أفرج المجلس الأعلى للحسابات عن تقرير رسمي بخصوص تقييم المخطط الاستعجالي لوزارة التربية الوطنية، الممتد في الفترة 2009-2012، ليعيد إلى الواجهة موضوع إحالة التقارير التي تُصدرها هذه المؤسسة الدستورية على القضاء، بحيث طالبت مجموعة من الفعاليات السياسية والحقوقية بمتابعة المسؤولين عن الاختلالات التي طبعت البرنامج. محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، قال إن "تقرير المجلس الأعلى للحسابات كشف عن وجود اختلالات مالية فظيعة اعترت البرنامج، لذلك سُمِّي استعجاليا لأنه جاء لإصلاح التعليم وإنقاذ المدرسة العمومية، وهي الأزمة التي ما زالت مطروحة إلى حدود اليوم، حيث رُصد له غلاف مالي قدره 43 مليار درهم، وقد ثبت التلاعب في جزء منها، من خلال الفواتير المزوَّرة واقتناء تجهيزات من الأسواق العادية على أساس أنها جديدة، فضلا عن الجانب المتعلق بالمطاعم المدرسية وغيرها". وأضاف الغلوسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الجمعية سبق أن تقدمت بشكاية إلى وزير العدل في الموضوع منذ أربع سنوات، ليُحيلها على الوكيل العام للملك في محكمة الاستئناف بالرباط، الذي أحالها بدوره على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي استمعت إلى عدد مهم من المسؤولين بالأكاديميات والنيابات والوزارة، بعدما اطلعت على الصفقات المُنجزة في الموضوع والتسجيلات الصوتية المسربة؛ لكن لم تظهر نتائج البحث إلى حدود الساعة، حيث سبق أن راسلنا النيابة بخصوص هذه القضية التي عمَّرت طويلا في البحث". وأوضح الناشط الحقوقي أن "الفرقة الوطنية أنهت أبحاثها منذ ما يفوق ستة أشهر، وقد أرجعت الملف إلى الوكيل العام للملك في محكمة الاستئناف بالرباط، باعتباره ملفا ضخما وثقيلا جدا؛ لأنه يتضمن تلاعبات واضحة وتهم خطيرة، بحيث نعبر عن انشغالنا من إفلات المسؤولين الكبار من المحاسبة، وألا يتم الاقتصار على بعض الموظفين والمقاولين الصغار كما جرت العادة". من جهته، أفاد مصطفى الشنَّاوي، النائب البرلماني عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، بأن التقرير الرسمي نشر فقط "التجاوزات" التي سُجّلت منذ البداية بالتفاصيل، مبررا ذلك بكون "البرنامج الاستعجالي لوزارة التربية الوطنية تضمَّن مسائل خطيرة وتبذيرا للمال العام للأسف، فإذا سعى البرنامج آنذاك إلى إصلاح منظومة التعليم، فإن ما تم القيام به كان بعيدا كل البعد عن هذا الهدف، بل بالعكس استعملت الأرصدة المالية لقضاء حوائج أخرى". وأبرز الشناوي، في تصريح لهسبريس، أن "التقرير تطرق كذلك إلى المسألة التعليمية بصفة عامة، حيث عبَّر عن موقف المجلس من التعاقد بوصفه عملية غير سليمة؛ لأنه لا يمكن الحديث عن التعليم الذي وصل إلى مرحلة خطيرة من الضعف، وتقوم الحكومة بتوظيف أساتذة سيتكلفون بمهمة تدريس أبناء المغاربة بدون تكوين، أو مجرد تكوين بسيط دام بضعة أسابيع فقط، وهي مسألة لا توجد بأي بلد". وشدد النائب البرلماني عن مقاطعة أنفا بالدار البيضاء على أن "توظيف خمسين ألف أستاذ متعاقد غير مقبولة سياسيا، وهي تعكس الترقيع الذي تستمر الحكومة في نهجه، مثل البرنامج الاستعجالي الذي جسَّد ضياع المال العام والمجهودات والوقت بدون تغيير الوضع، إلى جانب المناهج الدراسية التي سجلت تراجعا ملحوظا، إذ عوض تعليم الأطفال القيم النبيلة والاستفادة من التراكمات الإيجابية والرافد الثقافي، نلمس تراجعا إلى الوراء في مضمون الكتب المدرسية التي لا تساير سنة 2018". جدير بالذكر أن التقرير، الذي أنجزه المجلس الأعلى للحسابات، قد خلُص إلى أن "المخطط الاستعجالي لم يحقق جميع أهدافه، ولم يكن له التأثير الإيجابي المتوقع على منظومة التربية الوطنية، على اعتبار أن الوزارة المعنية لم تعتمد بشكل كاف بعض المرتكزات اللازمة لإنجاح أي سياسة عمومية، عند مراحل التخطيط والبرمجة والتنفيذ والحكامة".