بحثٌ متواصل عن سبل إيجاد صيغة توافقية بين أطراف نزاع الصحراء، يباشره المبعوث الأممي هورست كولر، فبعد إرساله لدعوات رسمية قصد الجلوس للطاولة، تجد الصيغة المتضمنة في الدعوات التي جاءت على شاكلة "مباحثات من أجل أرضية توافقية بين جميع المعنيين" صعوبة في التجاوب أمام التشبث الصارم لكل الأطراف بمواقفها التقليدية. فأمام احتفاظ جبهة البوليساريو بموقف "تقرير المصير" الموروث عن إرهاصات الحرب الباردة، وفي ظل تعنت الجزائر واعتبارها مجرد ملاحظ في الملف، سيجد كولر نفسه مسيجا بانعدام الرغبة في حل الملف، الذي يرفض المغرب أن يعود إلى التفاوض بخصوصه سوى بتحديد الأطراف المعنية والمباشرة في القضية، وتتقدمها الجارة الشرقية الجزائر. ويشدد المغرب على أنه لا يمكن تقديم مقترح أكثر توازنا من "الحكم الذاتي"، الذي يعتبره أرضية للتفاوض مع جميع الأطراف؛ وهو ما يضع المبعوث الأممي أمام سيناريو لقاءات روتينية عادية بعيدة عن الجلوس المباشر، في سياق حالة "الموت السريري"، التي تعيشها البوليساريو، ومحاولتها إعادة الانتعاش من خلال ورقة المفاوضات. وفي هذا الصدد، أوضح محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، أن "هناك ضبابية وصورة غير واضحة بخصوص ما دعا إليه المبعوث الأممي؛ فالجزائر تروج للمفاوضات والمغرب لا يزال صامتا، وهناك أصوات أخرى أسمتها مباحثات"، مرجحا أن "تكون اللقاءات شبيهة بما حدث في لشبونة، حيث ستعقد لقاءات منفردة، نظرا لتباعد الرؤى". وأضاف الزهراوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه "من الصعب إحياء المفاوضات في ظل الشروط الحالية؛ فالتجارب السابقة أثبتت فشلها، بحكم استبعاد الجزائر من المفاوضات المباشرة، على الرغم من أنها طرف رئيس في النزاع وفق العديد من المؤشرات والمنطلقات". وأردف المحلل السياسي أن "المبعوث الأممي يكرر نفس أخطاء سابقيه وينطلق من نقطة الصفر؛ فكل تحركات كولر لن يكتب لها النجاح سوى بتحديد أطراف النزاع الحقيقية، وتتعلق أساسا بالجزائر التي تظل طرفا رئيسيا، مقارنة مع جبهة البوليساريو التي لا تمتلك أبسط شروط الاستقلالية والقرار". وأكمل المتحدث أنه "بات من غير المقبول أن تطرح داخل المفاوضات أمور غير واقعية تتعلق بالسيادة، خصوصا أن المغرب يمارس سيادته في صحرائه منذ ما يقارب الأربعة عقود"، لافتا إلى أن "هذا الأمر خلق واقعا وبيئة اجتماعية وثقافية وسياسية مغايرة بالمنطقة، كما أن التركيبة السكانية عرفت تحولات بنيوية وثقافية أعادت تشكيل هوية المنطقة". وبخصوص تحركات كولر، قال الزهراوي إن "المبعوث الأممي يحاول إيجاد أرضية لانطلاق المفاوضات وجس نبض مختلف الأطراف بخصوص الصحراء. كما أنه يبحث عن الضغط على المغرب الذي يرفض الجلوس بشكل مباشر مع جبهة البوليساريو، بتحديد تاريخ ومكان اللقاء ومهلة الجواب، في محاولة لتعليق فشله على المملكة". وختم أستاذ العلوم السياسية تصريحه قائلا: "المغرب مطالب بفرض أجندة وتصور جديد لإقناع مجلس الأمن بأن المفاوضات ما هي إلا تكرار للفشل وتضييع للوقت، كما ما جرى سابقا".