المغرب التطواني يفوز على مضيفه اتحاد طنجة (2-1)    المنتخب المغربي يفوز بكأسي البطولة العربية ال43 للغولف بعجمان    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    أنشيلوتي يدافع عن مبابي.. "التكهن بشأن صحته الذهنية أمر بشع"    دينامية السياسة الخارجية الأمريكية: في نقض الإسقاط والتماثل    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمغرب: تعزيز التعاون من أجل مستقبل مشترك    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    الجزائر تعتقل كاتبا إثر تصريحاته التي اتهم فيها الاستعمار الفرنسي باقتطاع أراض مغربية لصالح الجزائر    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    مكتب "بنخضرة" يتوقع إنشاء السلطة العليا لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب في سنة 2025    استغلال النفوذ يجر شرطيا إلى التحقيق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    موتسيبي "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة بالجديدة يحتفل ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال    انخفاض مفرغات الصيد البحري بميناء الناظور    بوعشرين: أصحاب "كلنا إسرائيليون" مطالبون بالتبرؤ من نتنياهو والاعتذار للمغاربة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا لست شيوعيا؟!
نشر في هسبريس يوم 11 - 11 - 2011

لماذا لست شيوعيا؟ السؤال انبثق بشكل مفاجئ لدى مجموعة من أشخاص لا يفكرون في شيء فبالأحرى أن يتكلموا في السياسة..
فمن المؤكد أنه لا أحد من بين الحاضرين كانت له فكرة معرفة لماذا لم يكن عضوا ب"حزب الإصلاح الزراعي"(1) أو ب"الحزب الوطني الديمقراطي"(2). أن لا تكون من أنصار الإصلاح الزراعي، هذا معناه عدم الإيمان وغياب كل إدراك للعالم و للوجود.
أن لا تكون شيوعيا، بالمقابل هي أن تكون غير شيوعي. أن لا تكون شيوعيا، ليست مسألة رأي فحسب، لكنها عقيدة.
شخصيا، هذا أراحني لطرح السؤال، كنت في حاجة، ليس من أجل الدخول في بولميك مع الشيوعية، لكن لتبرير قناعتي كوني لست شيوعيا و لتفسير الأسباب التي تجعلني غير ذلك.
حيث، إذا كنت شيوعيا، كانت ستكون حياتي سهلة. إنني لا اشك كوني أساهم، حسب استطاعتي، في تشييد عالم أفضل. لدي قناعة لأكون إلى جانب الضعفاء وضد الأغنياء. و أن أكون إلى جانب الجياع ضد الأثرياء.
سأكون ما يجب من أجل التفكير في كل شيء، أي ما يجب بغضه، هذا الذي لا نعيره أي اهتمام. أما كوني لست شيوعيا، فإنني أشبه بإنسان عار في وسط دغل من العوسج / العليق- غير مسلح، من دون أي مذهب اختبئ فيه، شاعرا، عاجزا على إنقاذ العالم، و جاهلا دائما بكيفية العمل كي لا أصالح ضميري.
إذا كان قلبي إلى جانب الفقراء، فلماذا إذا لست شيوعيا ؟
لقد شاهدت البؤس بكل أنواعه المضنية. حرمانا يعجز عنه الوصف، مكنني من وجود متقزز أينما وليت وجهي عبر العالم. هربت من القصور من أجل الاقتراب من الفقراء، فوجدت نفسي مكرها لمشاهدة حياتهم كمتفرج ضعيف..
لا يكفي أن نرى أو نشفق فقط، أريد تقسيم هذه الحياة، لكني خائف من الموت. ليس هناك حزبا ناطقا باسم الحرمان الشقي و اللإنساني، فالشيوعية تبقى على مسافة محترمة من هذا الدور الفصيح، حيث الناس ليس لهم و لو مسمار واحد يعلقون عليه خرقتهم. وليس لديهم خرقة واحدة وسخة تستعمل كغطاء.
الشيوعية يعجبها الصراخ : إنه خطأ النظام القائم، بعد سنتين، بعد عشرين سنة، نلوح براية الثورة، و هكذا...
" بعد عامين"؟ "بعد عشرين سنة" ؟!!
كيف يمكن قبول- من دون قلق- أناسا يعيشون في ظل هذا الوضع، ولو شهرين من فصل الشتاء، أو أسبوعين، أو حتى يومين؟.
