يتسم السياق الدولي والإقليمي بتقلبات سياسية كبيرة شبيهة بتقلبات مناخية، طابعه الأكبر التناقض والبرغماتية، والذاتية... أمام هذا الوضع الصعب، أبرز الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء لسنة 2018، معيارين أساسين من أجل الاستمرارية في الوسطية والاعتدال على المستوى الدبلوماسي، هما الوضوح والطموح مستثمرين الفرص المتاحة. وهذا التصور منبثق من مرجعيات خالدة: الدستور والخطابات الملكية والبرامج الحكومية والعمل المدني، مع التأكيد على أن الدبلوماسية المغربية لها هوية بناء على الأعراف والتراكمات... إن دبلوماسية الوضوح والطموح رؤية قاعدتها الأساسية التشخيص الواقعي والتعامل المناسب في الزمن المناسب، لأن المغرب لا يفرط في قضاياه الاستراتيجية ويعتمد نموذجه المتميز في المحافل الدولية، خاصة وأن هناك حوالي ستة ملايين من المغاربة المقيمين بالخارج. إن دبلوماسية الوضوح والطموح نقيض دبلوماسية الأحداث، ولصيقة بدبلوماسية ممأسسة تستوعب كل القطاعات والمجالات. ومن مضامين هذا النوع من الدبلوماسية على مستوى القضية الوطنية اللاءات الأربع: لا بديل على مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، ولا تفاوض بدون الأطراف المعنية التي ذكرت في القرار الأممي الأخير 2440 المتعلق بالصحراء في نونبر 2018، ولا حق لأحد أن ينظر في قضية الصحراء إلا الأممالمتحدة، ولا انشطارية في التعامل مع الاتفاقيات بين المغرب والأطراف الأخرى. إن مثل هذه المضامين هي التي جعلت الدولة الإسبانية تصرح داخل البرلمان بأنها لم يعد لها مسؤولية تاريخية في قضية الصحراء. وبناء على ما ذكر، حقق الاتحاد الإفريقي وبعض أجهزته، نحو البرلمان الإفريقي ومجلس الأمن والسلم... نتائج مهمة منذ العودة المغربية إليه. واليوم يشكل المغرب وجنوب إفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا محاور استراتيجية داخل الفضاء الإفريقي. إن الخطاب الملكي المشار إليه أعلاه استهدف الوضوح والطموح والاستقلالية والإرادة القوية، داعيا الجزائر الشقيقة إلى فتح حوار بين البلدين، بدون وسيط، نظرا للمشترك بين الطرفين، خاصة وأن مشاكل عدة لا تحل إلا بالتعاون والتنسيق. ومن الأهداف المتوخاة من خلال هذه الدبلوماسية كذلك المساهمة في هيكلة حلف متعلق بالجنوب الأطلسي، كما هو الشأن بالنسبة للشمال الأطلسي. وبهذه الروح الدبلوماسية تمت مقاربة التسوية القانونية للمهاجرين في أفق الإدماج، وإصدار مستقبلا قانون الهجرة واللجوء. وللإشارة، فإن الهجرة ليست إجراء إداريا فحسب، وإنما هي كذلك منظومة حقوقية يجب أن تتجسد على أرض الواقع. وفي هذا الإطار، لا بد من تحديد المسؤوليات، خاصة بين دول الشمال والجنوب. لكن هناك أياد خفية تسعى إلى تأجيج وتعقيد واقع الهجرة. وتشكيل شبكات للأسف تتاجر بالبشر. ومما زاد الطين بلة أن بعض السياسيين الكبار، خاصة في الضفة الأخرى، أصبحوا يستثمرون هذا الواقع المرير من أجل تحيق مآرب سياسية. إننا نؤسس لدبلوماسية وطنية تلازم بين الحق والواجب، وتعمل بالأهداف وتقوم بالنتائج، وتنوع الدبلوماسية القطاعية. وفي إطار الوضوح والطموح، نؤكد على ما يلي: 1. تقويم الاتفاقيات والمشاريع التي وقعها المغرب مع الدول الإفريقية منذ سنة 2002 التي تجاوزت 1000 اتفاقية. 2. اعتماد التشاركية والالتقائية والتكاملية بين التمثيلية الرسمية والموازية. 3. تنمية العائد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لصالح القضايا العادلة وحل المشاكل العالقة. 4. مواجهة الريع والتلاعب بقضايا الوطن، ومحاربة الفساد. 5. تقويم الشراكات واتفاقيات التبادل الحر في أفق احترام قاعدة رابح-رابح وتكريس عائد واضح في التعامل مع قضايا الأمة المغربية. 6. إعطاء تأشيرة الفعل الدبلوماسي الفعال على المستوى الخارجي بدل الاكتفاء غالبا على التدبير الإداري، والانشغال اليومي، الذي هو جزء من المنظومة ولكن ليس هو الأصل الدبلوماسي. نخلص مما سبق إلى أننا في حاجة ماسة إلى تبني منطق الوضوح والطموح والاستقلالية ومحاربة الريع في سياستنا الداخلية والخارجية حتى نضمن البناء المؤسساتي واستمرارية الاختيار الديمقراطي.