المشهد الأوّل: أمّي استيقظي، فشعاع الفجر الوليد حطّ على خاصرتي. ارفعي أهداب جفنيك المثقلين بالصّبر والكرامة، فسنونوّات الحيّ اصطفّت على الشّاطئ تنشد أسوار قرطبة. وتصلّيّ كي تخلوّ السّماء من بنادق إخوتي وترانيم المقبرة. أمّي استيقظي، و ازرعي يمناك فوق جديلتي المتعبة، وأمطريني ترانيما وسنبلة. لعلّيّ أنجو وسائر الرّفاق من ذلّ السؤال والمسألة. أمّي، هل تسلّل مصحف الموريسكي إلى حقيبتي أم تراك أنت الفاعلة. هل يكفينا الوحي لننجوا من بنادق إخوتي؟ أم ترانا نحتاج تعويذة غجريّة متقنة. أمّي استيقظي على مأدبة الزمن الأعرج، تركت كأس شاي باردة، وقطعة خبز مثل قلوب إخوتي قاسيّة. بلّليها بدموع الجيران هذا المساء كي تلين. و لا تُهيني تلك الأنفة وذاك الجبين. أمّاه اصبري، عساني أبلغ أفران قرطبة. أمّي، تحت مخدّتي بطاقتي الجامعيّة، وشهادتي، وطفولتي، وذكريات من الحبّ مجهضة. فانثريها قمحا لزُغب الحمام القادمين. أمّي اتركي موانع الحمل ما استطعت سبيلا، عسى السّماء تجود بالرّجال بدل ذكور مخنّثين. أمّي، ناوليني بعضا من زينتك، وزفّيني عروسا، حتّى لا يقسو عليّ البحر، أويضيق بي، كما ضاق برّه بأحلامي. المشهد الثاني: أنا موريسكيّة. أنا ابنة هذا البحر أنا ابنة هذا البرّ فلا تقلقوا رحلتي و راحلتي. خلّوا الطّريق بيني وبين أسوار قرطبة. أيّها المدّ الأزرق لا تكن طويلا كجوعنا. أيّها المدّ الأزرق لا تكن أجاجا كبئرنا. أيّها المدّ الأزرق لا تكن عميقا كجرحنا. أيّها المدّ الأزرق لا تكن باردا كأقدام الصّبية في الأطلس. و لا تكن أزرقا تماما كجفوني المتعبة. نبتون يا إله البحر أسروا بلوتو في أرضنا وصلبوا سيريس في حقول قمحنا نبتون يا إله البحر كن رحيما بأحلامي كقلب العذراء واعرج بي إلى تاريخ قرطبة، دون الحاضر المدنّس. إلهي يا ربّ هذا البحر لاتُجفل فرس أمّي في صدرها هذا المساء. إلهي يا ناصب هذه الأرض ورافع تلك السّماء. أنظر ها قد افترشت الرمل الرّطب على ظهرهذا الزورق. ودثّرت جناحيّ بالهواء المالح والعنبق. هذا قلبي يشاكس الأفق. باحثا عن أسوار قرطبة، خلف الأفق الأزرق. يمناي تصلّي على الهادي محمّد، ويسراي تمسّح على يسوع الزورق. أخي يا كبير الصّيّادين لا تكشّر عن رصاص بندقيّتك فإنّي أراها وأراك من بطن الزّورق تركت أمّي في محرابها تدعو لي ولك، فلا تكدّر صفوها هذا الغسق. تركتها جائعة البطن، جافّة الحلق. لكنّ نخيل كرامتها باسق يملأ الأفق. يا أخي يا كبير الصّيّادين هؤلاء أنت بجانبي على الزورق وهم أنت خلف الزّناد أمّي أمّك وأمّك أمّي وأمّهم أمّنا أنا وأنت فلا تطلق. لا تدمي قلب الأم أينما وجدت لا تقترب من أسوار الخطيئة قابيل لا تفسُق. لا تدع سبّابة الصّلاة تعانق زناد الخراب. أنا لست عدوّتك، ولا أنت عدوّي، كن رحيما بقلب أمك فلاتطلق. طلقة أولى: أخي يا رديف الموت أنا أفزع من مفرقعات الحسين فلا تمزّق كبد البحر بأزيز رصاصك. طلقة ثانيّة: أخي يا رديف الموت لا تكن أبرد من العدوّ وأكذب من التاريخ وأقسى من خبزنا على الطاولة. لا تطلق النّار على نفسك ها هنا فوق الزّورق. فهذا أنت هنا، وهو أنت هناك، فلا تطلق. طلقة ثالثة: أخي يا كبير الصّيّادين لم تُأبّنّا في عرض البحر و تعزف على أسماعنا ألحان الموت الأزرق؟ هل ضقت ذرعا بنا؟ بأحلامنا؟ أم بأحلامك؟ طلقة رابعة: أنا لا أطرب لأنين الأرواح وهي تمضي مسرعة نحو السّماء، فما بال بندقيّتك تلحّنه بغِلّ على جنبات الزورق؟ طلقة خامسة: أخي يا كبير الصّيّادين أنا سنبلة خضراء و لا أعشق الأحمر القاني، فلا تنثره فوق صدري، وصدرأحبابي. لا تتلاشى كحبّة الزيتون في المعصرة. أخي يا رديف الموت يا من استأمنته على دمي توقّف لا تغادر، مازال في سنبلتي دم فار بندقيّتك مااستطعت وخذ خلفك باب المقبرة. أخي يا رديف الموت ارمني في عرض هذا البحر، فهو أرحم منك، أرحم من أرضنا، وأرحم من ذلّ السّؤال والمسألة. اجعلني وليمة للبحر لعلّيّ أنبت في قلبه مرجانا وأعيش فوق جيد الظُّلم قلادة ومشنقة. لعلّيّ أولد غيمة في أيلول، وأسقط مطرا على وجه أمّي وأمسح دموعها المرسلة. أخي يا رديف الموت توقّف لا تسكت هدير الموج في قلبي، لا تأخذ ضوء الشّمس من عيني، لا تدثّرني ببرودة دمك، فبرودة الموت تكفيني. طلقة سادسة طلقة سابعة تطوان يا حمامة بيضاء. لم لم تُمسي غرناطة أو قرطبة؟ تطوان ما أروعك من السّماء وما أقساك فوق الأرض لم لا تكوني قرطبة؟ المشهد الثالث: خذي زينتك كاملة يا ابنتي، وطيري عروسة بيضاء إلى مملكة الربّ، إلى عنان السماء. وانتقي ما شئت من الفرسان، ولا تلقي بالا للعرق، للّغة، للتّاريخ، فالأحرار هم الحريّة؛ منذ اللّاتاريخ. رافقتك السلامة يا ابنتي؛ و كوُني كما أنت مورسكيّة ناصعة الكرامة. موريسكيّة حادّة الشرف. موريسكيّة وافرة الصّبر، كبنادق الصّيّادين. موريسكيّة رحيمة كأمطار الصّيف. موريسكيّة بكامل أنوثتها،وعزّتها؛ وحرّيتها. حياة يا طفلة نسجت كراريسها من إبر الصّنوبر. حياة يا عروسة حُرمت زفّتها. حياة يا نورسة سلبت منها الحياة. حياة يا عدلا ينبت في السّماء. حياة ناوليني جديلتك لأنسج أسوار قرطبة بعيدا عن البحر وقرطبة. حياة دعيني أغرف من دمك لأروي زهور الأمل في مدينتنا وأطفئ ذلّ السؤال والمسألة حياة افقئي عينيك وعلّقيهما على مدخل تاريخنا قناديل ملهمة حتّى لا يرخص دمنا حتّى لا يذبُل عزُّنا حتّى لايطول جوعنا حتّى لا يزهر جهلنا حياة افعلي حتّى لا يعاد تدويرنا كالنّفايات في المطحنة. حياة افعلي حتّى لا تستباح أحلامنا على جدار المقصلة. وطني يا بلادا قاسيّة على عاشقيها. وطني يا أرضا رحيمة بناهبيها. وطني ليس لنا إلّا أنت وليس لك إلّا نحن فلا تنزلق بنا نحو المجهول لا تلق بنا في عرض البحر لاتكسر عظام أقلامنا لاتسيّج أحلامنا بالأسلاك الشّائكة لا تدفن خبزنا تحت الرّماد الأسود وطني كلانا في نفس الخندق فأوقف النزيف واسدل السّتار عن المهزلة. شنغهاي في 30 سبتمبر 2018