أثارت كل من الأرقام التي كشفها رئيس المجلس الأعلى للحسابات بخصوص تفاقم حجم المديونية في المغرب إلى مستويات قياسية، والتحذيرات التي أطلقها والي بنك المغرب حول مخاطر التوازنات المالية، غضب حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة. حزب رئيس الحكومة خرج على لسان رئيس فريقه في مجلس النواب، خلال جلسات مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2019، ليؤكد أن "الحكومة وضعت ضمن أولوياتها الحفاظ على التوازنات المالية"، قبل أن يشير إلى أن "السلبيات يتم تحميلها للحكومة بينما في المنجزات نشيد بالدولة"، في رد غير مباشر على تقارير المؤسسات الدستورية. الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، قال أيضا رداً على تقارير المجلس الأعلى للحسابات إن "المغرب تمكن بفضل الإصلاحات التي أطلقت خلال السنوات الأخيرة من الحفاظ على استقلالية قراره الاقتصادي في وقت كان يمكن أن يفقد سيادته الاقتصادية"، مؤكدا أنه "رغم الإكراهات المالية إلا أن نسبة المديونية متحكم فيها"؛ وهي التصريحات التي تخالف المنحى السلبي الذي أشار إليه إدريس جطو في عرضه أمام البرلمان. مصدر رفيع المستوى في المجلس الأعلى للحسابات أكد في توضيحات لجريدة هسبريس الإلكترونية أنه وفقا للاختصاصات الدستورية للمجلس فهو هيئة محايدة عن جميع الفعاليات السياسية، مضيفا: "نحن نصدر تقاريرنا وأرقامنا وكل جهة تقرؤها كما تريد". وأوضح المتحدث أن المجلس الأعلى للحسابات "لا يقول إنه يمتلك الحقيقة المطلقة، ولكنه يدق ناقوس الخطر انطلاقا من المهام الرقابية الموكولة إليه، وأيضا انطلاقا من الأرقام التي تؤكد أن المديونية ماضية في الارتفاع بشكل غير مسبوق". وتابع المصدر في تصريحه: "في سنة 2018 سترتفع مديونية المغرب كذلك، لأن العجز المتوقع باعتراف الحكومة نفسها سيصل إلى 3.8 في المائة، وليس 3 في المائة كما قيل"، وزاد: "من المنطقي أن تلجأ الحكومة أمام هذا العجز إلى المديونية". ونفى المصدر أن يكون المجلس الأعلى للحسابات يستهدف "حكومة البيجيدي"، قائلاً: "شرعنا في الحديث عن المديونية منذ سنة 2010 وإلى يومنا هذا، أي قبل قدوم البيجيدي، لأن مهمتنا قول الواقع كما هو". "مديونية المغرب، بما فيها الخزينة العامة والمؤسسات العمومية، ترتفع سنوياً ب55 مليارا"، يشرح مصدر هسبريس، الذي أكد أن هذه المعطيات تقر بها وزارة المالية والاقتصاد من خلال الأرقام الدورية التي تصدرها. وكانت تقارير المجلس اعتبرت أن تفاقم مديونية الخزينة، من خلال تزايد العجز والتوجه نحو الاقتراض، "مؤشر دال على فشل الأهداف التي رسمتها الحكومة بخصوص تقليص نسبة المديونية إلى 60% من الناتج الداخلي الخام في أفق 2021، وهو الأمر الذي يصعب بلوغه". وشدد المصدر على أن استمرار الوضع الاقتصادي للبلاد في المنحى نفسه يضع المغرب في مرحلة الخطر، موردا: "هذه المعطيات مقلقة ننبه الحكومة إليها وفقط وبكل موضوعية، ونترك الكرة في مرماها للقيام بخطوات عملية من أجل تقليص العجز"؛ وذلك ردا على ما تقوله الحكومة بخصوص تحكمها في المديونية. وتُبين معطيات المجلس الأعلى للحسابات، وفق المصدر ذاته، أن "المديونية إلى حدود سنة 2008 كانت تعرف تراجعاً سنويا، لكن بدأت في الارتفاع منذ سنة 2009؛ مع العلم أنه بين سنتي 2007 و2008 لم يسجل أي عجز في ميزانية الدولة، لكن مباشرة بعد 2010 شرعت مديونية المغرب في الارتفاع". وكان الخلفي أكد في الندوة الصحافية الأسبوعية أن تحذير المجلس الأعلى للحسابات من خطورة المديونية "مشروع"، مشيرا في المقابل إلى أن "الحكومة بذلت مجهودا كبيرا ضمن مشروع قانون مالية 2019 لتقليص مستوى المديونية بشكل تدريجي". تقارير قضاة المجلس الأعلى للحسابات أكدت أن حجم المديونية واصل منحاه التصاعدي خلال الفترة ما بين 2010 و2017؛ إذ انتقلت مديونية الخزينة من 384.6 مليارات درهم إلى 692.3 مليارات درهم، والمديونية العمومية من 534.1 مليار درهم إلى 970 مليار درهم، أي بتحملات إضافية بلغت 435.9 مليارات درهم، بمعدل يناهز 55 مليار درهم سنويا.