محكمة سلا تقضي بالحبس موقوف التنفيذ في حق 13 ناشطًا من الجبهة المغربية لدعم فلسطين بسبب احتجاجات    تعيين أنس خطاب رئيساً لجهاز الاستخبارات العامة في سوريا    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    تحذير من ثلوج جبلية بدءا من السبت    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1500م من السبت إلى الإثنين المقبلين    المديرية العامة للضرائب تعلن فتح شبابيكها السبت والأحد    "البام" يشيد بمقترحات مدونة الأسرة    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    "منتدى الزهراء" يطالب باعتماد منهجية تشاركية في إعداد مشروع تعديل مدونة الأسرة    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس    نظام أساسي للشركة الجهوية بالشمال    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصعد رفضها لمشروع قانون الإضراب    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    هجوم على سفينة روسية قرب سواحل الجزائر    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    مقتل 14 شرطيا في كمين بسوريا نصبته قوات موالية للنظام السابق    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    سنة 2024 .. مبادرات متجددة للنهوض بالشأن الثقافي وتكريس الإشعاع الدولي للمملكة    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا لست شيوعيا؟!
نشر في هسبريس يوم 11 - 11 - 2011

لماذا لست شيوعيا؟ السؤال انبثق بشكل مفاجئ لدى مجموعة من أشخاص لا يفكرون في شيء فبالأحرى أن يتكلموا في السياسة..
فمن المؤكد أنه لا أحد من بين الحاضرين كانت له فكرة معرفة لماذا لم يكن عضوا ب"حزب الإصلاح الزراعي"(1) أو ب"الحزب الوطني الديمقراطي"(2). أن لا تكون من أنصار الإصلاح الزراعي، هذا معناه عدم الإيمان وغياب كل إدراك للعالم و للوجود.
أن لا تكون شيوعيا، بالمقابل هي أن تكون غير شيوعي. أن لا تكون شيوعيا، ليست مسألة رأي فحسب، لكنها عقيدة.
شخصيا، هذا أراحني لطرح السؤال، كنت في حاجة، ليس من أجل الدخول في بولميك مع الشيوعية، لكن لتبرير قناعتي كوني لست شيوعيا و لتفسير الأسباب التي تجعلني غير ذلك.
حيث، إذا كنت شيوعيا، كانت ستكون حياتي سهلة. إنني لا اشك كوني أساهم، حسب استطاعتي، في تشييد عالم أفضل. لدي قناعة لأكون إلى جانب الضعفاء وضد الأغنياء. و أن أكون إلى جانب الجياع ضد الأثرياء.
سأكون ما يجب من أجل التفكير في كل شيء، أي ما يجب بغضه، هذا الذي لا نعيره أي اهتمام. أما كوني لست شيوعيا، فإنني أشبه بإنسان عار في وسط دغل من العوسج / العليق- غير مسلح، من دون أي مذهب اختبئ فيه، شاعرا، عاجزا على إنقاذ العالم، و جاهلا دائما بكيفية العمل كي لا أصالح ضميري.
إذا كان قلبي إلى جانب الفقراء، فلماذا إذا لست شيوعيا ؟
لقد شاهدت البؤس بكل أنواعه المضنية. حرمانا يعجز عنه الوصف، مكنني من وجود متقزز أينما وليت وجهي عبر العالم. هربت من القصور من أجل الاقتراب من الفقراء، فوجدت نفسي مكرها لمشاهدة حياتهم كمتفرج ضعيف..
لا يكفي أن نرى أو نشفق فقط، أريد تقسيم هذه الحياة، لكني خائف من الموت. ليس هناك حزبا ناطقا باسم الحرمان الشقي و اللإنساني، فالشيوعية تبقى على مسافة محترمة من هذا الدور الفصيح، حيث الناس ليس لهم و لو مسمار واحد يعلقون عليه خرقتهم. وليس لديهم خرقة واحدة وسخة تستعمل كغطاء.
الشيوعية يعجبها الصراخ : إنه خطأ النظام القائم، بعد سنتين، بعد عشرين سنة، نلوح براية الثورة، و هكذا...
" بعد عامين"؟ "بعد عشرين سنة" ؟!!
كيف يمكن قبول- من دون قلق- أناسا يعيشون في ظل هذا الوضع، ولو شهرين من فصل الشتاء، أو أسبوعين، أو حتى يومين؟.
