"البوصلة البيداغوجية": غايتنا من الموضوع تقييم وتطوير بيداغوجية التكوين، انطلاقا من "المقاربة المعرفية" المركزة على "الاشتغال الذهني" والمنعكسة على "الأداء المهني". فإذا كان التعليم مهنة بين سائر المهن، فإن "المهنية" معرفة والتكوين سيرورة لها، وما يتشكل في ذهن المتعلم-المتدرب هو ما سيمارس في السلوك والأداء المهني. نعتمد في مقاربتنا على "الميتامعرفة" التي تمكننا من الوعي وانتقاء الاستراتيجيات وضبط الآليات، أي "بنينة التفكير البيداغوجي". ف"الميتامعرفة البيداغوجية" هي الأكثر فعالية في التأثير على مستوى التكوين وعلى مستوى الأداء المهني للمتدربين، تمكن من التعامل النقدي مع المقاربات البيداغوجية وتؤصل نظريا وعلميا للمقاربات بعيدا عن الإسقاط والتجريبية، وتصوغ مفاهيم بيداغوجية تراعي المتغيرات المحلية والكونية، وتضمن "العمق المعرفي" الذي يربط بين "التكوين" و"المهنية". إنها مقاربة استكشافية تبحث عن مواطن القوة والنقص في البيداغوجيات وليست اختبارية تقوم بتجريب البيداغوجيات دون تبييئها، فأغلب لقاءاتنا التشاورية والتكوينية والتخطيطية تشير إلى مشاكل الهندسة البيداغوجية، المجسدة في كثرة المقاربات البيداغوجية وتنوعها واستيراد النماذج من الخارج والبحث عن التغيير السريع في المناهج التعليمية مما يخلق ارتباكا في الرؤية، ثم سيادة المقاربة التقليدية في التدريس، وعدم وضوح المضامين العلمية والتربوية. حقيبة بيداغوجية: (ديداكتيك معرفية ومهنية) هذه المقاربة هي بحث عن التمفصلات بين "الديداكتيك المهنية" و"ديداكتيكات المعارف المهنية"، أي البحث عن "مهنية التعليم" ضمن نموذج "الأستاذ المهني". فالأسس المستعملة في التكوين المهني تتغير بواسطة الرؤى الجديدة، مما يؤثر على "مرجعية التكوين"، وبالتالي تتغير عناصر التحليل المرتبطة بأية ممارسة تعليمية، أي إننا أمام تحليل نشاط الأساتذة من جهة، والبحث عن المعارف المهنية التي تصقل هذا النشاط المهني من جهة أخرى. فنحن أمام ديداكتيكيتين ("ديداكتيك المعرفة" و"ديداكتيك الممارسة") ونبحث عن التفاعل بينهما وتخصيبهما، وهذا يهم المكونين والأساتذة المستقبليين والأساتذة الباحثين. هناك قاسم مشترك بين كل الأشكال الديداكتيكية: أن (التعليم لا يجد معنى إلا بمرجعية سيرورات التعلم)، والهدف هو وضع "نمذجة" للوضعية المهنية لبلورة بداية براغماتية للتكوين، على أساس أن "البيداغوجية الديداكيكية"، (نجمع بين المفهومين جمعا بين المستوى النظري والتطبيقي) هي تحقيق ل"براغماتية التكوين". بالنسبة للبراغماتيين كبورس وديوي "المعرفة هي كيف نتفاعل مع حقيقة انطلاقا من فكرة ما" والمعرفة تنمو من خلال "الممارسة العملية"، فالتفكير في شيء يعود إلى مجموع "الانخراطات الفعلية" التي تعطي معنى للشيء المفكر فيه، ففي فلسفة التربية (الحقيقة لا توجد لكنها تظهر بالتدريج مع التجربة ولا يمكن أن نفصل فكرة عن شروط إنتاجها البشرية). ف"أن نعرف يعني أن نعمل"، أي إننا نؤثث الطابع الإجرائي للفعل الثنائي بين التجربة والتربية، لنجعل من الوضعية التربوية نقطة إلتقاء بين الفكر والحقيقة. "الديداكتيك المهنية": ديداكتيك المهنية هي خطة المكون لتنفيذ هدف التكوين، تضم الإجراءات والتدابير والأفعال والأنشطة التي يقوم بها لتبليغ المعارف والمهارات للمتدربين، بما يسمح بتنمية قدراتهم وتقوية شخصياتهم، وإدراك القيمة الاجتماعية للمهنة وبلورة مشاريع "الاندماج المهني"، كما تشمل طريقة التكوين تدابير ضبط الوقت وتوجيه التفاعلات وتوزيع المجموعات واستغلال الآلات والمعدات والحفاظ على السلامة الصحية ومراعاة خصوصية المتدربين واستثمار حافزيتهم. وعادة ما تتخذ هذه الديداكتيك طرقا للتكوين: الطرق العرضية: حيث يكون الإلقاء والعرض العملي. الطرق التفاعلية: يتم فيها التركيز على حل