هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليازغي: أجهزة المخابرات استعملت سلاح الإشاعة لتخريب العمل المشترك بين حزبي الاتحاد والاستقلال
أزولاي كان مع تنحية البصري من حكومة تقودها الكتلة واليوسفي أجرى مشاورات مع أطراف أجهلها
نشر في المساء يوم 08 - 09 - 2011

تعود حكاية هذه الصفحات إلى سنوات طويلة، ليس التفكير فيها، بل تسجيلها، حيث كنت طرحت على الأستاذ محمد اليازغي في ربيع 1997،
أثناء وجودنا في مدينة ورزازات، مقترح أن يكتب مذكراته لما ستكون لها من قيمة سياسية وتاريخية، دون أن تكون هناك ضرورة لنشرها، ووافقني، لكن انشغالاته في مهامه الحزبية، ثم في مهامه الوزارية بعد مارس 1998، جعل الفكرة تغيب عن أحاديثنا.
في صيف 2003، أعدت طرح الفكرة عليه وأثناء مناقشتها، بدت لنا صعوبة أن يخصص يوميا وقتا لكتابة هذه المذكرات، فجاءت فكرة أن أسجل له، ليس مذكرات، بالمعنى المتعارَف عليه، بل تسجيل مساره كإنسان، على شكل حوار صحافي مطول، وهكذا كان. وسجلنا ما يقارب عشر ساعات، لكن النتيجة كانت فشلا، لأن جوابه عن كل سؤال كان جوابا عن كل شيء إلا عن شخصه ودوره وموقفه. كانت الساعات التي سجلتها، ليس عن محمد اليازغي بل تأريخا للمغرب وللحزب الذي انتمى إليه، إن كان من أجل الاستقلال أو من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في وطنه ولشعبه، وخلصت، مع أن خلاصتي لم تنل رضاه، إلى أن تجربة التسجيل غير موفقة أو على الأقل ليست كما تصورتها، وقبِل معي أن نعيد التسجيل، لكن بعيد ذلك، في نونبر 2003، انتخب كاتبا أول للحزب، فتأجل كل شيء. وفي صيف 2009، قررنا أن نعيد التجربة، فكانت هذه النتيجة، التي أستطيع القول إنني لم أنجح فيها، على الأقل بالنسبة إلي، في أن «أحفزه» على الخروج, بشكل كامل أو كبير نسبيا، من العامّ نحو الخاص الذي كان يتدفق منه خارج التسجيل في لقاءات ثنائية أو عائلية أو مع مجموعة من الأصدقاء، بل أكثر من ذلك كان التدفق أحيانا بعيد إنهائنا التسجيل، حيث كان، عدة مرات، يتحدث همسا أو يطلب إيقاف التسجيل ليشرح أو يُفصّل أو يروي. هذه الصفحات، ليست كل ما سجل، إذ كثيرا ما تذكرنا أحداثا ووقائع أثناء تفريغ الأشرطة أو التصحيح والمراجعة فأضفناها. هذه الصفحات، إذا لم تكن مذكرات، فإنها، وبالتأكيد، ستكون مرجعية لكل باحث أو مهتم بالشأن السياسي المغربي الحديث، لأنها ليست صفحات مراقب أو شاهد، بل هي صفحات فاعل ومؤثر، لعب دورا متميزا في مسيرة وطنه وحزبه.
- الملك الحسن الثاني التقى زعماء الأحزاب في صيف 1994 من أجل التداول حول الأمازيغية..