ليس لدي أي شيء مشترك مع البورجوازية والتي-أمام هذه الوضعية- تتغيب أو تمتنع عن المساعدة. لكني، لا أشعر بنوع من الاقتراب من الشيوعية، والتي بدل الإنقاذ المستعجل و الملموس، لا تقدم سوى راية الشيوعية. ففي نهاية المطاف، الشيوعية لا تريد مساعدة الناس، بل إخضاعهم. ما يهم بالنسبة لها هو السلطة وليس الاطمئنان على أحوالهم.
الفقر، الجوع و البطالة، ليسوا بالنسبة للشيوعية حشمة، وآلام لا يمكن قبولها أو تقبلها.. لكنها نعمة، و خزان من قوى ظلامية مدججة بالحقد والتمرد والعصيان. "
إنه خطأ النظام القائم". لا، لنا نحن كذلك قسطا من المسؤولية، نتفرج مكتوفي الأيدي على البؤس رافعين راية الثورة.
الفقراء لا يشكلون طبقة.. إنهم أناس لا إطار لهم، غير مصنفين وغير منظمين.
الفقراء لا يصعدون أدراج العرش، كيفما كان الذي يحتله.
الذين يموتون جوعا، لا يريدون تقلد الحكم، إنهم يريدون الأكل..وكذلك الشأن بالنسبة للبؤس.. من يحكم البؤساء،مسألة ليست ذات أهمية. ما يهم، هو أحاسيسنا الإنسانية.
البؤس ليس مؤسسة، البؤس تعاسة و شقاء. لنبحث إذن عن طرق التأمين المباشر لإنقاذ حياة الناس. إنني لا أجد في الشيوعية سوى النظرية الباهتة لدكتاتورية البروليتاريا.
لا يمكن أن أكون شيوعيا، لأن ضمير الشيوعية ليس ضمير المساعدة الاجتماعية.
لأن الشيوعية تريد القضاء على ما هو موجود و ليس الآمان . المساعدة البسيطة التي تعد الفقراء بها هي دائما مشروطة: ساعدونا أولا على الحصول على السلطة، ومن بعد، ممكن، سنفكر فيكم. للأسف...
الفقراء ليسوا قاعدة اجتماعية. آلاف العمال يمكن أن يساعدوا زميلا لهم من أجل نضاله من أجل الوجود. ليس هو الشأن بالنسبة للبؤساء، الذين لا قدرة لمساعدة بعضهم البعض، و لو من اجل قطعة خبز.
كما أن الإنسان المعوز، الجائع ، و العاجز يوجد وحيدا. حياته خاصة جدا، إنها جزء من التاريخ، حالة خاصة مثل جميع الآلام التي تشبه حالات أخرى. فوّضوا أسس المجتمع، ضعوه فوق وتحت كما تريدون- الفقراء يسقطون دائما في الأسفل، حيث يلتحق بهم بؤساء جدد.
أنا لست أرستقراطيا أو شيئا من هذا القبيل، لكني لا أومن بقيم الجماهير. إنني أعتقد جادا أن لا أحد يريد أن يضع السلطة في يده: إنها مجرد وسيلة مادية يتم استعمالها من أجل تحقيق أهداف ما، إنها المادة الخام للسياسة. لكي يصبح الناس كتلة واحدة، يجب وضعهم في قالب وإلباسهم الزي المنشود على مقاس هذه الأفكار أو تلك. المشكل هو أن الغطاء الإيديولوجي عادة ليس شيئا نضعه في الخزانة عند نهاية أوقات الخدمة.
قد أقدر الشيوعية إذا ما قالت بشكل معقول للعامل: « أطلب منك شيئا، من دون أن أعدك بالمقابل؛ أطلب منك أن تكون في خدمتي أحمر، عنصرا ومادة. وبما أنك أحمر ومادة في المعمل؛ ستخضع و ستصمت كما خضعت وصمتت في المعمل. في المقابل في يوم ما، حينما يتغير كل شيء ستبقى كما أنت. لا يمكن أن أضمن لك أي شيء؛ النظام الدولي لن يكون أكثر ليبرالية، ولا متسامحا في حقك، سيكون أكثر عدلا»...
إن إطعام الفقير بالوعود سرقة. الفقير يمكن له أن يجد الحياة سهلة إذا ما وعدناه بالقمر،لكن في الواقع، اليوم و كما كان الحال منذ 100 سنة، من الأفضل الحصول على شيئا ما بدل الوعود. كما أنه من الأفضل وضع الخشب في المدفئة وإضرام النار للتدفئة بدل إحراق القصور، والذين هم بالمناسبة اقل مما يتصوره أصحاب الوعي الطبقي.
كما ننسى أن نلاحظ بأننا في ما يخص مستوى العيش، مع بعض الاستثناءات القليلة، أمة أناس بسطاء. بالمقابل، إننا نقول ونكرر أن الفقراء ليس لديهم ما يخسرون.. لا يمكن التجريب بخبز الفقراء.
الثورات لا تؤدي ثمنها النخب، في كل مرة الأغلبية هي التي يقع على ظهرها الثقل. سواء تعلق الأمر بحرب، أو أزمة مالية، أو أي كارثة أخرى. إن الفقير ، والفقير، وحده هو الذي يؤدي الثمن. البؤس ليس له عمق ولا حد. إن أعفن ما يوجد في العالم ليس مأوى الأغنياء، لكن مأوى الفقراء؛ لنحرك كوكبنا مرة، ونذهب لنرى من سقط السقف فوق رأسه.
ما العمل إذن؟
فيما يخصني، إن كلمة «تطور» لا تؤمّن على شيء. أقول بان البؤس هو الوحيد في العالم الذي لا يتطور، ولا يعرف إلا انتعاشا غير منظم.
مهما يكن،لا يمكن تأجيل قضايا ومشاكل الفقراء في انتظار نظام أخر جديد.
إذا كنا نريد مساعدتهم، فما علينا إلا أن نضع يدنا في العجين ابتداء من اليوم. يبقى علينا فعلا أن نرى هل العالم اليوم لديه الوسائل الأخلاقية؛ الشيوعية تقول لا؛ فهنا آراؤنا تختلف.
أكيد، أنا لا ادّعي أن " السدوم " الاجتماعي، جزء صغير من الصواب، و أنا علي يقين أننا قادرين، بمنحنا قليلا من الشر، أن نتفق حول نظام يعطي الحق للجميع. فالشيوعية مقابل ذلك تنكر كل إمكانية للاتفاق.
بوضوح، إنها ارتيابية في ما يتعلق بقيمة الإنسان لأغلبية الناس.
بصورة عامة، المجتمع الحالي لم يتهدم بجعل ضمانات اجتماعية للعاطلين والمسنين و العجزة و المرضى. أنا لا أقول بأن المقاييس المتخذة هي منذ الآن ضعيفة، لكن المهم، بالنسبة لي وبالنسبة للفقراء، أننا استطعنا العمل على هذه الأشياء على الأقل، هنا و الآن، من دون أن نحرق أعصابنا في انتظار ساعة الانتصار لكي نرفع أعلام الثورة.
إن الاعتقاد بأن مشكل الفقراء هو مشكل آني، و أن حله غير محتفظ به للمستقبل، يعني بكل تأكيد بأننا لسنا شيوعيين.
كما أن الاعتقاد بان الخبز والتدفئة مطالب آنية مهمة أكثر من الثورة في العشرين سنة القادمة، هذا يفترض مزاجا على نقيض الفكر الشيوعي.
الوجه الغريب والأكثر عداء للإنسان، هو كآبتها، و عادتها المستهجنة في تعاملها السلبي مع الأشياء. كلما كان الوضع مريضا، كلما كانت الأمور بخير. إذا داس راكب دراجة امرأة بكماء، قلنا أن هذا الحادث يؤكد عفونة النظام القائم. وإذا ما فقد أحد العمال يده في دوامة إحدى الآلات، فليس الآلة هي السبب، إنها البرجوازية التي تعشق سفك الدماء. و كل من ليس شيوعيا لأهداف ذاتية، فهو فاسد ومتعفن...
في إحدى قصائده قال: (3).Jiri wolker
« في أعماق قلبك،
الفقير،
أرى الحقد».
هذا كلام فضيع وجائر. في قلب الفقراء، يوجد-على العكس من ذلك- فرح محبوب و جميل. العامل ينشرح بآلته بشكل كبير أكثر من المنتج أو مدير المصنع. عمال البناء يمزحون فيما بينهم أكثر مع زملائهم في أوراش عملهم، أكثر من المنعش العقاري...، و في البيت إذا كان أحد يغني، فإنها الخادمة والمنظفة و ليس "سيدة البيت".
إن ما يسمى البرولتاري، ميال بطبيعته إلى الفرح و عشق الحياة . التشاؤم والحقد و الضغينة والشراسة الملتصقة بالشيوعية، خصال لحقتها بشكل مصطنع وبطرق فاحشة.
فقدان الأمل هذا، والعلاقة مع الأفكار السوداء، هو ما يسمى "بالتربية الثورية للجماهير" أو "تقوية الوعي الطبقي". الفقير، والذي لا يملك مسبقا إلا القليل، يجد نفسه محروما حتى من عشقه البدائي للاستمتاع بالحياة.. يؤدي ضريبة الأمل في انتظار عالم أفضل.
إن مناخ الشيوعية ليس مضيافا وليس إنسانيا. لا توجد حرارة متوسطة بين صقيع البرجوازية والمجمرة الثورية. ليس هناك نشاط مخصص للبروليتاري يمنحه الحق في المتعة وفي الأمان والاستقرار. لا طعام الفطور ولا طعام العشاء؛ له فقط الحق أن يختار بين قشرة خبز قديم ومآدب وولائم المستغلين الفاخرة.
لا نتحدث نهائيا عن الحب، لكن نتحدث فقط عن فساد وانحراف الأغنياء وإعادة إنتاج الفقراء.
البرجوازي يستنشق عفونته الخاصة، والعامل يستنشق جراثيم السل؛ وكأن الهواء انقطع و اندثر. لا أعرف هل الصحفيون و الكتاب الشيوعيون تمثلوا حقيقة ما مع تلك الصورة العبثية عن العالم، أم أنهم يكذبون عن وعي و خبرة.
أعرف فقط أن الإنسان الساذج و بدون خبرة.. هو في أغلب الأحيان البروليتاري، يعيش في عالم مشوه بشكل فضيع والذي، في نظره، لا يستحق إلا الهدم الكلي، التام و الكامل. إنه، و مع ذلك، عالم وهم فقط، يجب القضاء عليه.
من دون شك، في وادي الدموع، هناك بؤس غير معبر عنه، ألم زائد، نقص في السعادة و الراحة، وأساسا نقص في الفرح. فيما يخصني، لا أعتقد أن لي تفاؤل خاص، لكن كل ما اصطدمت بالسلبية الإنسانية للشيوعية، والتي تتعامل مع كل شئ بشكل تراجيدي، أريد أن أصرخ عاليا، أن أحتج و أقول: إنه بالرغم من ذالك فالحياة ليست هكذا.
تعرفت على أناس لا يستهان بهم، لم ينعموا ولو بعسلوج واحد و لا قرط من الشفقة و الإحسان، أو من الرحمة... إن السخرية توجد في العالم أكثر بكثير من الخبث. لكن رغم ذلك، نجد عند الناس تعاطف وثقة كبيرين، واستعدادا للمساعدة والإرادة الحسنة من أجل أن يكون لنا الحق في اليأس.
لا أومن بالكمال، لا بالنسبة لإنسان اليوم ولا بالنسبة لإنسان الغد. لا الثورة ولا كذلك إبادة الإنسان، سيجعلان من العالم جنة. لكن إذا استطعنا بشكل من الأشكال أن نجمع كل ما هو صالح وجميل عند كل واحد منا، كيفما كنا، أعتقد أنه و بالرغم من كل شئ، نستطيع بناء عالم أفضل ويكون هذا الحلم مسألة ممكنة. ستقولون ربما أن هذا نوعا من التجرد الإنساني الأبله. نعم، أنا واحد من هؤلاء المعتوهين الذين يحبون الإنسان لمجرد إنسانيته.
لنعطي مثالا: من السهل القول أن الغابة سوداء! لكن ولو شجرة من أشجار الغابة سوداء؛ إنها أشجار الصنوبر و فصيلتها، حمراء و خضراء. و من السهل بمكان –كذلك- القول أن المجتمع سيء..لكن، ابحثوا في هذا المجتمع عن الخبثاء.حاولوا محاكمة الناس من دون تعميمات عنيفة، فستجدون بعد وقت وجيز مبادئكم تتلاشى كالدخان.
