لم يخرج البيان الختامي للمجلس المركزي الذي التأم يومي 28 و29 أكتوبر الجاري عن سياق القرارات السابقة؛ حيث أعاد التأكيد على ما تم التأكيد عليه سابقا من ضرورة تنفيذ القرارات السابقة بشأن الاعتراف بإسرائيل والتنسيق الأمني وبروتوكول باريس الاقتصادي ورفض صفقة القرن، مع تكليف الرئيس أبو مازن واللجنة التنفيذية بتنفيذ مقررات المجلس، ويقوم الرئيس بتشكيل لجنة لهذا الغرض. مجرد طرح هذه الموضوعات للنقاش أمر جيد لأنه يجد هوى عند الشعب المقهور والمسحوق تحت وطأة اتفاقية أوسلو وتوابعها، وأن تصدر قرارات بهذا الشأن أمر جيد أيضا. لكن السؤال: متى سيتم التنفيذ؟ وهل ستتحول قرارات القيادة الفلسطينية حول الشأن الفلسطيني مثل قرارات الأممالمتحدة حول القصية الفلسطينية؟ وهل نملك ترف الوقت لنشكل في كل مرة لجانا للبحث في آليات تنفيذ القرارات؟ ولماذا لم يتم وضع سقف لتنفيذ القرارات؟ والأهم من كل ذلك هل تمت تهيئة البديل الوطني الذي يملأ الفراغ في حالة التحرر من اتفاقية أوسلو والتزاماتها، والبديل إما منظمة التحرير الفلسطينية التي تستوعب الجميع أو تجسيد قيام الدولة الفلسطينية فعليا؟ قبل الاستطراد نريد التأكيد أن كل ما نكتب حول منظمة التحرير والمجلس المركزي ينطلق من خشيتنا على المنظمة والحاجة الملحة إلى إعادة تفعيلها. ومن هذا المنطلق ونظرا لغياب بديل وطني ومرجعية وطنية جامعة للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات للحلول محل منظمة التحرير الفلسطينية، فقد دافعنا عن عقد الدورة الثالثة والعشرين للمجلس الوطني في مايو الماضي على الرغم من معارضة أحزاب وشخصيات وطنية، كما أكدنا على ضرورة الدعوة خلال الدورة الثالثة والعشرين إلى دورة توحيدية يتم تحديد موعدها، وأن الحكم على الدورة الثالثة والعشرين للمجلس الوطني يكون من خلال مخرجاتها، كما نتفهم انعقاد دورات المجلس المركزي لاحقا. إلا أن الذي جرى منذ دورة المجلس الوطني الأخيرة أن الرياح هبت عكس ما تتطلب سفن الانقاذ الوطني، وهذا ما تجلى بداية من خلال طريقة لملمة النِصاب العددي للمجلس الوطني واستمرار مقاطعة فصائل وازنة كالشعبية والديمقراطية لاجتماعات المجلس، أيضا من خلال المخرجات النصية أو القرارات التي لم تصاحبها آلية واضحة للتنفيذ حتى الآن، والقرار بدون تنفيذ يعني ألا قرار وسيكون مجرد شكل من أشكال البروباغندا والزعم بوجود تغيير سياسي. فكيف نقول إن مبرر سرعة الدعوة إلى عقد المجلس الوطني في موعده نهاية أبريل وفي داخل الأراضي المحتلة هو مواجهة قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس منتصف مايو ومواجهة صفقة القرن التي تنفذ فعليا على الأرض، ثم يتم اتخاذ قرارات ملتبسة وينفض المجلس دون وضع آلية لتنفيذها وقد مر على عقد المجلس الوطني أكثر من ستة اشهر!!!، هذا بالإضافة إلى استمرار الارباك والتخبط في التعامل مع ملف المصالحة والإجراءات ضد غزة، وهي الإجراءات التي كانت مخرجاتها مُعزِزة للانقسام وصبت في خدمة حركة حماس وأضرت بالقوى الوطنية في غزة حتى وإن كانت (الإجراءات) تروم غير ذلك، كما لم يتم تحديد موعد لدورة مجلس وطني توحيدي، وعندما تم تفويض صلاحيات المجلس الوطني للمجلس المركزي لم يكن مصير قرارات المركزي عندما اجتمع لاحقا في أفضل حال من قرارات المجلس الوطني. ما جرى لا يدعم القول بأن الإصرار على عقد المجلس الوطني كان هدفه مواجهة التحديات الراهنة لأن ما جرى غيَّر من بنية ووظيفة ومنطلقات منظمة التحرير ولكن ليس في الاتجاه المأمول، وكأن عملية تطويع قسري تجري لمنظمة التحرير، بوعي أو بدون وعي، لمتطلبات تسوية سياسية تلوح في الأفق وعملية إعادة ترتيب للعلاقة بين المنظمة والسلطة. عندما