في شهر غشت 1994، استقبل الحسن الثاني في القصر الملكي بالصخيرات قادة الأحزاب الممثلة في البرلمان. وكان موضوع اللقاء، الذي حضرته بصفتي كاتبا أول بالنيابة رفقة محمد الحبابي، عضو المكتب السياسي، هو القضية الترابية وقضية الأمازيغية. وخلاله، أكد الملك أن إجراء الاستفتاء في الساقية الحمراء ووادي الذهب أصبح وشيكا، وأنه يريد معرفة موقف الأحزاب الوطنية من هذا الاقتراع. وبالنسبة إلى الأمازيغية، أخبرنا بأنه سيعلن عن إدخال تعلم اللهجات في منظومة التعليم. وعند إثارة القضية الوطنية، ذكَّرتُ الملك بمسؤولياته الدستورية في «صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات» وبكونه هو «الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة». وبينما كنا نهمّ بمغادرة القصر، وقفت معه على انفراد لأحثه على عدم القبول بإجراء الاستفتاء في حالة ما إذا حرم المغاربة الصحراويون من التسجيل في اللوائح الانتخابية، فرد عليّ مستفهما: وما هي الحجة القانونية على ذلك؟ فأجبته بأن المغرب لا يمكنه أن يقبل باستفتاء غير ديمقراطي. أما في موضوع الأمازيغية، فقد دافعت عن التعامل معها كلغة وطنية. وقال لي الملك بالنسبة إلى النقطة الأولى (الاستفتاء): أتمنى أن تتذكر ما قلته اليوم فيما يأتي من أيام. أما بالنسبة إلى النقطة الثانية (الأمازيغية)، فأكد أن للمغرب لغة وطنية واحدة هي العربية، أما الأمازيغية فهي لهجات سيقول بشأنها في خطاب ألقاه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، في 20 غشت، إنه «يجب، ونحن نفكر في التعليم وبرامج التعليم، أن ندخل تعليم اللهجات، علما منا بأن تلك اللهجات قد شاركت اللغة الأم، ألا وهي لغة الضاد، في فعل تاريخنا وأمجادنا».
وأتذكر أن المحجوبي أحرضان ركز في تدخله بالخصوص على دفاعه منذ الاستقلال عن مكانة اللغة العربية.
- تردد أن بلاغ القصر يوم 11 يناير، والذي تولى صياغته أحمد رضا اكديرة، كان بغرض الإساءة إلى إدريس البصري من خلال تضخيم دوره والتخويف منه..
لا شك أن استخدام وصف حماية العرش كمهمة لوزير الداخلية، وبالتالي دمجه ضمن مفهوم السيادة، يحمل أكثر من إشارة ومعنى، ومنها التحذير منه لاحتمال أن يكون أوفقيرا آخر يتآمر على الحسن الثاني. لكن اكديرة ادعى، في اتصاله الهاتفي بي، أن الحسن الثاني هو الذي صاغ مشروع البلاغ بنفسه.
وإضافة إلى موضوع مشاركة البصري، كانت هناك أيضا نقاط خلاف، لكنها لم تكن بتلك الحدة، مثل موضوع الإصلاحات السياسية والدستورية التي طرحتها أثناء الحوار مع الحسن الثاني، مؤكدا حاجة المغرب إليها، خصوصا ما يتعلق منها بانتخاب كل أعضاء مجلس النواب عبر الاقتراع السري المباشر، وهو المقترح الذي رفض الملك قبوله في البداية لأنه كان يعتبر أن الثلث غير المباشر هو للمنتجين، من رجال أعمال وصناعيين وفلاحين وتجار ونقابيين، وكان يعتبر أن الثلثين المباشرين من النواب هما لأصحاب الكلام فقط، وكان ردي أن للمنتجين مكانا خاصا بهم هو المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي أقره الدستور. وأكدت، بالإضافة إلى ذلك، أن القانون لا يمنع المنتجين من الترشيح للانتخابات التشريعية المباشرة.
وطلبت منه أن يعلن عن مبدأ الإصلاحات الدستورية، لكنه لم يقبل ورد بقوله: عندما تشكل الحكومة، آنذاك يمكنكم طرح مسألة الإصلاح الدستوري.
ورغم ما باءت به المحاولة من فشل، فإنني كنت مقتنعا كامل الاقتناع بأن موقفنا، كقيادة للكتلة الديمقراطية، كان صحيحا، خاصة وأن أغلبية مستشاري الملك كانت مواقفهم قريبة من موقفنا، بل أبلغنا إدريس السلاوي وأندريه أزولاي دعمهما لطرح تنحية إدريس البصري من الوزارة. وبعد ثلاث سنوات، سيقبل عبد الرحمن اليوسفي بمشاركة البصري كوزير للداخلية في حكومة التناوب، وكان قد أجرى، بعد استئنافه لمهامه ككاتب أول للحزب، مشاورات مع أطراف أجهلها.. فهل يكون الفقيه محمد البصري قد أقنعه بقبول وجود إدريس البصري ضمن التشكيلة الحكومية؟
ومن المفارقة أن بعض الاتحاديين، الذين كانوا يعارضون إجراء مفاوضات مع القصر الملكي فبالأحرى البحث عن اتفاق معه، وجدوا فيما بعد أن مشاركة إدريس البصري لا تؤثر سلبا على تجربة التناوب التوافقي ولا تخدش صورة الاتحاد عند الرأي العام.
