سهام توفيقي من روما: بعد انطلاق عروضها الأولى قبل ثلاث سنوات في مدينة جنوة بإيطاليا تواصل “لاكومبانيا إيطاليانا دي بروزا” عرض مسرحية “باي باي جيلو” للكاتب المغربي طه عدنان على خشبة مسرح “تور بيلا موناكا” في العاصمة روما لتقارب قضية الهجرة السرية في قالب فني طريف و مؤثر. و بحس إبداعي متميز نقلت “باي باي جيلو”، وهي مسرحية مونودرامية من تسع لوحات تروي حكاية الجيلالي الملقب بجيلو، الجمهور الإيطالي مساء أمس الثلاثاء ، إلى خيبات مهاجر سري و أحلامه و أوهامه ليغوص المتفرج بعمق في صراعاته الداخلية اليومية و يتفاعل مع إحدى محطات حياته الأكثر مأساوية وهي الترحيل. و تبدأ المسرحية، التي أخرجتها الإيطالية إيلينا سيري، بمشهد ترحيل جيلو، وهو شاب مغربي قدم إلى بلجيكا و أقام فيها بطريقة غير شرعية قبل أن يجد نفسه مرميا في طائرة، تحت حراسة شرطيين، وهو المشهد الذي تنتهي به المسرحية أيضا. و ما بين المشهدين، الأول و الأخير، تتوالى لوحات المسرحية وتتنامى أحداثها الدرامية بكثير من التشويق كاشفة عن العديد من مستويات الصراع التي يعيشها جيلو، الذي تقمص دوره الممثل الإيطالي سيموني جيسينتي. صراع داخلي مع ذاته، بدءا باسمه العتيق “الجيلالي” الذي اضطر إلى استبداله باسم جيلو وانتهاء بسحنته التي تفضحه وت صي ره كائنا غير مرغوب فيه. صراع خارجي بدأ مع والده ذي الصفعات السديدة، ثم مع والدته التي تخف فت منه بعد وفاة أبيه لتعهد به إلى عمه المهاجر ببروكسل لكي ي سف ره معه بطريقة غير شرعية. صراع آخر سيتأجج ببروكسل مع عمه وزوجة و ابن ي عمه قبل أن يهرب منهم ليعيش حياة التسكع والشقاوة (حياة لم ت ث نه عن خوض قصة غرام مع الفلمندية إليزبيت التي تنكرت بدورها لحبه) و المشاكل مع الشرطة التي كانت ” تتعقب سرقاته الصغيرة وأيضا وجوده الزائد”. و قال طه عدنان كاتب المسرحية، يبدو أن كل الطرق تؤدي إلى روما. لكن طريق جيلو لها “طعم الملهاة”. فهذا المهاجر السري الذي تم ترحيله من بروكسل بطريقة مأساوية، لم يتوقف عن الترحال، بل أصبح يجوب العالم دونما حاجة إلى جواز سفر أو تأشيرات مرور، ويتنقل بين المسارح و اللغات في ” استخفاف كامل بقوانين الهجرة الصارمة التي تفرضها دول الشمال على مواطني الجنوب”. و لتوضيح ظروف ميلاد هذا العمل الإبداعي، صرح الكاتب المغربي لوكالة المغرب العربي للأنباء بالقول، “شيء ما جعلني أرتاح إلى قدر هذا الصعلوك النبيل” ،الذي بزغ إلى الوجود في خريف 2010. وتابع “كنت أشتغل على مسودة عمل روائي قبل أن أصادف هذا الشخص الثرثار الذي يحتكر الكلام بطريقة سافرة. كان علي أن أعطيه فرصة البوح و انتزاع الكلمة قصد الإعلان الحاسم عن الذات و الوجود، مهما كان هذا الوجود ناقصا و محفوفا بالمخاطر، مضيفا أن البوح هو وسيلة هذا الشخص غير المرغوب فيه لمواجهة العزلة ومجابهة العالم.” وبالنسبة لطه عدنان فالكتابة بهذا المعنى، هي تعبير عن “التضامن القائم على المعرفة بشخصية الفرد… بمكامن الضعف والقوة، الجنون والكبرياء”. فمسرحية “باي باي جيلو” صرخة ضد الإقصاء. بوح من أجل إثبات ذات مهمشة و وجود ناقص. كل ذلك في إطار حبكة درامية مشوقة تتيح السفر السلس بين موضوعات النص الراهنة و فعل درامي تتناسل منه أحداث و ذكريات و قصص ومغامرات مليئة بالمفاجآت في مونولوج طريف ومؤثر. و في تصريح خصت به المخرجة الإيطالية إيلينا سيري وكالة المغرب العربي للأنباء، قالت بأن “الجمالية الدرامية التي كتب بها طه عدنان النص، ليعطي لجيلو صوتا، سهلت علينا مهمة إعطائه وجها وملامح وحركة على الخشبة ، بأسلوب حاولت من خلاله إعادة خلق الواقع بطريقة فنية معاصرة من أجل إنتاج جماليات مسرحية جديدة تسائل العديد من القناعات”. و تابعت “تسائل قناعات تتعلق بقضايا الهجرة الشائكة ، بطريقة إنسانية و فنية تنفذ إلى وجدان الجمهور الإيطالي وتجعله يتفاعل مع شخصية جيلو الذي لم يفقد خفة دمه حتى و هو يعيش أقصى حالات النبذ و العزلة”. هذا النص الإبداعي العميق المتسم بجدية ممزوجة بغير قليل من السخرية، سبق أن فاز بجائزة المسابقة الدولية لنصوص المونودراما بالفجيرة عام 2011. و سنة بعد ذلك، تم اختياره من طرف لجنة مشك لة على هامش مهرجان أفنيون الفرنسي ضمن مشروع النص المسرحي العربي المعاصر، و هو مشروع أوروبي يشجع الدراما المعاصرة في العالم العربي ويدعم إخراج و إنتاج المسرحيات العربية في حوض البحر الأبيض المتوسط و أوروبا. وقد تم إنتاجه من طرف مسرح الحارة الفلسطيني من إخراج بشار مرقص وبدعم من مؤسسة (لافريش بل دو مي) الفرنسية في إطار مارسيليا عاصمة للثقافة الأوروبية عام 2013. كما تم إنتاج النص في صيغته العربية دائما في مراكش، من إخراج الدكتور إبراهيم الهنائي وتشخيص الفنان جمال كنو، وفي باريس من طرف فرقة بذور الشمس من إخراج وأداء الفنان المغربي عبد الجبار خمران. و سبق ايضا عرض المسرحية باللغة الهولندية من طرف مسرح مالين ببلجيكا و من إخراج ميخاييل دو كوك و إنتاج مشترك مع المركز المتنقل للفنون موسم ببروكسل.