفي الفارق البسيط بينهما، طالما اللوحة عميقة بخفتها، يقيم الشعور الغامض بأن هوية العالم تجريدية، تتحدد ملامحها في خطوط التشكيل، في التلاقي بين الماء والقماش، كما الماء والحبر،... إن الجسد، كحامل فني يمثل زهرة اللوتس وسط بركة ماء وحبر، كما يمثل الخلاصة الوحيدة للحياة في عالم مقيم بين ضفتي حياة ولدت من الماء واستمرت بالحبر.. كما يمثل الدليل الأول على موسيقية الحركة التشكيلية في تجربة مبهرة لعبد الله بلعباس، لا يمكن أن يزورها الشعر بدون امتنان...»