- الحوار الثاني مع الملك عام 1994 كان أول حوار من نوعه بين القصر والقوى الديمقراطية منذ تولي الحسن الثاني العرش، من حيث الزمان الذي جرى فيه والمواضيع التي نوقشت فيه..
بعد أحداث مارس 1965، كان هناك حوار غير مباشر مع المهدي بن بركة عن طريق الأمير مولاي علي، وهذا الحوار لم يكتمل بسبب اختطاف واغتيال الشهيد بنبركة. والحوار المباشر الذي انطلق في الرباط لم يعمر طويلا بسبب تحفظ عبد الرحيم بوعبيد على المشاركة في الحكومة. أما الحوار الذي جرى سنة 1972، بعد فشل محاولة الانقلاب العسكري في الصخيرات ضد الحسن الثاني، فإنه توقف بسبب خطأ تكتيكي لعبد الله إبراهيم، إذ لم يكن الاتحاد والاستقلال على مستوى جيد من التنسيق بعد خمول الكتلة الوطنية التي تأسست سنة 1970، كما لم تكن البلاد تعيش أزمة استقرار للنظام، ولم تكن هناك قضية الوحدة الترابية وما تبعها من انفتاح سياسي، أوصلنا إلى انتخابات حتى لو شابها الكثير من التدخل الإداري، وإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين وعودة المغتربين.
وفي المحيط الجغرافي، عرفت سنتا 1974 و1975 تحطيم الديكتاتوريات التي كانت متمركزة في الشمال، ديكتاتورية فرانكو في إسبانيا وديكتاتورية سالازار في البرتغال؛ وفي الشرق (الجزائر) تخلخل ورثة النظام الاستبدادي لهواري بومدين، فقد ظل المغرب لسنين طويلة محاطا بهذه الدول غير الديمقراطية. وفي سنة 1988 عرفت الجزائر مظاهرات ووجهت بقمع شديد خلف أكثر من 400 قتيل، ثم دخلت مرحلة جديدة شهدت خلالها انطلاق حركة إصلاحات سياسية ودستورية وعملية تغيير في نظام الحزب الواحد. وستعرف نفس المرحلة سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك المعسكر الشيوعي في نونبر 1989.
ومن المؤكد أن البيئة الجهوية التي تحيط بالمغرب (تطور إسبانيا والبرتغال والتغيير في الجزائر) لم تعد تسمح للمغرب بأن يبقى على الوضع الذي كان عليه، فقد أصبحت قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات مطروحة بقوة في المجتمع الدولي، وأصبح لها تأثيرها على كل البلدان وعلى العلاقات بين الدول. وهذا أثر على القصر وعلينا كقوى ديمقراطية. وبالنسبة إلينا كاتحاد اشتراكي، كنا مطمئنين إلى كون اشتراكيتنا لم تكن من ذلك النوع الشمولي الذي كان يتبناه المعسكر الشيوعي، بل كانت أقرب إلى الاشتراكية الديمقراطية التي تعرفها أوربا الغربية رغم العلاقات التي كانت تربطنا بالأحزاب الشيوعية في المعسكر السوفياتي.
وهذا التحول والتغيير في المحيط والعالم، والتنسيق والتعاون المشترك على مدى السنوات الممتدة ما بين 1984 و1994، قرَّبا، نظريا وفكريا، بيننا وبين حزب الاستقلال، فلا شك أن حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي التقطا ملامح هذه المرحلة الجديدة التي ستعرفها البلاد. وكما قلت آنفا، فقد لمست رغبة في التغيير أيضا لدى الحسن الثاني الذي وجد نفسه أمام تكتل يمثل القوى الحية في البلاد، يجب أخذه بعين الاعتبار؛ فانخرط، لأول مرة، في مفاوضات حقيقية، دامت لمدة طويلة. وقد حظيت بشرف تمثيل الاتحاد الاشتراكي، إلى جانب امحمد بوستة عن حزب الاستقلال وعلي يعتة عن حزب التقدم والاشتراكية ومحمد بنسعيد آيت يدر عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي. صحيح أن هذه المفاوضات لم تنته إلى اتفاق، بسبب تشبث الحسن الثاني بالإبقاء على وزيره في الداخلية إدريس البصري، إلا أنها (مفاوضات 1994-1995) كانت تفردا وتميزا طبع الحياة السياسية المغربية، باعتبارها دامت عدة أسابيع، مما دل على أن تعامل الحسن الثاني معنا ككتلة ديمقراطية مختلف تماما عن تعامله السابق معنا بل واللاحق أيضا.. إلى حين وفاته.
