قدّم طه عدنان، الكاتب والشاعر المغربي المقيم ببروكسيل، مساء الخميس، بمسرح (لابالسامين) بالعاصمة البلجيكية، آخر إنتاجاته المسرحية "دنيا"، وهي مونودراما مؤثرة تحكي قصة شابة تبحث عن ذاتها لتتخلص من ماضيها المثقل بالأحزان. ويعطي طه عدنان، في هذه المسرحية، التي تتكون من 18 مشهدا، الفرصة لبطلتها "دنيا" للتعامل بصراحة وعفوية لتجاوز ثقل الماضي المليء بالخوف والتجارب الصعبة. ومن ثم، يمكن القول إن طه عدنان يكتشف مع "دنيا" تعابير الروح البشرية الملتوية، المعقدة والجذابة في آن واحد. تشعر دنيا دائما بأنها "غير محبوبة"، وهي ابنة مهاجر مغربي مقيم ببروكسيل، وهي الأصغر من بين أخواتها السبع، ازدادت من حمل غير مرغوب فيه. وقد زاد من عزلتها صراعها الثقافي و"الجيلي"، وغياب الحوار مع أبويها. تقول دنيا في مقطع من هذه المونودراما: "الإحساس بالوحدة وسط أسرة كبيرة، مزحة لا طعم لها.. الشعور بأن لا أحد يفهمك، بمن فيهم المرأة التي أنجبتك، شعور أقرب إلى الدمار". هذه الطفولة الصعبة المجردة من العاطفة جعلت من دنيا امرأة ثائرة تعمل جاهدة على طرد هواجسها والتحرر منها، من أجل تحقيق ذاتها وعيش حياة سعيدة. وأوضح طه عدنان، "أن دنيا تشعر دائما، ومن خلال هذه المناجاة الفردية، بأنها مبعدة من قبل أسرتها، وتحكي بحثها المتواصل لتأكيد ذاتها باعتبارها شابة قوية الشخصية". وأضاف الكاتب والشاعر المغربي المقيم ببروكسيل أن هذه الحكاية تثير مجموعة من التساؤلات حول معاناة هذه الشخصية التي تحاول إخراج رأسها من الماء ومواجهة صخب الحياة. ويشير الكاتب إلى أن قضايا الهوية حاضرة أيضا في هذه المسرحية، من خلال حالة التمزق التي تعيشها دنيا التي لم تشعر أبدا بأنها جزء من أسرتها أو المجتمع الذي تنتمي إليه. وبخصوص اختيار شخصية نسائية لهذه المسرحية الجديدة، أكد طه عدنان أن "الإبداع يقوم على التجربة، سواء على مستوى المضمون أو الشكل"، مشيرا إلى أن هذا العمل الجديد شكل بالنسبة إليه "رهانا صعبا يتطلب كثيرا من التعاطف خلال الكتابة". وخلال تقديم "دنيا" أمام جمهور بروكسيل، تلت الممثلة البلجيكية من أصل مغربي ياسمينة العسل مقاطع من هذه المسرحية التي تنسج روابط بين ماض مؤلم وحاضر معقد. وعلى الرغم من جدية الموضوع الذي تناولته هذه المسرحية، فإن طه عدنان قد أثرى مقاطعها بلمسة من الفكاهة "المنعشة"، حيث تنقل بسهولة بين لحظات مؤثرة وأخرى مضحكة. وقدمت "دنيا" في إطار مهرجان "مسرح" المنظم من 28 إلى 29 نونبر ببروكسيل بمبادرة من جمعية التعاون الفني، و"لاشارج دو رينوسيرو"، ومركز الرحل للفنون "موسم" ومسرح "لابالسامين" بدعم من والوني بروكسيل الدولية التي تحتفي هذه السنة بالسنة الثقافية "المغرب 2018"، ويشكل هذا المهرجان فضاء لتشجيع التبادل البناء حول الفن السادس بين فنانين بلجيكيين ومغاربة. يذكر أن الكاتب والشاعر المغربي طه عدنان يقيم ببروكسيل منذ 20 سنة. وقد سبق أن كتب مسرحية "باي باي جيلو"، التي تتناول فيها قضية الهجرة. وقد عرضت هذه المسرحية في عدد من البلدان الأوروبية والعربية، وحازت على العديد من الجوائز.