كتبنا وتحدثنا كثيرا عن مسؤولية حركة حماس عما يجري وعن أخطائها وأخطاء حلفائها بل تآمرهم على المشروع الوطني، وانتقدنا موقف وسلبية أطراف المعارضة الأخرى سواء المحسوبة على منظمة التحرير أو مما هي خارجها ممن استمرؤوا حالة التموقع كمعارضة أو كمحايدين مستكفين بالتنديد ب (طرفي الانقسام) حسب تصنيفهم، كما كتبنا وتحدثنا عن تآمر بعض الأطراف العربية من خلال التطبيع أو التساوق مع صفقة القرن، ولكن، ما الذي تفعله منظمة التحرير لمواجهة كل ما يجري؟ وهل إدانة الأطراف الأخرى يبرئ منظمة التحرير وقيادتها من المسؤولية عما يجري؟ . الشعب الفلسطيني بات واعيا ومدركا ما يحاك ضده من خلال صفقة القرن، كما انكشفت له مواقف وسياسات حماس وعقم المراهنة على الأنظمة العربية ومحدودية قدرة المنتظم الدولي على وقف العدوان الأمريكي الصهيوني على حقوق شعبنا، وبالتالي وحسب منطق الأمور ليس أمامه إلا المراهنة على ممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية . لأن منظمة التحرير تؤكد أنها تمثل كل الشعب في الوطن والشتات فإن صفة تمثيل الشعب ليست مجرد نصوص على ورق أو جواز سفر لاكتساب شرعية لمخاطبة العالم، بل هي مسؤولية فعلية وواقعية تحتم على المنظمة طرح خارطة طريق لإستراتيجية وطنية لكيفية مواجهة الاحتلال وصفقة القرن ومواجهة الانقسام والانفصال، ليس خطة طريق نظرية فقط بل مصحوبة بممارسة عملية من خلال الخروج من مصيدة اتفاقية أوسلو وملحقاتها وتطبيقاتها على الأرض، وخصوصا أن إسرائيل نفسها تقول إن اتفاقية أوسلو انتهت وأنهتها فعليا بما تمارسه على الأرض، وواشنطن أعلنت ذلك مبكرا ومجرد طرحها لصفقة القرن يعني تجاوزها لاتفاقية أوسلو، ويبدو أن منظمة التحرير وحدها من يلتزم بأوسلو . كان على منظمة التحرير أن تُعيد النظر مبكرا بالتزاماتها بعملية التسوية القائمة على اتفاق أوسلو، وقد افتضح أمر اتفاقية أوسلو ونوايا تل أبيب وواشنطن في أكثر من محطة، بداية عندما انتهت المرحلة الانتقالية في مايو 1999 دون التقدم في قضايا الوضع النهائي، ثم بعد اجتياح الضفة 2002 ومحاصرة أبو عمار، وبعدها عندما أعلن الرئيس أبو مازن عن وقف المفاوضات 2010 عندما اكتشف أنها عبثية وبدون مرجعية وشكك بحيادية واشنطن وأهليتها لرعاية عملية المفاوضات، وأخيرا عند مجيء ترامب وسياساته المنقلبة على كل مرجعيات وتفاهمات التسوية السياسية والمعادية بالمطلق للشعب الفلسطيني . مواصلة إسرائيل لانتهاكاتها وواشنطن لتحيزها وعدائها دفع المجلس المركزي لمنظمة التحرير في دورات اجتماعه المتعاقبة منذ مارس 2015 والمجلس الوطني في اجتماعه الأخير إلى اتخاذ قرارات تتعلق بإعادة النظر في الاعتراف بإسرائيل وبوقف التنسيق الأمني معها وإعادة النظر ببروتوكول باريس الاقتصادي وإعادة النظر في طبيعة السلطة ووظيفتها، ولكن دون الإقدام على تنفيذ القرارات، فهل هو العجز والفشل أم استمرار المراهنة على العودة إلى طاولة المفاوضات من خلال التسوية الجديدة؟ . نفس الأمر بالنسبة إلى إدارة ملف الانقسام، لا يكفي أن تقول المنظمة إنها غير مشاركة في جريمة الانقسام والانفصال وغير مسؤولة عن حصار القطاع وأزمات حياته المعيشية، ولا يكفي أن تُكيل الاتهامات لحركة حماس ومن يدعمها، ولا يكفي أن تقول بأنها تواصل الدعم المالي للقطاع من رواتب أو مشاريع، كما من الخطأ أن تراهن على انقلاب وتمرد الشعب على حركة حماس...، بل ينتظر الشعب من منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد خطوات عملية ومنطقية لإنهاء هذا الانقسام، وخصوصا أن جزءا من الشعب يعتبر إجراءات السلطة تجاه القطاع مشاركة في جريمة الانقسام من حيث إنها عززت الانقسام وباعدت ما بين الضفة وغزة، حتى وإن كانت النوايا غير ذلك . وأخيرا، وحيث لا يوجد في السياسة طريق مسدود وخصوصا عندما يتعلق الأمر بمصير الشعوب، فما زال في يد منظمة التحرير ورقة قوة تُمكنها من تصحيح أخطائها وإخراجها من مصيدة أوسلو، ونقصد ها هنا تنفيذ قرارات المجلس الوطني التي تؤكد على قرارات المجلس المركزي في دوراته الأخيرة المُشار إليها وخصوصا إعادة النظر في الاعتراف بإسرائيل أو بشروط الاعتراف وإعادة النظر بالآلية المتبعة في التنسيق الأمني معها وإعادة النظر ببروتوكول باريس الاقتصادي. أما بالنسبة لحركة حماس فورقتا القوة التي بيدها هي عدم اعترافها الرسمي بإسرائيل وامتلاكها وفصائل المقاومة الأخرى للسلاح، وهما ورقتان تلوح بهما أيضا مقررات المجلس المركزي والمجلس الوطني الأخيرة . لو نفّذت قيادة منظمة التحرير قرارات المجلس المركزي، ولو بددت حركة حماس مخاوف المشككين بمشروعها السياسي وبأهدافها من توقيع الهدنة وتهربها من تنفيذ تفاهمات المصالحة؛ فإن المشهد السياسي الفلسطيني سيتغيّر إلى الأفضل، وتصبح هناك فرصة للتأثير على مجريات تطبيق ما تسمى صفقة القرن بما هو أكثر من الشعارات. [email protected]