- أثناء الحوار الطويل، كيف كانت علاقتك بالحسن الثاني؟
كانت الأجواء في بداية اللقاءات عام 1993 عادية، لكنها اتسمت بتوخي نوع من الحذر من جانبي، غير أن العلاقات أصبحت بعد ذلك جيدة، على الأقل ظاهريا. وكان الملك بشوشا أثناء استقبالنا، خصوصا في المرحلة الثانية، أي مفاوضات 1994-1995 التي دامت ثلاثة شهور والتي تمت كل جلساتها مع الحسن الثاني شخصيا، باستثناء الجلسة الأخيرة التي انعقدت مع احمد رضا اكديرة والتي سألنا فيها حول الموقف النهائي من وزير الداخلية ادريس البصري.. وكان واضحا أنه أتى حاملا رسالة فحواها توقف المفاوضات وتخلي الملك عن تكليف امحمد بوستة بتشكيل الحكومة.
ولم يكن لجلسات المفاوضات تلك جدولُ أعمال دقيق متفق عليه مسبقا، لكن قيام حكومة التناوب كان هو الموضوع المطروح دائما.. إذ كانت تجري نقاشات حول الأوضاع في البلاد، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، وكذا حول الأوضاع الدولية.. كل هذه المواضيع كانت تطرح وتناقش.
خلال الشهور الثلاثة، من أكتوبر 94 إلى يناير 95، كان الحوار مسؤولا ورفيع المستوى، أبدى الحسن الثاني خلاله قابلية للاستماع إلينا، ولم يصدر عنه البتة رفض أو معارضة لأية قضية طرحناها، رغم أننا كنا نختلف معه أثناء النقاش في قضايا عديدة، حيث حاولنا من جانبنا توضيح رؤيتنا كما حاول هو من جانبه توضيح رؤيته، وهو ما اعتبرناه مؤشرا على رغبة لديه في دخول البلاد مرحلة جديدة على غير عادته. لكنني استنتجت، شخصيا، أن إصرار الملك على إبقاء إدريس البصري ضمن وزراء حكومة التناوب معناه أنه لا ثقة له فينا كقيادات لأحزاب الكتلة الديمقراطية.
- التقيت محمد بنسعيد آيت يدر في اليوم التالي لخطاب ذكرى المسيرة 1994، وقال لك إنه في الرباط بغرض الاجتماع مع بوستة ومعك لقراءة خطاب الملك..
في تلك الفترة، كان هناك تطور كبير على مستوى التنسيق بين الأحزاب الثلاثة، منظمة العمل الديمقراطي الشعبي والاستقلال والاتحاد الاشتراكي، حيث كان ثمة تشاور مستمر بيني وبين امحمد بوستة ومحمد بنسعيد آيت يدر حول كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالبلاد، وكنا نتبادل كل المعطيات والمعلومات التي لدى كل واحد منا لنتبنى رؤية موحدة حول ما يجري سواء داخل القصر الملكي أو داخل الوطن أو لدى خصومنا السياسيين أو في دواليب الحكومة ودواليب السلطة الترابية.
ويمكن أن أقول إن الثقة الكبيرة التي نسجناها بيننا نحن الثلاثة، واللقاءات سواء الثنائية بين القيادات التنفيذية لحزبينا أو على مستوى الهيئة العليا للكتلة الديمقراطية، خلقت وضعا جديدا في المغرب من تجلياته البارزة أن الأحزاب الديمقراطية أصبح لها تأثير قوي في مجرى الأحداث سينعكس في التطورات التي عرفها وسيعرفها المغرب بعد ذلك.
- وأيضا داخل كل حزب لأنك استعنت بالسي بوستة لإقناع الأموي..
