يبلغ رشيد الغنوشي من العمر، ستون سنة . اسمه الحقيقي رشيد الخريجي. درس بالسوربون بفرنسا. وشارك مطلع سنوات 1980، في تأسيس حركة ذات توجه إسلامي، أخذت فيما بعد اسم النهضة. حُكم عليه بالسجن المؤبد. نُفي، إلى الجزائر، قبل استقراره سنة 1991 بضاحية لندن. يوم 30 يناير 2011، عاد إلى فرنسا. فاز حزبه، بأولى انتخابات حرة، جرت في تونس... لقد غبتم، طيلة عشرين سنة عن تونس. فإلى ماذا، ترجعون فوز النهضة بانتخابات المجلس التأسيسي ؟ إن الأمر، نتيجة طبيعية، للمقاومة التي أبداها مناضلونا، وثمرة أيضا لوفاء الشعب التونسي. لقد فشل بن علي، في تدمير ذاكرة التونسيين. نتيجة تؤكد، أنه بالرغم من غيابنا الذي دام أربعة وعشرين سنة، وكذا الآلة الإعلامية والبوليسية، التي استهدفت إبادتنا، فالإرادة الشعبية أكثر صلابة. تلحون على قضية الهوية العربية الإسلامية. في حين أعلن السكرتير العام لحزبكم، بأن الأقلية المسيحية واليهودية، ستجد موقعها في تونس. هل توزعون الأدوار بينكما؟ لا يوجد تعارض بين الموقفين. التنوع الديني، ليس غريبا عن العالم الإسلامي، حيث تواجدت أقدم فضاءات العبادة. مثلا، معبد اليهود بدجربة، يتجاوز عمره ثلاث آلاف سنة، كما أن بعض الديانات لا نعثر عليها إلا في العراق. وعلى امتداد تاريخ المسلمين، عشنا حروبا سياسية وليس دينية. هل سيظل مكتب الاتصال الإسرائيلي بتونس مغلقا؟ القرار، بيد الحكومة، لكننا ضد، أي تطبيع للعلاقات مع إسرائيل، فهي دولة احتلال، عجزت عن إيجاد تسوية، حتى مع الأكثر اعتدالا داخل منظمة التحرير الفلسطينية، سواء عرفات أو أبو مازن. تريدون تشكيل ائتلاف أكثر توسعا، لإدارة الحكم. لكن، ماذا عن أحزاب لائكية، لا يمكنكم التحالف معها، وبمثابة خطوط حمراء لديكم، بسبب عدم الاتفاق؟ إننا مستعدون للتحالف مع كل الأحزاب، التي كانت معارضة ل بن علي، أما إيديولوجيتهم فلا تهمنا، بوسعنا التحاور حول كل شيء. لكننا نستبعد هاشمي الحامدي، لأنه دعم الديكتاتورية. هل ستعيدون النظر في قانون الأحوال الشخصية، الذي يحمي النساء التونسيات؟ لا، لن نمسه أبدا. بل، سنوطد مكتسبات المرأة، من خلال الالتفات إلى اختلالات الأجور، أو السعي إلى خلق دور لحضانة الأطفال، في أمكنة العمل. أيضا، هناك مظاهر كثيرة للتحرش الجنسي. بالتالي، نريد الاهتمام بكل هذه القضايا. ما هي أولوياتكم، بخصوص قطاع التعليم؟ ليس الأسبقية اليوم للأسئلة الثقافية، والتي تقتضي وقتا طويل، بل تركيزنا على الاقتصادي والاجتماعي. فقط سنة، تفصلنا عن العودة مجددا إلى صناديق الاقتراع وسيطلب منا التونسيون تقديم الحساب. نريد التركيز، على مجالات تتميز بأثرها الحاسم والمباشر على المواطن كالأمن والنمو والاستقرار وإصلاح القضاء ومتابعة ملفات الفساد، بحيث ننتهي منها بكل الصيغ. كيف ستتعاملون مع قاعدتكم، التي هي أحيانا جد متطرفة، وتتكون من السلفيين؟ لا يوجد دليل، على أن قاعدة النهضة، أكثر راديكالية من القيادة. لو كان الحال كذلك، لتمت ملاحظته : هكذا ستتغير القيادة خلال المؤتمرات. الاتهام، مصدره خصومنا السياسيين، الذين أيضا وظفوا أثناء الحملة الانتخابية، برهانا مزدوج اللغة، بدون أقل دليل. نعم، العناصر السلفية متواجدة. وقد خضنا معهم سجالات، كي يغيروا رؤيتهم للإسلام، مثل قولهم بأن الديمقراطية حرام أو "كفر". كثير منهم، لم يصوت.نظن، أنه لا تعارض بين الإسلام والديمقراطية، الإسلام والحداثة، الإسلام ومساواة الأجناس. السلفيون، لهم الحق، كي يعبروا عن وجهة نظرهم، وإذا بدا عدم صوابها، فلا يحق للدولة أن تتدخل. فقط، إذا مارسوا أعمال عنف. غداة الفوز، تغنى أنصاركم أمام مقر حزبكم ب "جمهورية إسلامية"، هل تتوخون إقامة جمهورية إسلامية؟ قبل هذا، فتونس حسب الفصل الأول من الدستور الحالي، بلد مسلم، دينه الإسلام، ولا نحتاج إلى استيراده. هذا الفصل، يلقى اليوم إجماعا لدى كل الأحزاب، ولا نريد إضافة أو حذف شيء. يتفق جميع التونسيون على هويتهم العربية والإسلامية. تشيرون غالبا، إلى النموذج التركي عبر العدالة والتنمية، لكن تركيا تحكمها قوى مضادة قوية، لاسيما الجيش. قبل عشر دقائق، تلقيت اتصالا هاتفيا من رجب طيب أردوغان، لتهنئتي. في تونس، لن تكون كل الأحزاب في الحكم، بل ستقوم أيضا معارضة، لذا نعمل من أجل حدوث وفاق بين جميع القوى الوطنية بهدف إنجاح المرحلة الجديدة. ما حظ الديني في مخططكم، ثم غدا في الحكم؟ إنها القيم الإسلامية المرتكزة على المساواة والأخوة والثقة والاستقامة. قيم، تتضمن ماهية الشريعة، التي لم تهاجر تونس قط. فالقانون التونسي، مستلهم في قسمه الكبير من الشريعة، خاصة القانون المدني وكذا الأحوال الشخصية، حتى الجزء الذي تأتى من فرنسا استعاره نابوليون من الاجتهاد المالكي. صرح آلان جوبيه وزير الخارجية الفرنسي، بأن المساعدات الفرنسية مرتبطة بحقوق الإنسان، ما هو رد فعلكم ؟ لسنا في حاجة إلى كلام كهذا كي نحترم حقوق الإنسان، لأنها مكون من قيمنا وديننا، كما أن الشعب التونسي لا يقبل المساعدات المشروطة. الاتفاقيات، التي وقعها بن علي مع المجموعة الأوروبية تحث على احترام حقوق الإنسان، مع ذلك أغلقت أوروبا عيونها، ونتمنى أن تحتفظ بهما حاليا مفتوحة. ما هو الدور الجديد الذي سيسند لرئيس الجمهورية التونسية ؟ سيحدده المجلس التأسيسي. ستكون له سلطات مهمة، لكنها رمزية كما الشأن مع الرئيس الحالي فؤاد المبزع. إنه موضوع للنقاش بين شركائنا. أعلنتم بأنكم، لا تطمعون في أية وظيفة، كيف تتصورون دوركم ؟ أرتاح في عالم الفكر، وأتماهى معه، أفضل من شؤون السياسة. الأهم بالنسبة إلي رؤية تونس تطور ديمقراطية تجمع بين الإسلام والحداثة، وسأكون سعيدا جدا، إذا تحقق هذا الوضع . للإشارة، فأنا نائب رئيس المنظمة العالمية للعلماء المسلمين، وإذا انتهيت من جميع الأشياء في تونس، فالعالم الإسلامي شاسع. [*] - حاورته جريدة لوموند. العدد الصادر يوم السبت 29 أكتوبر 2011.