يُحيل المجلس الوطني صلاحياته للمجلس المركزي المُشكل في غالبيته من موظفي السلطة ومع عدم تنفيذ المركزي لقراراته، فهذا معناه مزيد من إخضاع المنظمة للسلطة وحساباتها والتزاماتها؛ الأمر الذي يشكل انقلابا على الأسس والمرتكزات والأهداف التي قامت على أساسها المنظمة، كما أنه لا يدعم القول بأن ما يجري يندرج في سياق تهيئة المنظمة لتقود الشعب الفلسطيني في حالة انهيار السلطة لأي سبب من الأسباب. يبدو وكأن هناك توجها غير مُعلَن لإنهاء وجود منظمة التحرير الفلسطينية بمضامينها ودلالاتها السياسية الأولى، أو تغيير وظيفتها، وهو توجه بدأ مبكرا مع الإعلان عن الدولة الفلسطينية في المجلس الوطني في الجزائر عام 1988. منذ ذلك التاريخ تجري عملية إزاحة للحالة الفلسطينية من حالة تحرر وطني إلى حالة الدولة. كانت البداية عندما تم تحويل مكاتب منظمة التحرير في الخارج إلى سفارات، تحويل صلاحيات دوائرها إلى وزارات السلطة، تباعُد دورات عقد المجلس الوطني حيث عُقدت الدورة الأخيرة بعد أحد عشر عاما من الدورة السابقة–دورة غزة 1996– تواتر عقد المجلس الوطني داخل مناطق السلطة، غياب عدد من ممثلي فلسطينيي الشتات، مقاطعة فصائل وازنة في المنظمة، بالإضافة إلى الأحزاب غير المشاركة أصلا في المنظمة، لدورة المجلس الوطني الأخيرة ودورات المركزي لاحقا، عدم فعالية مؤسسات منظمة التحرير بل وإلغاء بعضها وتغيير وظيفة أخرى، أدى الاعتراف بفلسطين دولة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تهميش الاعتراف بمنظمة التحرير الذي تم عام 1974 كما هو الحال في التمثيل الدبلوماسي؛ حيث لا يجوز وجود عنوانين ممثلين للشعب الفلسطيني، وأخيرا إحالة صلاحيات المجلس الوطني للمجلس المركزي الذي أصبح مقره في المقاطعة في رام الله. إن لم تتم إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير لتستوعب الكل، وإن لم يؤكد المجلس المركزي على التزامه بروح المنظمة وصفتها التمثيلية للكل الفلسطيني في داخل فلسطين وخارجها، وإن لم يتخذ المجلس المركزي موقفا عمليا حاسما وليس مجرد قرارات ولجان بإعادة النظر في كل ما يربط الشعب الفلسطيني باتفاقية أوسلو، وخصوصا الاعتراف بإسرائيل والتنسيق الأمني وبروتوكول باريس الاقتصادي، إن لم يحدث ذلك فقد يؤول الأمر على تصفية منظمة التحرير ببطء وصمت وتحويل المجلس المركزي إلى كيان بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية أو مجلس تشريعي للسلطة في الضفة في مقابل المجلس التشريعي لسلطة حماس في غزة، وخصوصا في حالة ما أُتُخِذ قرار من المحكمة الدستورية أو غيرها بحل المجلس التشريعي. كان من الممكن قبول هذه الإزاحة أو الانتقال من منظمة تحرير إلى دولة لو أن الدولة الفلسطينية قريبة التحقق فآنذاك يمكن تفهم تجاوز منظمة التحرير أو إعادة النظر في وظيفتها بل وجودها، ولكن في ظل تباعد فرصة قيام الدولة المستقلة في غزة والضفة وعاصمتها القدس، فإن الحاجة أكثر الحاحا إلى منظمة التحرير المتجددة لمواجهة التحديات القادمة، وإلا سنصل إلى مرحلة نصبح فيها بدون منظمة تحرير وبدون دولة. يبدو أن حالة التيه والضياع وغياب استراتيجية وطنية ما زالت تمسك بتلابيب النظام السياسي بكل مكوناته. ففي الوقت الذي تتحدث فيه قيادات في المنظمة عن توجه لإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير، وفي الوقت الذي تواصل فيه الحركات المعارِضة لنهج المنظمة، كحركة حماس والجهاد والجبهتين الشعبية والديمقراطية، المطالبة بتنفيذ مخرجات بيروت حول منظمة التحرير وضرورة إعادة بنائها بالإضافة إلى رفعها لخطاب المقاومة، نلمس ممارسات عملية من كل الأطراف تتناقض كليا مع ما يصرحون به. [email protected]