نعم، لأن نوبير الأموي، الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل وعضو المكتب السياسي، لم يكن مرتاحا لمسار المفاوضات مع القصر الملكي، كما لم يكن مرتاحا في مراحل لاحقة، لكنه لم يكن يطرح أي خطة بديلة أو أي تكتيك جديد ينتظم العلاقات بين الاتحاد والقصر الملكي. وقد استطاع امحمد بوستة إقناعه بالفعل بأن يكون إيجابيا، هذا الأخير (بوستة) الذي كان بعض الإخوة في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي متحفظين على توليه الوزارة الأولى على اعتبار أن حزبنا كان هو الفائز الأول في الانتخابات المباشرة سنة 1993، وهو ما يبرر إلحاح القصر الملكي على مشاركة الاتحاد في الحكومة. أما أنا فقد قبلت أن يكون امحمد بوستة وزيرا أول، وذلك، أولا، لأنه الأمين العام لحزب الاستقلال، الحليف الاستراتيجي للاتحاد الاشتراكي، ولن أنسى أن امحمد بوستة دعم اقتراحي القاضي بإبعاد إدريس البصري من وزارة الداخلية، ووقتها كان كاتبنا الأول معتكفا بمنزله في فرنسا، ثم إننا اتفقنا جميعا -نحن مسؤولي أحزاب الكتلة- على ترك الصلاحيات الكاملة للملك كي يختار واحدا من قادة الكتلة وزيرا أول مكلفا بتشكيل الحكومة.
- هل أجرى الحسن الثاني اتصالات مع عبد الرحمن اليوسفي إبان الحوار معكم؟
كان الحسن الثاني قد بعث مستشاره محمد عواد لإقناع عبد الرحمن اليوسفي بالرجوع إلى المغرب، لكن الأخير لم يكن قد اتخذ بعد قرارا بالعدول عن استقالته من الكتابة الأولى للاتحاد أو العودة إلى الوطن، كما لم يطرح، على حد علمي، شروطا للقبول بتلك العودة.
شخصيا، لم يبلغني عبد الرحمن اليوسفي بأي عتاب أو معارضة للمفاوضات التي جرت بين القصر وقيادة الكتلة الديمقراطية، لكنني سمعت من بعض الإخوان الذين زاروه في مدينة «كان» بأنه لم يبد ارتياحا لهذه الحوارات، ولو أنه أبلغني بذلك لقلت له إنني أنوب عنه، لأن قيادة الكتلة الديمقراطية لم تستقل، كما أنه لم يكن من الممكن للمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي أن يعمل على تجميد نشاط هذا التحالف.
وكما زار عبدَ الرحمن اليوسفي في مدينة «كان» الكثيرُ من الإخوان في القيادة وحتى من المناضلين أعضاء اللجنة المركزية، فقد زرته أنا أيضا، وظلت العلاقات بيني وبينه عادية ورفاقية، حتى إني كنت صريحا معه وشرحت له أن استقالته من الكتابة الأولى وذهابه إلى الخارج لم يكونا في محلهما، وبالتالي فالمسؤولية تفرض عليه أن يرجع إلى موقعه داخل الحزب لمباشرة المهام التي انتخب من أجلها، وما دمنا كمكتب سياسي قد تشبثنا به ككاتب أول فمن الواجب عليه أن يعود إلى أرض الوطن وإلى مسؤولياته الحزبية.
- التنسيق مع حزب الاستقلال بهذا المستوى كان تطورا لم يعرفه المغرب بين أحزابه منذ الاستقلال، هل هذا راجع إلى طبيعة شخصيتك وشخصية امحمد بوستة؟
لقد كان التنسيق المشترك بين الحزبين في ما يتعلق بالمفاوضات مع الحسن الثاني تطورا طبيعيا لهذا المسلسل من التعاون والتحالف, غير أن صراعات قواعد الحزبين القوية في الأقاليم والفروع، خصوصا على مستوى المجالس المحلية، كانت تعيق أحيانا عملنا المشترك هذا، فكنت أشرح لإخوتنا في القواعد أننا كتلة ديمقراطية، وأنه ما من شيء يكون لصالح هذا التحالف إلا ويكون بالنتيجة الحتمية لصالح كل حزب مشارك فيها، ومعنى ذلك أننا لا يمكن أن نتصور حزبا داخل الكتلة يجني نتائج إيجابية لوحده؛ وكمثال على ذلك، فقد فاز حزب الاستقلال لأول مرة بمقعد في الانتخابات التشريعية المباشرة في الرباط سنة 1993 في إطار الترشيح المشترك كما فاز الاتحاد لأول مرة بمقعد في مدينة الحسيمة.
ومن المؤكد أن الإدارة الترابية كانت تسعى، بكل الوسائل، إلى تخريب هذا العمل المشترك وهذا التنسيق، فوزارة الداخلية وأجهزة المخابرات كانت دائما تحاول الإيقاع وإشعال فتيل الصراعات بين قواعد الحزبين، خاصة من خلال استعمال سلاح الإشاعة الهدام، حيث تم في صفوف قواعد الاتحاد ترويج إشاعة مفادها أن المستفيد من الكتلة هو حزب الاستقلال وليس الاتحاد، فيما تم في صفوف قواعد حزب الاستقلال ترويج إشاعة أخرى فحواها أن الخصم الحقيقي لحزب الاستقلال هو الاتحاد الاشتراكي.