لمواجهة الواقع، الشيوعية تفترض شكلا أعمى ومتعمد و مقصود. فحينما يكلمني أحد ما عن كره الألمان، تكون لي في كل مرة رغبة لنصحه بالذهاب للعيش معهم شهرا على الأقل، وبعد ذلك سأطلب منه هل لا يزال يحقد على مؤجره الألماني، هل يحس أو يشعر بالرغبة في قطع حنجرة البقال الجرماني، صاحب الأربعة فصول، أو خنق المرأة "التوتونية" المسنة (من التوتونيين، سكان ألمانيا الشمالية) التي تبيع له عود الثقاب..؟؟
من بين الخصائص غير أخلاقية لروح الإنسان، نذكر التعميم وكأنه هبة؛ إننا نريد أن نتبنى مقاربة تركيبية لتجاربنا، أما التعميم فيريد ببساطة إزاحتها. الجرائد الشيوعية لا تقول أي شيء عن العالم، إلا كونه فاسد كليا من رأسه إلى أخمص قدميه... الحقد، الجهل و الشك المنهجي... هو العالم النفسي للشيوعية.
التشخيص الطبي سيظهر سلبية باثولوجية. إنه مرض قابل الانتقال للإنسان الذي تستوعبه الكتلة، لكن في الحياة الخاصة، لا يمكن الدفاع عن نفس الموقف.
خذوا لكم مكانا ما في زاوية الشارع حيث يوجد أحد المتسولين، ولاحظوا من سيعطف عليه. سبعة على عشرة ممن سيقدمون له المساعدة، سيكونون من الشريحة الاجتماعية القريبة أو المؤهلة للوصول إلى عتبة الفقر؛ أما الآخرون سيكونون نساء. الشيوعي سيخلص إلى القول، بدون شك، أن البورجوازي فظ غليظ القلب. من جهتي أستخلص خلاصة جميلة و أقول، البروليتاري بشكل عام له قلب حنون، وهو في عمقه ميال إلى العمل والإحسان، وإلى الحب وروح التضحية.
الشيوعية بجفائها و حقدها الطبقي، تريد من هذا الإنسان غشاشا ومحتالا.
إن الفقير لا يستحق أن يهان هكذا.
عالم اليوم ليس في حاجة إلى الحقد و الكراهية، إنه في حاجة إلى النيات الحسنة والاستعداد للعمل والمساعدة، وكذلك للتفاهم والتعاون. إنه في حاجة إلى جو أخلاقي أكثر رحمة و اعتدالا.
أعتقد أنه بقليل من طيبوبة القلب، نستطيع تحقيق المعجزات. إن كنت أدافع عن هذا العالم، فليس لكونه عالم الأغنياء، بل لأنه كذلك عالم الفقراء، وكذالك عالم أولئك الذين يوجدون في الوسط، مطحونين بين حجر رحى الرأسمال والبروليتاريا، لا أولئك القابضين والمحافظين على جزء من القيم الإنسانية.
لا أعرف أناس كثيربن من بين مئات العائلات التي تكوّن وطننا، و لا يمكن لي محاكمتهم . لكني أصدرت أحكاما على الطبقة المسماة البرجوازية، اتهمت على أثرها بالتشاؤم الدنيء.. فأنا أقول أن البروليتاريا لا يمكن أن تعوض هذه الطبقة لكن قد تدخل ضمنها..
لا توجد ثقافة بروليتارية، ولا ثقافة أوروستقراطية، ولا ثقافة دينية.القيم الثقافية التي بقيت لدينا توجد لدى الطبقة الوسطى، و أولئك الذين نسميهم بالمثقفين.
إذا كانت البروليتارية تطالب بحقها في هذا التقليد، وإذا قالت " نعم، أنا مستعدة لأخذ زمام أمر العالم كما هو و بالقيم المتواجدة فيه"، في هذه الحالة نستطيع أن نجرب الأمر..
لكن إذا أدانت الشيوعية بشكل مسبق كل ما تعتبره "ثقافة بورجوازية"، لن يكون هناك حوارا ممكنا.
لقد قلت سابقا أن الفقر الحقيقي ليس مؤسسة، إنه البؤس والشقاء والتعاسة.
تستطيعون قلب كل الأنظمة، لكن لن تستطيعوا إنقاذ الإنسان من البؤس والحرمان، لكي لا يسقط مريضا، لكي لا يموت جوعا و بردا، و أن يكون في غنى عن يد الإنقاذ.
فمهما فعلنا، الواجب الذي تفرضه التعاسة على الإنسان يبقى هو هو، واجبا ليس اجتماعيا، لكن معنوي.
لذلك السبب، الشيوعية تتبنى خطابا عنيفا، خطاب الفارسيين؛ إنها لا تتكلم عن قيم المقارنة، أو عن المودة و التضامن الاجتماعي؛ إنها- كما تقول هي- ليست عاطفية.