ليس لدي أي شيء مشترك مع البورجوازية والتي-أمام هذه الوضعية- تتغيب أو تمتنع عن المساعدة. لكني، لا أشعر بنوع من الاقتراب من الشيوعية، والتي بدل الإنقاذ المستعجل و الملموس، لا تقدم سوى راية الشيوعية. ففي نهاية المطاف، الشيوعية لا تريد مساعدة الناس، بل إخضاعهم. ما يهم بالنسبة لها هو السلطة وليس الاطمئنان على أحوالهم.
الفقر، الجوع و البطالة، ليسوا بالنسبة للشيوعية حشمة، وآلام لا يمكن قبولها أو تقبلها.. لكنها نعمة، و خزان من قوى ظلامية مدججة بالحقد والتمرد والعصيان. "
إنه خطأ النظام القائم". لا، لنا نحن كذلك قسطا من المسؤولية، نتفرج مكتوفي الأيدي على البؤس رافعين راية الثورة.
الفقراء لا يشكلون طبقة.. إنهم أناس لا إطار لهم، غير مصنفين وغير منظمين.
الفقراء لا يصعدون أدراج العرش، كيفما كان الذي يحتله.
الذين يموتون جوعا، لا يريدون تقلد الحكم، إنهم يريدون الأكل..وكذلك الشأن بالنسبة للبؤس.. من يحكم البؤساء،مسألة ليست ذات أهمية. ما يهم، هو أحاسيسنا الإنسانية.
البؤس ليس مؤسسة، البؤس تعاسة و شقاء. لنبحث إذن عن طرق التأمين المباشر لإنقاذ حياة الناس. إنني لا أجد في الشيوعية سوى النظرية الباهتة لدكتاتورية البروليتاريا.
لا يمكن أن أكون شيوعيا، لأن ضمير الشيوعية ليس ضمير المساعدة الاجتماعية.
لأن الشيوعية تريد القضاء على ما هو موجود و ليس الآمان . المساعدة البسيطة التي تعد الفقراء بها هي دائما مشروطة: ساعدونا أولا على الحصول على السلطة، ومن بعد، ممكن، سنفكر فيكم. للأسف...
الفقراء ليسوا قاعدة اجتماعية. آلاف العمال يمكن أن يساعدوا زميلا لهم من أجل نضاله من أجل الوجود. ليس هو الشأن بالنسبة للبؤساء، الذين لا قدرة لمساعدة بعضهم البعض، و لو من اجل قطعة خبز.
كما أن الإنسان المعوز، الجائع ، و العاجز يوجد وحيدا. حياته خاصة جدا، إنها جزء من التاريخ، حالة خاصة مثل جميع الآلام التي تشبه حالات أخرى. فوّضوا أسس المجتمع، ضعوه فوق وتحت كما تريدون- الفقراء يسقطون دائما في الأسفل، حيث يلتحق بهم بؤساء جدد.
أنا لست أرستقراطيا أو شيئا من هذا القبيل، لكني لا أومن بقيم الجماهير. إنني أعتقد جادا أن لا أحد يريد أن يضع السلطة في يده: إنها مجرد وسيلة مادية يتم استعمالها من أجل تحقيق أهداف ما، إنها المادة الخام للسياسة. لكي يصبح الناس كتلة واحدة، يجب وضعهم في قالب وإلباسهم الزي المنشود على مقاس هذه الأفكار أو تلك. المشكل هو أن الغطاء الإيديولوجي عادة ليس شيئا نضعه في الخزانة عند نهاية أوقات الخدمة.
قد أقدر الشيوعية إذا ما قالت بشكل معقول للعامل: « أطلب منك شيئا، من دون أن أعدك بالمقابل؛ أطلب منك أن تكون في خدمتي أحمر، عنصرا ومادة. وبما أنك أحمر ومادة في المعمل؛ ستخضع و ستصمت كما خضعت وصمتت في المعمل. في المقابل في يوم ما، حينما يتغير كل شيء ستبقى كما أنت. لا يمكن أن أضمن لك أي شيء؛ النظام الدولي لن يكون أكثر ليبرالية، ولا متسامحا في حقك، سيكون أكثر عدلا»...
إن إطعام الفقير بالوعود سرقة. الفقير يمكن له أن يجد الحياة سهلة إذا ما وعدناه بالقمر،لكن في الواقع، اليوم و كما كان الحال منذ 100 سنة، من الأفضل الحصول على شيئا ما بدل الوعود. كما أنه من الأفضل وضع الخشب في المدفئة وإضرام النار للتدفئة بدل إحراق القصور، والذين هم بالمناسبة اقل مما يتصوره أصحاب الوعي الطبقي.
