انطلقت، اليوم الأربعاء بمدينة أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة، فعاليات الملتقى الخامس لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المُسلمة، بمشاركة حوالي 800 شخصية من العلماء والمفكرين والباحثين والإعلاميين من العالم يُمثلون الديانات الإبراهيمية، لبحث فرص السلم العالمي باستلهام حلف الفضول؛ وهو أحد الأحلاف التي شهدتها قريش في فترة الجاهلية. ويناقش المنتدى هذه السنة، تحت شعار "حلف الفضول فرصة للسلم العالمي"، خمسة محاور أساسية؛ وهي: "حلف الفضول في الإسلام.. رؤية راهنة"، و"المواثيق والعهود في الإسلام.. رهانات التضامن والعيش المشترك"، و"الأديان والأزمات الإنسانية الراهنة"، و"الدين وأخلاقيات التضامن الكوني"، و"نحو حلف فضول جديد للسلم العالمي". وخلال هذه الجلسة التي حضرها رئيس المنتدى الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، ألقى عدد من المفكرين العرب والأجانب كلمات تطرقوا فيها لأهمية الوصول إلى حلف فضول جديد في العالم من أجل إحلال السلام بين مختلف دول ومجتمعات باستلهام القيم الإنسانية والأهداف النبيلة التي انبنى عليها حلف الفضول قبل مرحلة الإسلام. وحلف الفضول عُقد في قريش وبالضبط في دار عبد الله بن جدعان بين عامي 590-595 ميلادية، وكان حدثا مهما في مدينة مكة، والذي يُعد معاهدة لنبذ العنف والظلم وتحقيق المساواة، وجاء لينهي مرحلة حرب بين القبائل. وقال روفين فايرستون، وهو أستاذ متخصص في اليهودية في العصور الوسطى والإسلام بكلية الاتحاد العربية بأمريكا، في كلمة ألقاها في الجلسة العامة الأولى للمنتدى، إن حلف الفضول الذي وقع في الجاهلية بين عدد من القبائل في قريش سبقته مرحلة كانت المنطقة تحكمها العصبية القبلية والظلم والجور. وأضاف فايرستون أن مرحلة الجاهلية كان فيها الولاء للقبيلة يُغطي على كل شيء ويجور حتى على القيم الأخلاقية، وزاد قائلاً: «في تلك الفترة التاريخية، حدث حلف الفضول، وهدفه كان إنشاء نظام عدل يحمي الأمن المشترك، ولمنع العصبية القبلية أن تجور على العدل وانتشاره". وأشار فايرستون إلى أن هذا الاتفاق كان ينبني على تجاوز القبيلة والعصبية، مؤكدا أن «هذه الفكرة مركزية في الإسلام لأنه يتحدث عن الأمة كمجتمع كبير يتعدى العرقيات والقوميات ويتعدى الاختلافات الطبقية والاجتماعية والاقتصادية". وشدد الأستاذ الجامعي على أن «حلف الفضول ليس إسلامي بل هدفه حماية الحقوق الإنسانية لكي يعيش الجميع في عدل»، معتبراً أنه اتجاه جديد وفريد أن تتم الدعوة إلى حلف فضول جديد في هذا العصر، وقال إنه «سيكون بمثابة اتفاق مهم وبرمزية كبيرة، ويجب تحقيقه كمبدأ للتقارب مع الآخرين، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين". أما حمزة يوسف، نائب رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة ورئيس كلية الزيتونة في الولاياتالمتحدة الأميركية، فقد أورد أن «حلف الفضول ليس غريباً عن الموروثات الدينية ولديه قواسم مشتركة مع سيرة رسول الله، وذلك جلي مثلاً من خلال اتخاذه لدليل مُشرك خلال هجرته من مكة إلى المدينة، وهذا مثال على أن الخير ليس من المفروض أن يوجد بن من يؤمن فقط بديني بل هناك خير لدى الآخرين". وشدد يوسف على أن «حلف الفضول، على الرغم من أنه جرى في عصر الجاهلية، فهو مهم بالنسبة لنا؛ فالرسول محمد عليه الصلاة والسلام قال إن هذا الحلف لو وُجد في الإسلام لاشترك فيه، وهذه رسالة مهمة لكي نتجاوب مع أي دعوة للحلف سواء من المسلمين أو غير المسلمين". من جهته، قال رضوان السيد، عُضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة ومفكر وأستاذ في الجامعة اللبنانية، في كلمة ألقاها في المنتدى، إن «فشل التجديد الديني وظهور الحركات الأصولية وبالنظر إلى الفشل الكبير في تجربة الدولة الوطنية العربية صار المسلمون مُشكلة في العالم". وأضاف المفكر اللبناني المعروف قائلاً: «لذلك واستناداً لاستلهام العلامة الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه لتجربة حلف الفضول في إنشاء مجتمع الخير وتجربة المدينة لدولة الحق والعدل والمواطنة أقترح سردية جديدة في الدين". وتقوم هذه السردية الجديدة، حسب السيد، على اعتبار مناط العلاقة بالله بالبشر هي الرحمة، ومناط العلاقة بين البشر بعضهم هي التعارف، وقال إن إحقاق هذه المعاني في هذا العصر فيما بين المسلمين والعالم من خلال مقاصد الشريعة سينجح في استعادة السكينة في الدين، وبالتالي سنسهم إسهاماً مباشراً في إحلال السلام في العالم وتقدمه". وحول هذا المنتدى، قالت دبورة فايكس، مديرة المعهد الدولي للأديان والدبلوماسية بالولاياتالمتحدةالأمريكية، في حديث لهسبريس، إن «عصرنا الحالي في حاجة إلى حلف فضول، وهذا الحلف يوجد في قلبي، وما هو مشجع أن يستضيف زعماء مسلمون ودول إسلامية مثل هذه التجمعات". جدير بالذكر أن المنتدى، الذي يستمر إلى غاية الجمعة، يشهد مناقشة حوالي سبعين ورقة بحثية تستلهم تجربة حلف الفضول والذي عُقد في فترة الجاهلية لنصرة المظلوم وردع الظالم، من أجل استلهام قيم هذا الحلف لتشكيل حلف فضول جديد يجمع العقلاء والحكماء من مختلف المشارب الفكرية والعقدية للدفاع عن القيم الإنسانية والسلم في العالم في مواجهة الإرهاب العابر للقارات. كما يسعى الملتقى إلى إحداث نقلة نوعية في مسار الشراكة والتعاون بين الأديان السماوية، من أجل ترسيخ قيم التعايش والتعارف والتضامن والمحبة، التي تشكل أقوى ضمانة لاستتباب السلم في العالم. كما يتطلع أيضاً إلى أن يكون حلف الفضول الجديد إطاراً يستوعب كل العاملين والساعين إلى وقف السيرورات المدمرة لكوكب الأرض.