هناك كذالك قضية العنف. أنا لست كالعوانس اللائي يقفزن كلما سمعنا هذه الصفة.
أعترف إنني رغبت أحيانا سقي الكذابين وأصحاب سوء النية. للأسف الفرصة لا تسمح، أو أنا الذي لست في المستوى أمام غريمي، أو أن غريمي ليس في مستوى الدفاع عن نفسه.
كما ترون، انأ لست مكسرا، لكن إذا قامت البورجوازية في مواجهة البروليتاريا، ستكون لي الجرأة الكبيرة لأكون من المساندين للضحايا. الإنسان الذي يحترم نفسه لا يمكنه أن يساند ذلك الذي يستخدم الترهيب...
أنعت دائما ب"النسبي" نظرا لخاصية عقلي ... لكن بحكم دراسة كل العلوم وأنواع الآداب، كان لي حظ سعيد لاكتشف أنه بقدر من الصبر والتواضع، قد نصل إلى التواصل و التفاهم بين الجميع مهما كانت معتقداتهم و ألوان بشرتهم.
هناك منطق عالمي إنساني –على ما يبدو- يشكل عمق القيم المشتركة بين كل الناس: الحب، المرح و الفكاهة، الشهية، التفاؤل، و أشياء أخرى جميلة.. من دونها ستكون الحياة نوع من الجحيم.
فبالرغم من كل شيء، أستطيع تفهم أفكار الشيوعية لكني لا أفهم منهجيتها. إنها تتكلم لغة غير لغتي...
و في الأخير، أعتقد أنه لا زال هناك حد أدنى من الأخلاق والعقل ليعترف الإنسان بأخيه الإنسان. لكن، منهجية الشيوعية أمام هذا، محاولة فسيحة للهدم ومحاولة للتسبب في خلاف دولي، من أجل تقسيم عالم الإنسان إلى قطع متفرقة و غير متجانسة لا يجمعها أي شيء...
نعم، لدي الكثير ما يقال، لكني أشعر بنوع من الراحة أني استطعت قول كل هذا. فهذه قناعتي الخاصة، و اختلافي مع الشيوعية ليس اختلافا حول المبادئ، بل حول قناعة خاصة. فإذا استطعت أن أناقش بقناعة أخرى، و ليس بالمبادئ، أعتقد أنه سيكون بالإمكان على الأقل التفاهم، و هذا سيكون فعلا شيئا كبيرا.
*أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بمكناس.
المقال للكاتب المسرحي و لروائي التشيكي كارل تشابيك (1890- 1938)، نشره سنة 1924، و قامت بترجمته وإعادة نشره بالفرنسية مجلة1989Lettre internationale :، عدد 19 ، ص 76 و 77 ، شتاء 1988/ ويعتبر هذا المقال من المقالات التي أثارت ضجة كبيرة في عشرينيات القرن الماضي، حول الصراع الإيديولوجي و علاقته بالأنظمة السياسية، بالإضافة إلى كونه سلط الضوء بقدر ما، على مستقبل الشيوعية في معاقلها، حيث تمخضت عنه نقاشات كثيرة و متنوعة، استمرت ما يقرب قرنا من الزمن.
ولا غرو إذا قلنا أن المقال لا زالت راهنيته بين أيدينا، خصوصا في هذا الظرف التاريخي بالذات، كما أن صاحب المقال كان ولا يزال حاضرا بيننا من خلال الانتقادات التي و جهها في ذلك الوقت للتقدم العلمي في العديد من كتاباته، وهو الذي اشتهر كذلك بالسخرية في بعض مؤلفاته المسرحية. و حسب العديد من المؤرخين، يعتبر كارل تشابيك أول من وظف كلمة "روبرت"/ الانسان الآلي، المأخوذة من القاموس التشيكي للغة حيث تعني "العبيد"، في كتاباته المسرحية.من أشهر رواياته "حرب السمندل" المنشورة سنة1936.
1- و هو ذو توجه محافظ و كان من أهم عوامل الحياة السياسية لتشيكوسلوفاكيا ما بين الفترة الممتدة من 1920 الى 1938 تأسس هذا الحزب سنة 1889
2- الحزب الوطني اليميني، الذي تأسس سنة 1918
3- من كبار شعراء البروليتاريا في تشيكوسلوفاكيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.