كما ننسى أن نلاحظ بأننا في ما يخص مستوى العيش، مع بعض الاستثناءات القليلة، أمة أناس بسطاء. بالمقابل، إننا نقول ونكرر أن الفقراء ليس لديهم ما يخسرون.. لا يمكن التجريب بخبز الفقراء.
الثورات لا تؤدي ثمنها النخب، في كل مرة الأغلبية هي التي يقع على ظهرها الثقل. سواء تعلق الأمر بحرب، أو أزمة مالية، أو أي كارثة أخرى. إن الفقير ، والفقير، وحده هو الذي يؤدي الثمن. البؤس ليس له عمق ولا حد. إن أعفن ما يوجد في العالم ليس مأوى الأغنياء، لكن مأوى الفقراء؛ لنحرك كوكبنا مرة، ونذهب لنرى من سقط السقف فوق رأسه.
ما العمل إذن؟
فيما يخصني، إن كلمة «تطور» لا تؤمّن على شيء. أقول بان البؤس هو الوحيد في العالم الذي لا يتطور، ولا يعرف إلا انتعاشا غير منظم.
مهما يكن،لا يمكن تأجيل قضايا ومشاكل الفقراء في انتظار نظام أخر جديد.
إذا كنا نريد مساعدتهم، فما علينا إلا أن نضع يدنا في العجين ابتداء من اليوم. يبقى علينا فعلا أن نرى هل العالم اليوم لديه الوسائل الأخلاقية؛ الشيوعية تقول لا؛ فهنا آراؤنا تختلف.
أكيد، أنا لا ادّعي أن " السدوم " الاجتماعي، جزء صغير من الصواب، و أنا علي يقين أننا قادرين، بمنحنا قليلا من الشر، أن نتفق حول نظام يعطي الحق للجميع. فالشيوعية مقابل ذلك تنكر كل إمكانية للاتفاق.
بوضوح، إنها ارتيابية في ما يتعلق بقيمة الإنسان لأغلبية الناس.
بصورة عامة، المجتمع الحالي لم يتهدم بجعل ضمانات اجتماعية للعاطلين والمسنين و العجزة و المرضى. أنا لا أقول بأن المقاييس المتخذة هي منذ الآن ضعيفة، لكن المهم، بالنسبة لي وبالنسبة للفقراء، أننا استطعنا العمل على هذه الأشياء على الأقل، هنا و الآن، من دون أن نحرق أعصابنا في انتظار ساعة الانتصار لكي نرفع أعلام الثورة.
إن الاعتقاد بأن مشكل الفقراء هو مشكل آني، و أن حله غير محتفظ به للمستقبل، يعني بكل تأكيد بأننا لسنا شيوعيين.
كما أن الاعتقاد بان الخبز والتدفئة مطالب آنية مهمة أكثر من الثورة في العشرين سنة القادمة، هذا يفترض مزاجا على نقيض الفكر الشيوعي.
الوجه الغريب والأكثر عداء للإنسان، هو كآبتها، و عادتها المستهجنة في تعاملها السلبي مع الأشياء. كلما كان الوضع مريضا، كلما كانت الأمور بخير. إذا داس راكب دراجة امرأة بكماء، قلنا أن هذا الحادث يؤكد عفونة النظام القائم. وإذا ما فقد أحد العمال يده في دوامة إحدى الآلات، فليس الآلة هي السبب، إنها البرجوازية التي تعشق سفك الدماء. و كل من ليس شيوعيا لأهداف ذاتية، فهو فاسد ومتعفن...
في إحدى قصائده قال: (3).Jiri wolker
« في أعماق قلبك،
الفقير،
أرى الحقد».
هذا كلام فضيع وجائر. في قلب الفقراء، يوجد-على العكس من ذلك- فرح محبوب و جميل. العامل ينشرح بآلته بشكل كبير أكثر من المنتج أو مدير المصنع. عمال البناء يمزحون فيما بينهم أكثر مع زملائهم في أوراش عملهم، أكثر من المنعش العقاري...، و في البيت إذا كان أحد يغني، فإنها الخادمة والمنظفة و ليس "سيدة البيت".
إن ما يسمى البرولتاري، ميال بطبيعته إلى الفرح و عشق الحياة . التشاؤم والحقد و الضغينة والشراسة الملتصقة بالشيوعية، خصال لحقتها بشكل مصطنع وبطرق فاحشة.
فقدان الأمل هذا، والعلاقة مع الأفكار السوداء، هو ما يسمى "بالتربية الثورية للجماهير" أو "تقوية الوعي الطبقي". الفقير، والذي لا يملك مسبقا إلا القليل، يجد نفسه محروما حتى من عشقه البدائي للاستمتاع بالحياة.. يؤدي ضريبة الأمل في انتظار عالم أفضل.
إن مناخ الشيوعية ليس مضيافا وليس إنسانيا. لا توجد حرارة متوسطة بين صقيع البرجوازية والمجمرة الثورية. ليس هناك نشاط مخصص للبروليتاري يمنحه الحق في المتعة وفي الأمان والاستقرار. لا طعام الفطور ولا طعام العشاء؛ له فقط الحق أن يختار بين قشرة خبز قديم ومآدب وولائم المستغلين الفاخرة.
لا نتحدث نهائيا عن الحب، لكن نتحدث فقط عن فساد وانحراف الأغنياء وإعادة إنتاج الفقراء.
البرجوازي يستنشق عفونته الخاصة، والعامل يستنشق جراثيم السل؛ وكأن الهواء انقطع و اندثر. لا أعرف هل الصحفيون و الكتاب الشيوعيون تمثلوا حقيقة ما مع تلك الصورة العبثية عن العالم، أم أنهم يكذبون عن وعي و خبرة.
أعرف فقط أن الإنسان الساذج و بدون خبرة.. هو في أغلب الأحيان البروليتاري، يعيش في عالم مشوه بشكل فضيع والذي، في نظره، لا يستحق إلا الهدم الكلي، التام و الكامل. إنه، و مع ذلك، عالم وهم فقط، يجب القضاء عليه.
من دون شك، في وادي الدموع، هناك بؤس غير معبر عنه، ألم زائد، نقص في السعادة و الراحة، وأساسا نقص في الفرح. فيما يخصني، لا أعتقد أن لي تفاؤل خاص، لكن كل ما اصطدمت بالسلبية الإنسانية للشيوعية، والتي تتعامل مع كل شئ بشكل تراجيدي، أريد أن أصرخ عاليا، أن أحتج و أقول: إنه بالرغم من ذالك فالحياة ليست هكذا.
تعرفت على أناس لا يستهان بهم، لم ينعموا ولو بعسلوج واحد و لا قرط من الشفقة و الإحسان، أو من الرحمة... إن السخرية توجد في العالم أكثر بكثير من الخبث. لكن رغم ذلك، نجد عند الناس تعاطف وثقة كبيرين، واستعدادا للمساعدة والإرادة الحسنة من أجل أن يكون لنا الحق في اليأس.
لا أومن بالكمال، لا بالنسبة لإنسان اليوم ولا بالنسبة لإنسان الغد. لا الثورة ولا كذلك إبادة الإنسان، سيجعلان من العالم جنة. لكن إذا استطعنا بشكل من الأشكال أن نجمع كل ما هو صالح وجميل عند كل واحد منا، كيفما كنا، أعتقد أنه و بالرغم من كل شئ، نستطيع بناء عالم أفضل ويكون هذا الحلم مسألة ممكنة. ستقولون ربما أن هذا نوعا من التجرد الإنساني الأبله. نعم، أنا واحد من هؤلاء المعتوهين الذين يحبون الإنسان لمجرد إنسانيته.
لنعطي مثالا: من السهل القول أن الغابة سوداء! لكن ولو شجرة من أشجار الغابة سوداء؛ إنها أشجار الصنوبر و فصيلتها، حمراء و خضراء. و من السهل بمكان –كذلك- القول أن المجتمع سيء..لكن، ابحثوا في هذا المجتمع عن الخبثاء.حاولوا محاكمة الناس من دون تعميمات عنيفة، فستجدون بعد وقت وجيز مبادئكم تتلاشى كالدخان.
لمواجهة الواقع، الشيوعية تفترض شكلا أعمى ومتعمد و مقصود. فحينما يكلمني أحد ما عن كره الألمان، تكون لي في كل مرة رغبة لنصحه بالذهاب للعيش معهم شهرا على الأقل، وبعد ذلك سأطلب منه هل لا يزال يحقد على مؤجره الألماني، هل يحس أو يشعر بالرغبة في قطع حنجرة البقال الجرماني، صاحب الأربعة فصول، أو خنق المرأة "التوتونية" المسنة (من التوتونيين، سكان ألمانيا الشمالية) التي تبيع له عود الثقاب..؟؟
من بين الخصائص غير أخلاقية لروح الإنسان، نذكر التعميم وكأنه هبة؛ إننا نريد أن نتبنى مقاربة تركيبية لتجاربنا، أما التعميم فيريد ببساطة إزاحتها. الجرائد الشيوعية لا تقول أي شيء عن العالم، إلا كونه فاسد كليا من رأسه إلى أخمص قدميه... الحقد، الجهل و الشك المنهجي... هو العالم النفسي للشيوعية.
التشخيص الطبي سيظهر سلبية باثولوجية. إنه مرض قابل الانتقال للإنسان الذي تستوعبه الكتلة، لكن في الحياة الخاصة، لا يمكن الدفاع عن نفس الموقف.
خذوا لكم مكانا ما في زاوية الشارع حيث يوجد أحد المتسولين، ولاحظوا من سيعطف عليه. سبعة على عشرة ممن سيقدمون له المساعدة، سيكونون من الشريحة الاجتماعية القريبة أو المؤهلة للوصول إلى عتبة الفقر؛ أما الآخرون سيكونون نساء. الشيوعي سيخلص إلى القول، بدون شك، أن البورجوازي فظ غليظ القلب. من جهتي أستخلص خلاصة جميلة و أقول، البروليتاري بشكل عام له قلب حنون، وهو في عمقه ميال إلى العمل والإحسان، وإلى الحب وروح التضحية.
الشيوعية بجفائها و حقدها الطبقي، تريد من هذا الإنسان غشاشا ومحتالا.
إن الفقير لا يستحق أن يهان هكذا.
عالم اليوم ليس في حاجة إلى الحقد و الكراهية، إنه في حاجة إلى النيات الحسنة والاستعداد للعمل والمساعدة، وكذلك للتفاهم والتعاون. إنه في حاجة إلى جو أخلاقي أكثر رحمة و اعتدالا.
أعتقد أنه بقليل من طيبوبة القلب، نستطيع تحقيق المعجزات. إن كنت أدافع عن هذا العالم، فليس لكونه عالم الأغنياء، بل لأنه كذلك عالم الفقراء، وكذالك عالم أولئك الذين يوجدون في الوسط، مطحونين بين حجر رحى الرأسمال والبروليتاريا، لا أولئك القابضين والمحافظين على جزء من القيم الإنسانية.
لا أعرف أناس كثيربن من بين مئات العائلات التي تكوّن وطننا، و لا يمكن لي محاكمتهم . لكني أصدرت أحكاما على الطبقة المسماة البرجوازية، اتهمت على أثرها بالتشاؤم الدنيء.. فأنا أقول أن البروليتاريا لا يمكن أن تعوض هذه الطبقة لكن قد تدخل ضمنها..
لا توجد ثقافة بروليتارية، ولا ثقافة أوروستقراطية، ولا ثقافة دينية.القيم الثقافية التي بقيت لدينا توجد لدى الطبقة الوسطى، و أولئك الذين نسميهم بالمثقفين.
إذا كانت البروليتارية تطالب بحقها في هذا التقليد، وإذا قالت " نعم، أنا مستعدة لأخذ زمام أمر العالم كما هو و بالقيم المتواجدة فيه"، في هذه الحالة نستطيع أن نجرب الأمر..
لكن إذا أدانت الشيوعية بشكل مسبق كل ما تعتبره "ثقافة بورجوازية"، لن يكون هناك حوارا ممكنا.
لقد قلت سابقا أن الفقر الحقيقي ليس مؤسسة، إنه البؤس والشقاء والتعاسة.
تستطيعون قلب كل الأنظمة، لكن لن تستطيعوا إنقاذ الإنسان من البؤس والحرمان، لكي لا يسقط مريضا، لكي لا يموت جوعا و بردا، و أن يكون في غنى عن يد الإنقاذ.
فمهما فعلنا، الواجب الذي تفرضه التعاسة على الإنسان يبقى هو هو، واجبا ليس اجتماعيا، لكن معنوي.
لذلك السبب، الشيوعية تتبنى خطابا عنيفا، خطاب الفارسيين؛ إنها لا تتكلم عن قيم المقارنة، أو عن المودة و التضامن الاجتماعي؛ إنها- كما تقول هي- ليست عاطفية.
هناك كذالك قضية العنف. أنا لست كالعوانس اللائي يقفزن كلما سمعنا هذه الصفة.
أعترف إنني رغبت أحيانا سقي الكذابين وأصحاب سوء النية. للأسف الفرصة لا تسمح، أو أنا الذي لست في المستوى أمام غريمي، أو أن غريمي ليس في مستوى الدفاع عن نفسه.
كما ترون، انأ لست مكسرا، لكن إذا قامت البورجوازية في مواجهة البروليتاريا، ستكون لي الجرأة الكبيرة لأكون من المساندين للضحايا. الإنسان الذي يحترم نفسه لا يمكنه أن يساند ذلك الذي يستخدم الترهيب...
أنعت دائما ب"النسبي" نظرا لخاصية عقلي ... لكن بحكم دراسة كل العلوم وأنواع الآداب، كان لي حظ سعيد لاكتشف أنه بقدر من الصبر والتواضع، قد نصل إلى التواصل و التفاهم بين الجميع مهما كانت معتقداتهم و ألوان بشرتهم.
هناك منطق عالمي إنساني –على ما يبدو- يشكل عمق القيم المشتركة بين كل الناس: الحب، المرح و الفكاهة، الشهية، التفاؤل، و أشياء أخرى جميلة.. من دونها ستكون الحياة نوع من الجحيم.
فبالرغم من كل شيء، أستطيع تفهم أفكار الشيوعية لكني لا أفهم منهجيتها. إنها تتكلم لغة غير لغتي...
و في الأخير، أعتقد أنه لا زال هناك حد أدنى من الأخلاق والعقل ليعترف الإنسان بأخيه الإنسان. لكن، منهجية الشيوعية أمام هذا، محاولة فسيحة للهدم ومحاولة للتسبب في خلاف دولي، من أجل تقسيم عالم الإنسان إلى قطع متفرقة و غير متجانسة لا يجمعها أي شيء...
نعم، لدي الكثير ما يقال، لكني أشعر بنوع من الراحة أني استطعت قول كل هذا. فهذه قناعتي الخاصة، و اختلافي مع الشيوعية ليس اختلافا حول المبادئ، بل حول قناعة خاصة. فإذا استطعت أن أناقش بقناعة أخرى، و ليس بالمبادئ، أعتقد أنه سيكون بالإمكان على الأقل التفاهم، و هذا سيكون فعلا شيئا كبيرا.
*أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بمكناس.
المقال للكاتب المسرحي و لروائي التشيكي كارل تشابيك (1890- 1938)، نشره سنة 1924، و قامت بترجمته وإعادة نشره بالفرنسية مجلة1989Lettre internationale :، عدد 19 ، ص 76 و 77 ، شتاء 1988/ ويعتبر هذا المقال من المقالات التي أثارت ضجة كبيرة في عشرينيات القرن الماضي، حول الصراع الإيديولوجي و علاقته بالأنظمة السياسية، بالإضافة إلى كونه سلط الضوء بقدر ما، على مستقبل الشيوعية في معاقلها، حيث تمخضت عنه نقاشات كثيرة و متنوعة، استمرت ما يقرب قرنا من الزمن.
ولا غرو إذا قلنا أن المقال لا زالت راهنيته بين أيدينا، خصوصا في هذا الظرف التاريخي بالذات، كما أن صاحب المقال كان ولا يزال حاضرا بيننا من خلال الانتقادات التي و جهها في ذلك الوقت للتقدم العلمي في العديد من كتاباته، وهو الذي اشتهر كذلك بالسخرية في بعض مؤلفاته المسرحية. و حسب العديد من المؤرخين، يعتبر كارل تشابيك أول من وظف كلمة "روبرت"/ الانسان الآلي، المأخوذة من القاموس التشيكي للغة حيث تعني "العبيد"، في كتاباته المسرحية.من أشهر رواياته "حرب السمندل" المنشورة سنة1936.
1- و هو ذو توجه محافظ و كان من أهم عوامل الحياة السياسية لتشيكوسلوفاكيا ما بين الفترة الممتدة من 1920 الى 1938 تأسس هذا الحزب سنة 1889
2- الحزب الوطني اليميني، الذي تأسس سنة 1918
3- من كبار شعراء البروليتاريا في تشيكوسلوفاكيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.