إلى أطفال هسبريس، وإلى كل من في قلبه شيء من طفولته، لا يفارقه أبدا.. زرقاء البحر فتاة يتيمةُ الأب وطيبة، تسكن في جزيرة نائية، كل ما فيها سحريٌ وجميلٌ. يوميا تخرج زرقاء البحر لصيد السمك، لتُوفر الطعام لأمها وإخوتها، ذات يوم شعرت بثقل في شِباكها؛ لعلَّها سمكة كبيرة ساقها الحظ إليها. نعم نعم هاهي ذي تتلوى، وتتألم. حينما حاولت زرقاء البحر الإمساك بها لاحظت دُموعا بعينيها. ماذا؟ أتبكي الأسماك، كما نبكي نحن الأطفال؟.. ما أن اقتربت منها كثيرا حتى سمعت أنينا خافِتا، وصوتا سَمَكِيَّا عذبا يقول: يا زرقاء البحر، اقتربتُ منك كثيرا، لأنني أحبك، فوقعت في شِباكك. أنا الأميرُ الصغير ابنُ ملك اللُّؤلؤ، وهو صاحبُ مَملكةٍ كبيرة في أعماق البحر. إن أرجعْتِني إلى البحر، حوَّلت كلَّ دموعِك إلى لؤلؤ، فتُصبحين من أغنى سكان الجزيرة. ما إن تهبط دمعة من عينيك الجميلتين حتى تصير حبةَ لؤلؤ. ضحكت زرقاء البحر، وقالت: أنا أشفقُ عليك، وأعيدك إلى البحر؛ ولا داعي للكذب، سواءً كنت أميرا أو مجرد كائن فقيرٍ مثلي. وما إن غاصت السمكة في الماء، من جديد، حتى نسيت زرقاء البحر ما سمِعته، وواصلت الصيد، وهي تفكر في إخوتها؛ لكن هذا لم يمنعها من التَّعجب: رباه للأسماك دموعٌ؛ ألا يكون البحرُ كله من دموعها؟ وهي تكذِب أيضا كالأطفال الأشقياء. عادت زرقاء البحر إلى كوخ الأسرة، وواصلت حياتها السعيدة لأيام، دون أن تبكي؛ وهل يبكي الإنسان السعيد؟..حينما عادت مرة أخرى إلى البحر، بزورقها الأزرق الجميل، كانت قد نَسِيت تماما حكايةَ اللؤلؤ..لاحظت اضْطراب البحر، ورغم ذلك تشجعت وواصلت، وهي تفكر كيف أن هذا الغول الأزرق التهم ذات مرة والدَها. اشتد اضطراب الموج، وبدأ صوت الرياح يُسمعُ كالعويل..رفعت بصرها الى السماء تدعو الله أن يُنْجيها، فلاحظت أسرابا من الطيور فوقها؛ بدت لها قلِقةً، تكاد تصيح، وهِي تحلق فوقها. أخافها المنظر، خصوصا حينما التفتت وراءها، ولاحظت أن سُحبا كثيفة حجبت الجزيرة عن الأنظار. وبكت زرقاء البحر أخيرا، رغم شجاعتها؛ وسالت من عينيها دموعٌ حارة، حينما تذكرت أخوتَها وانتظارهم لها. ما هذا الذي يحدث؟ آاااااااااااااه حبات صلبة تُصيب أنفها، وتسقط في قاع الزورق. فكرت في البَرَد، وفي مؤخرات الطيور فوقها؛ ولم تُفكر أبدا في الأمير واللؤلؤ. يتواصل سيلان الدموع، ويتواصل هذا الذي يتلاحق سقوطه في الزورق؛ تتحسس حباتٍ منه، وتفْحصه على ما تبقى من نور الشمس. رباه إنه لامع لامع. آه أيها الأمير سامحني إن كذَّبتك، كما أكذب دموع أخي الصغير، لأنني أعرف أنه يضحك في قلبه. ملساءٌ ولامعة، آه يا لؤلؤ، أخيرا تحقق حلمُ الوالد، الذي كان يمني نفسه دائما بالعثور على صَدَفةٍ كبيرة، بها لؤلؤة ضخمة، تُنهي فقره. الآن تلاحظ أن الزورق يكاد يمتلئ، وتشعر به يغوص تدريجيا في الماء. رباه تصيح زرقاء البحر: هل أفرح للؤلؤ أم أبكي لاقتراب غرقي؟ هل ينتقم مني الأمير بهذه الكيفية السعيدة؟. يقترب سربٌ الطيور كثيرا من رأس زرقاء البحر، ثم يشرع في التقاط حبات اللؤلؤ وإلقائها في الماء. يأتي سرب آخر للمساعدة؛ هاهو الزورق يَخِف تدريجيا، وهاهي الدموع تَكفُّ، كلما خف الزورق أكثرَ. وزال كل الخطر بعودة كل اللؤلؤ إلى البحر..بعيدا في السماء بدت الطيورُ وكأنها تؤدي رقصة النجاة. حتى الشمس عاودت الظهور من جديد؛ وهاهي الجزيرة تُلَوِّح بأشجارها، فرحة لنجاة زرقاء البحر. حينما لاحظت ثقل الشباك من جديد تساءلت: رباه هل غفوت؟ هل كنت أحلم؟ هل رأيت حقا الأمير الصغير ابن ملك اللؤلؤ؟. أرادت أن تسأل الطيور، لكنها بدت لها بعيدةً، بعيدة في السماء. إن النجاة، بسمكات قليلة لغذاء الأسرة، أفضل من الغرق بكميات كبيرة من اللؤلؤ. فجأة تنادي الوالدة من ركن المطبخ في الكوخ: أقبلي يا زرقاء البحر، أنظري إلى هذا الشيء، ما أنصع بياضه ولمعانه؛ لقد وجدته في جوف السمكة الكبيرة. تصيح زرقاء البحر: رباه لم أكن أحلم. ماذا قلت يا زرقاء: لا لا لم أقل شيئا. وهل تُخبر أمها، وإخوتها، بما جرى لها في البحر؟ من سيصدقها؟.. تنظر إلى أحشاء السمكة فتتذكر الأمير. لا لا هذه مجردُ سمكةٍ عادية جدا. حضر كل سكان الجزيرة الصغيرة لرؤية لؤلؤة زرقاء البحر. قال شيخ كبير: رحمك الله يا أسد البحر؛ كم كنت تحلم بهذا اليوم. ردت زرقاء البحر: رحمك الله يا والدي؛ هاهو حلمك يتحقق. حضر من اشترى اللؤلؤة، وبعد مدة رحلت الأسرة إلى منزلها الجديد والجميل. واصلت زرقاء البحر صيدها، ولم تنس أبدا أن تحيي الطيور وهي تحوم حولها. حينما ينتهي الحلم تبدأ الحقيقة.