المشكلات والتطبيق العملي. ثم طرق الاكتشاف: حيث التداريب الميدانية. "الديداكتيكات المعرفية أو الاستراتيجية الميتامعرفية" و"الأداء المهني": في إطار علم النفس المعرفي هناك أطروحات تفسر الفروق الفردية في الأداء وتبرز العلاقة بين الذكاء والاستراتيجيات "الميتامعرفية". فالاختلافات بين الأفراد لا تعود إلى السرعة في معالجة المعلومات، بل إلى كيفية تشغيل الاستراتيجيات المعرفية والوعي بها. وقد حاولت بعض الأطروحات صياغة نماذج للمكونات المعرفية لاختبار الذكاء ك "المراقبة والانتباه والفهم والإدراك التكاملي والتشفير والمقارنة والاسترجاع والتحويل ثم استجابة التمثل..."، كما ترى فاطمة أحمد الجاسم 2010 من خلال بحثها حول "الذكاء الناجح والقدرات التحليلية الابداعية". ثلاثة مكونات لمعالجة المعلومات: R.J Sternberg ويطرح مكونات اكتساب المعرفة: تتعلق بالعمليات المعرفية المسؤولة عن التعلم وتخزين المعلومات في الذاكرة. مكونات الأداء: تشمل التشفير والاستنتاج والتطبيق. ميتامكونات: توجه مكونات الأداء ومكونات اكتساب المعارف وتقوم بالتخطيط والمراقبة والتقييم اثناء التنفيذ. هذه سيرورات تشكل، متضافرة، نظاما قويا يمكن أن يفسر الأداء المهني، وأي خلل يصيب إحدى السيرورات يؤثر على الأداء العام للمتدرب، ولا يعني ترتيبها أنها متوالية فقد تحصل بعض السيرورات بشكل متوازٍ أو بفارق زمني ضئيل نتيجة للمرونة التي يتميز بها الاشتغال الذهني للمتدرب. (العودة إلى مساهمة د عبد الله ازور تحت عنوان "التفاعل بين استراتيجيات التعلم وطرق التكوين وأثره على الأداء المهني للمتدربين". ضمن أشغال ندوة: استراتيجيات التعلم المرافقة المنهجية والدافعية ضمن منشورات التدريس 2015 جامعة محمد الخامس الرباط). أما "الأداء المهني" فهو نشاط يقوم به المتدرب أثناء تعلم المهارات المهنية أو إنجاز اختبارات ويختلف عن " نتيجة العمل"، كما جرت العادة أن نحدده، "الأداء" عامة هو التفاعل بين السلوك والإنجاز (أي نتائج قابلة للملاحظة والقياس وبدقة)، و"المهنية" ترتبط ب "الكفائية" التي يمتلكها المتعلم ويظهرها أثناء قيامه بالتعلم المهني، وتساعده على "الارتقاء المهني". ويسمى في مجال "علم نفس الشغل" ب"الأداء الوظيفي" وهو من أهم متغيرات العمل الذي تهتم به المؤسسات وتراقبه، فنجاح أي مؤسسة يعتمد على أداء موظفيها، وهو ما يسمى أيضا ب"قياس الأداء"، ف"الأداء يقوم على أساس معرفي ونتيجة العمل هي تحصيل حاصل ل"سيرورة أداء" ولحصيلة معرفية سابقة. ولتحديد الأداء معايير منها "المعايير الكمية" التي يسهل التعبير عنها كعدد الوحدات المنتجة أو الوقت المستغرق وهي ترتبط ب"مقياس الإنتاجية"، وهناك "المعايير التقديرية"، حين يتعذر استخدام المعايير الكمية، وهي أحكام تصدر عن الرؤساء الذين تتوفر فيهم الخبرة والمعرفة، (مثل صعوبة تحديد تصرفات الأداء القيادي أو الإشراف الناجح)، ونضيف "المعايير المعرفية" التي هي أصل كل المعايير وعليها يقوم "التكوين" و"المهنية" و"الأداء". أما بعد: إن "التكوين المهني" يقوم على "الأداء المهني" والأداء يقوم على "التكوين الذاتي" المرتكز بالأساس على "التكوين المعرفي"، فبدونه لا أساس لأي تكوين، ف"الذات تحدد طبيعة الأداء"، و"المعرفة تحدد طبيعة التكوين"، والتفاعل بينهما تحدده العلاقة بين "الديداكتيك المهنية" و"ديداكتيكات المعارف المهنية"، حيث تصبح "المعرفة" و"الميتامعرفة" هي الدينامية للكفايات والفاعلية الذاتية، تخلق "الحافزية المعرفية" في الأداء المهني، وتؤدي "الحافزية" إلى "التحفيزية"، ويكون الحزم الذاتي، والقدرة على الأداء والإبداع، والانفتاح على المحيط، والاستثمار الجيد للمهارات الذاتية عكس اللامبالاة التي تؤدي الى التصلب المعرفي، والتمثلات السلبية والوهمية وتؤثر على "التكوين" و"المهنية".