صادقت قرابة 164 دولة عبر العالم، أمس الاثنين بمدينة مراكش، على الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، في مؤتمر رعته الأممالمتحدة واستضافته المملكة المغربية وعرف حضور عدد من زعماء دول ورؤساء حكومات من القارات الخمس. ويأتي هذا الاتفاق العالمي ليملأ فراغاً في مجال الهجرة على المستوى الدولي، في الوقت الذي باتت فيه هذه الظاهرة على طاولة النقاشات الدولية في كل مرة بما أنها لا تتوقف؛ بل تمضي الأيام وتتعدد مظاهرها، سواء من الجنوب إلى الجنوب أو من الجنوب إلى الشمال. وجاء في ديباجة الورقة الأممية أن هذا الاتفاق العالمي يُعبر "عن التزام جماعي من أجل تحسين التعاون في مجال الهجرة الدولية"، ويؤكد أنها "جزء من التجربة الإنسانية عبر التاريخ"، وبكونها "مصدر للازدهار والابتكار والتنمية المستدامة". ومن أجل تحقيق هجرة آمنة ومنظمة ونظامية، يتضمن هذا الاتفاق، الذي نشرته الأممالمتحدة عقب المصادقة عليه اليوم بمدينة مراكش، 23 هدفاً؛ أولها وضع قاعدة الأدلة العالمية للهجرة الدولية واستخدام بيانات دقيقة ومصنفة كأساس للسياسات القائمة على الأدلة، إضافة إلى "تقليص الدوافع والعوامل الهيكلية السلبية التي تضطر الناس إلى مغادرة بلدهم الأصلي". كما يتضمن الاتفاق هدف "تقديم معلومات دقيقة في جميع مراحل الهجرة" عبر إطلاق موقع شبكي وطني مركزي في بلد لتوفير المعلومات عن خيارات الهجرة النظامية المتاحة، ورابعاً ضمان حيازة جميع المهاجرين ما يثبت هويتهم القانونية والكافية، إلى جانب "تعزيز توافر ومرونة وسائل الهجرة النظامية" من خلال إعداد اتفاقات تنقل اليد العالمة الثنائية والإقليمية والعالمية بشروط معيارية للتشغيل، وسادساً تيسير التوظيف المنصف والأخلاقي وضمان الظروف التي تكفل العمل اللائق بالتوقيع والتصديق على الصكوك الدولية المتصلة بهجرة العمال الدولية وحقوق العمال والعمل اللائق والعمل القسري والانضمام إليها وتنفيذها. الهدف السابع يتحدث عن معالجة أوجه الضعف في الهجرة والحد منها، بتقديم الدعم اللازم للمهاجرين في جميع مراحل الهجرة، خصوصاً النساء المعرضات للخطر والأطفال. ويكمن الهدف الثامن في "إنقاذ الأرواح وتنسيق الجهود الدولية بشأن البحث المهاجرين المفقودين"، ناهيك عن تعزيز التدابير عبر الوطنية لمكافحة تهريب المهاجرين بالتصديق على بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو وتبادل المعلومات الاستخباراتية ذات الصلة إقليمياً ووطنياً. ويشير الهدف العاشر للاتفاق إلى "منع الاتجار في البشر ومكافحته والقضاء عليه في سياق الهجرة الدولي"، إضافة إلى إدارة الحدود بطريقة متكاملة وآمنة ومنسقة وتعزيز التعاون الدولي والإقليمي في هذا المجال، وتعزيز الشفافية حول إجراءات الهجرة عن طريق إعلان شروط الدخول أو القبول أو الإقامة أو العمل أو الدراسة واعتماد التكنولوجيا لتبسيط إجراءات تقديم الطلبات. ومن أبرز الأهداف التي وضعها اتفاق مراكش "عدم اللجوء إلى احتجاز المهاجرين إلا كملاذ أخير والعمل على إيجاد بدائل"، و"تعزيز الحماية والمساعدة على التعاون القنصلي على امتداد دورة الهجرة"، بالإضافة إلى "تيسير حصول المهاجرين على الخدمات الأساسية بسن قوانين تكفل ألا يشوب تقديم الخدمات تمييزاً ضدهم المهاجرين، وهذه النقط الأخيرة هي التي أثارت حفيظة عدد من الدول ورفضت على إثرها التوقيع على الاتفاق. كما يدعو الاتفاق إلى "تمكين المهاجرين والمجتمعات من تحقيق الاندماج والتماسك الاجتماعي الكاملين"، و"القضاء على جميع أشكال التمييز وتعزيز الخطاب العام المستند إلى الأدلة من أجل التأثير على تصورات العامة عن الهجرة". الاتفاق ينشد أيضاً من الدول أن تتجه إلى "الاستثمار في تنمية المهارات وتيسير الاعتراف المتبادل بالمهارات والمؤهلات والكفاءات، و"خلق ظروف تساعد المهاجرين والمغتربين على المساهمة الكاملة في التنمية المستدامة في جميع البلدان". وفي الشق المادي للمهاجرين، يتحدث اتفاق مراكش على "تشجيع إرسال التحويلات المالية بوسائل أسرع وأكثر أماناً وأقل كلفة وتيسير الاندماج المالي للمهاجرين"، ويعني هذا الاتفاق وضع خارطة طريق لخفض تكاليف تحويلات المهاجرين إلى أقل من 3 في المائة وإلغاء قنوات التحويل التي تفوق تكاليفها عن 5 في المائة في عام 2030، ناهيك عن التعاون على تيسير عودة المهاجرين والسماح لهم بإعادة دخولهم بصورة آمنة تصون كرامتهم وإعادة إدماجهم إدماجاً مستداماً. أما الهدفان الأخيران للاتفاق، فيشيران إلى إحداث آليات من أجل تحويل استحقاقات الضمان الاجتماعي والاستحقاقات المكتسبة لمساعدة العمال المهاجرين على الاستفادة من نقل امتيازاتهم في الضمان الاجتماعي من بلدانهم الأصلية إلى بلدان أخرى حيث يعملون، وتعزيز التعاون الدولي والشراكات العالمية تحقيقاً للهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، أحدثت آلية لبناء القدرات تابعة للأمم المتحدة هدفها تقديم المساهمة بالموارد التقنية والمالية والبشرية على أساس طوعي من أجل تعزيز القدرات وتحسين التعاون المتعدد بين الشركاء والدول المصادقة على الاتفاق. وتتضمن هذه الآلية مركز تواصل وصندوقا لتوفير التمويل ومنصة عالمية على الأنترنيت، ومن المقرر أن يعقد منتدى استعراض الهجرة الدولي كل أربع سنوات ابتداءً من عام 2022 من أجل مناقشة التقدم المحرز في تنفيذ جوانب الاتفاق العالمي للهجرة.