قد يكون مستوى التنسيق والتحالف بين الاتحاد والاستقلال عائدا إلى اقتناعي بأنه لا يمكننا أن نتقدم كحزبين وطنيين، بل لا يمكن أن يتقدم الوطن برمته، إلا في إطار من التعاون والتنسيق المحكم بين الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال أساسا، رغم كل ما عاشه الحزبان من صراعات منذ سنة 1959. لقد التقى في ذلك الظرف التاريخي اقتناعي واقتناع امحمد بوستة الذي لا شك لعبت شخصيته دورا إيجابيا في المسار والتطور الذي عرفته الأحداث، فهو إنسان لديه قدرة على التقاط اللحظات التاريخية والاستفادة من التجارب، وبكل تأكيد فقد وصل -بعد تجربته السياسية والنضالية الطويلة والعميقة وتجربته الحكومية التي امتدت من سنة 1977 إلى 1983 كوزير للخارجية، وأيضا بعد قيادته لحزبه في المعارضة- إلى اقتناع بأنه لا يمكن إخراج البلاد من وضعيتها وأزماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلا بالتعاون أساسا مع الاتحاد الاشتراكي، رغم كل ما يعتمل في صدور أطر حزب الاستقلال من نفور من الاتحاديين.
كان امحمد بوستة حريصا على تطبيق وصية علال الفاسي ساعة قبل وفاته في بوخارست سنة 1974 والتي تحثه على التعاون مع الاتحاد الوطني. ومن جهتي، فقد اعتبرت إمضاء عبد الرحيم بوعبيد مع امحمد بوستة المذكرة المشتركة للحزبين حول الإصلاح الدستوري والسياسي المرفوعة إلى الملك وصية بالتعاون مع حزب الاستقلال.
لقد لعبت تجربة الانتخابات المحلية عام 1983 والتشريعية عام 1984 دورا هاما في دفع حزب الاستقلال إلى المعارضة، فالسلطة ثبتت حزبا إداريا جديدا ودعمته بوسائل غير مشروعة ليحتل المرتبة الأولى في الانتخابات المحلية والانتخابات التشريعية.
- كنت أول من أطلق لقب «الحزب السري» على وزارة الداخلية..
أظهر تعاملُ وزارة الداخلية مع الانتخابات التشريعية والجماعية والمهنية أنها تتصرف في الواقع كحزب سياسي يشتغل في الخفاء، فأطلقت في إحدى الخطب مفهوم «الحزب السري» في إشارة إلى وزارة الداخلية على اعتبار أنها هي التي تبحث عن المرشحين للأحزاب الإدارية، وهي التي تعمل على تقويتهم وتنظيمهم وتسعى إلى إنجاحهم، إن استطاعت بالوسائل العادية أو بشراء الأصوات فهو ذاك، وإن لم تستطع فمن خلال تزوير المحاضر صراحة، وهذا هو المشكل الذي عاشه المغرب منذ أول انتخابات سنة 1963. ولما أطلقت وصف «الحزب السري» على وزارة الداخلية، أزعج ذلك إدريس البصري وجهازه لأنه كان وصفا حقيقيا، وأصبح المغاربة يعرفون أن هذه هي الحقيقة السياسية في المغرب خلال تلك الفترة.
وإذا أضفنا إلى تعبير «الحزب السري» تعبير «الانتخابات المخدومة» الذي أطلقه امحمد بوستة في إحدى مداخلاته في البرلمان، تكتمل الحلقة. وهذا التوضيح للخريطة السياسية يسهل عملية تعبئة المناضلين والمواطنين حتى لا يخطئوا الخصم الذي لم يكن هو الأحزاب أو المرشحين، فتلك ليست أدواتهم، بل هو ذلك الجهاز السري الذي يخطط ويرتب مستغلا وسائل الدولة وجهازها الإداري القوي ومخابراتها ومصالحها العامة المنتشرة في كل البلاد من خلال الشيوخ والمقدمين في كل الأحياء والمداشر.. بالتأكيد أن من شأن معرفة وتوضيح الصورة أن يسهلا على المناضلين التعبئة لمواجهة التزوير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة