بعد أن حط احتجاج التلاميذ على الترسيم الفجائي للتوقيت الصيفي رحاله ارتأيت من خلال هذه المقالة أن أرجع إلى النقاش الذي رافق هذا الحراك التلاميذي، والذي يمكن اختزاله في توجهين؛ توجه شعبي ثمن هذا الحراك ودعمه، معتبرا إياه صحوة ل"جيل 2000" الذي وضع فيه آماله وحمّله مشعل النضال من أجل التغيير، وتوجه "رسمي" سعى إلى انتقاد هذا التحرك وتبخيسه، بل وشيطنته؛ وعلى رأسه "الحكومة-الداخلية" التي أشارت إلى وقوف الجهات التي لا تسميها دائما خلفه، وكأنه مؤامرة من المؤامرات المعلومة. وما يهمني هنا هو تسليط المجهر على التسييس الذي عرفه مفهوم "صراع الأجيال" لخدمة هدف سياسي عام، هو المحافظة على "الاستقرار" ودرء كل المخاطر التي يمكن أن يجلبها كل تحرك يهدف إلى التغيير، لما يحمله من تهديد لمصالح الخاصة، وبالتالي خاصة الخاصة. خرجت علينا إذن "نخبة الضباع" حاملة لواء الثقافة عبر مقالات رديئة تهاجم "جيل التكنولوجيا" وتعيّره بالانحطاط، فتفننت في استدعاء مثالب بعض من تلاميذ اليوم، من "قلة الترابي" إلى "ضعف الثقافة وتردي الأخلاق"، و"الاهتمام بالموضة بدل العلم والمعرفة"، معممة الأمر على جيل كامل ليس إلا مستقبل البلاد، إلى درجة وصفه ب"جيل الضباع"، باستدعاء مقولة محمد كسوس التي ما كانت إلا تنبيها إلى مخاطر السياسات التعليمية ومخرجاتها. ويبدو من الوهلة الأولى أن من السليم تفسير الظاهرة بأنها تنم عن غيرة بعض من مثقفي جيل "سنوات الجمر والرصاص" من جيل "الربيع الديمقراطي" الذي استفاد بشكل كبير من الثورة المعلوماتية من أجل التمرد على الأنساق القديمة، ومحاولة شق الطريق نحو مستقبل أفضل، واستفاد كذلك من المكتسبات التي حققتها الحركة الديمقراطية والحقوقية، متمكنا من تحقيق أكبر رجة سياسية في تاريخ البلاد عبر حركة 20 فبراير، التي اعترف هؤلاء المحافظون الجدد بأنها حققت في مدة وجيزة ما عجز الحرس القديم في أحزاب "الإصلاح" حتى عن النطق به. لكن مع تدقيق النظر يتضح أن مشيطني الحراك التلاميذي عبر رفع لواء الأخلاق العامة لم يعودوا يتمتعون بأي شكل من أشكال الغيرة، وهذه الأخلاق التي يدافعون عنها آخر ما يمكن أن يستثيرهم، إذ إن حملتهم على تلاميذ اليوم-أطر المستقبل ما هي إلا تنسيق سياسوي تحت الطلب بهدف خلق مناخ عام يعادي أي تحرك نضالي لهم في الحال أو الاستقبال، وإعطاء المبررات لقمع حريتهم في الرفض والاحتجاج باعتبارهم الجيل الذي وجب إجهاضه كحمل غير مرغوب فيه، "جيل قمش اللي ما يحشم ما يرمش".. شعبوية سياسوية مقيتة كانت إذن وراء الأسلوب البائد والمفضوح القائم على تحريك "نخبة الضباع" من أجل تسليط سيف النقد المهترئ على الحراك التلاميذي بهدف إرجاع التلميذ المارد إلى قمقمه، والذي ليس إلا المدرسة العمومية التي تحولت إلى كنتونات لحراسة التلميذ وتدجين سلوكه لإعادة إنتاج القبح العام؛ وبالتالي لعب دور لا يقل من حيث منطلقاته عن الرصاص الحي الذي وزع بسخاء لفض الانتفاضة التلاميذية التي تحولت إلى انتفاضة شعبية عارمة في الدارالبيضاء سنة 1965، احتجاجا على مذكرة بلعباس المشؤومة التي منعت التلاميذ في سن 16 سنة من التكرار في "البروفي" (الثالثة إعدادي). لكن هيهات، فنحن يا سدنة المعبد في عصر الثورة المعلوماتية التي لم يعد بالإمكان معها تنميط الإنسان المغربي وفق نموذج مسلوب الإرادة، كما لم يعد بالإمكان جعل المدرسة آلية للضبط الثقافي العام، وليس لكم إلا أن ترموا الضباع من على رؤوسكم لتسايروا الحاضر بعقلية المستقبل لا عقلية الماضي البائدة، وتفتحوا المدارس والمناهج على الإبداع.. على القيم الكونية، علنا نصل إلى "المدينة" التي مر منها القطار.. ومن ثمة نفتح باب الأمل أمام هذا الجيل من أجل الالتحاق بالركب الحضاري.. هذا الجيل الذي تسفهونه لسان حاله يقول لكم أيها السادة المتثاقفون قول أبو العلاء المعري: إني وإن كنت الأخير زمانه...لآت بما لم تستطعه الأوائل..والتلميذة الطفلة مريم أمجون ذات السنوات التسع، والتي نالت جائزة "تحدي القراءة العربي" خير وأوجز دليل، لكننا لن ننجر إلى خدعة الجدل حول صراع الأجيال، لأن الأجيال تتكامل في ما بينها لرسم خط التطور التاريخي الماضي إلى الأمام، والذي لا تقومون أنتم وسادتكم في قمرة القيادة إلا بإبطاء حركته. *ناشط حقوقي