رئيس وزراء قطر يؤكد التوصل لاتفاق بين إسرائيل وحماس لوقف إطلاق النار في غزة    شان 2024: المغرب في المجموعة الأولى إلى جانب كينيا وأنغولا والكونغو الديمقراطية وزامبيا    الداكي: افتتاح السنة القضائية.. التأهيل المؤسساتي والبشري مدخل أساسي للرفع من نجاعة الأداء    تساقطات مطرية مرتقبة بالريف والواجهة المتوسطية    الحسيمة.. أب يهاجم اساتذة واطر إدارية بعد "تعنيف" ابنه    العدوي: لم يتم اعتماد أي استراتيجية تخص النجاعة الطاقية واقتصاد الطاقة لم يتجاوز 5,8 في المائة من أصل 20 المائة المطلوبة    كأس إفريقيا للمحليين... المنتخب المغربي في المجموعة الأولى رفقة كينيا وأنغولا والكونغو الديمقراطية وزامبيا    في مستوى الفئات العمرية التي تفوق 15 سنة فقط.. 7 ملايين و478 ألف مغربي أمي خلال سنة 2024    شركة إسبانية تفوز بعقد دراسة انجاز نفق الربط بين المغرب وإسبانيا بقيمة 6 مليارات يورو    خدعوا الشعوب بالكفاءات التكنوقراطية لاستبعاد الأحزاب،،لا أقل ولا أكثر: (؟!!! )    الجزائر تزداد عزلة دوليا: مواقف النظام تجاه تركيا والقضية الكردية تكشف هشاشة سياسته الخارجية    استنفار وسط مدارس طنجة لتعزيز التلقيح ضد "بوحمرون"    غليان في قطاع الصحة.. إضراب وطني ووقفات وتهديد بتصعيد غير مسبوق    مخاطر الإرهاب تجمع المغرب وإسبانيا    قبيل شهر رمضان.. حماية المستهلك تدعو لتخفيض الأسعار ومواجهة الوسطاء    فرق الإطفاء تنجح في إخماد حريق بغابة "أغاندرو" في الحسيمة    موجة برد وتساقطات ثلجية تهم عدة مناطق بالمغرب من الأربعاء إلى السبت    حاملاً رسالة إلى الملك.. مباحثات تجمع وزير خارجية غامبيا وبوريطة بالرباط    أنغام زورا تانيرت تعيد الحياة لذكريات شهداء زلزال أكادير    تسجيل إصابة 79 نزيلة ونزيلا بداء "بوحمرون".. وسجن طنجة في المقدمة    العدوي: يتعين الحفاظ على مجهود الاستثمار العمومي    الرباط .. الصناعات الثقافية والإبداعية وتحديات التحول الرقمي في صلب أشغال الدورة ال24 لمؤتمر وزراء الثقافة العرب    حكيمي يؤكد لأول مرة حقيقة تسجيل أملاكه باسم والدته    مصرع امرأة في العرائش بعد اندلاع حريق داخل منزلها    انطلاق مهرجان آنيا تحت شعار "الناظور عاصمة الثقافة الامازيغية"    بعد أخبار مصرية حول تأجيل كأس أفريقيا للأمم.. الجامعة الملكية المغربية توضح    الرباط.. مؤتمر حول مكافحة الإرهاب والأمن البحري على طول السواحل الإفريقية الأطلسية    تسجيل نمو ملحوظ في المبادلات التجارية بين المغرب وإسبانيا في سنة 2024    "تضخيم أرباح" يورط مستوردين مغاربة في شبهات تبييض أموال    "بوحمرون" يقتحم أبواب السجون المغربية وينتشر بين المساجين    العدوي تقدم عرضا أمام مجلسي البرلمان حول أعمال المجلس الأعلى للحسابات برسم 2023/2024    أخنوش يترأس حفل بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة 2975    الفنان ياسين احجام يروج لشخصية المعتمد بن عباد    انتشار "بوحمرون" في 13 مؤسسة سجنية: تسجيل 79 إصابة و27 حالة شفاء    3 آلاف شرطي يعتقلون رئيس كوريا الجنوبية المعزول    غياب مدرب الجيش الملكي عن مواجهة صن داونز بعد خضوعه لعملية جراحية ناجحة    تداولات الإفتتاح ببورصة الدار البيضاء    فاروق لايف: التغيير بدأ قبل حملة التنمر وسأجعله مصدر إلهام للآخرين    اختيار جامعة محمد السادس لقيادة قطب الاستدامة بمنتدى مستقبل المعادن بالرياض    استثمارات خليجية تنقذ نادي برشلونة من أزمته المالية الكبرى    نادي مولنبيك البلجيكي يتعاقد مع بنجديدة على سبيل الإعارة    اليوبي: الوضعية الوبائية "عادية" وفيروسات الموسم مألوفة لدى المغاربة    تسجيل 25 إصابة بداء بوحمرون في السجن المحلي طنجة    الاتحاد العام للصحفيين العرب يجدد دعمه للوحدة الترابية ولسيادة المغرب على كامل ترابه    بلقصيري تحتفي بالكتاب الأمازيغي والغرباوي في "آيض يناير"    إيض يناير 2975: الدار البيضاء تحتفي بالتقاليد والموسيقى الأمازيغيين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    للمرة الثانية.. تأجيل إعلان ترشيحات جوائز الأوسكار بسبب حرائق لوس أنجلس    مؤتمر إسلام آباد يدعم تعليم المرأة    العاهل الإسباني يؤكد على الطابع الخاص للعلاقات مع المغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    أرسنال يفتقد خدمات مهاجمه البرازيلي خيسوس بسبب الاصابة    لجنة الأوراق المالية الأمريكية ترفع دعوى ضد إيلون ماسك بسبب "تويتر"    العيون تحتفل بحلول "إيض إيناير"    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيلان .. تجربة تشكيلية تلامس الحداثة والمعاصرة
نشر في هسبريس يوم 30 - 09 - 2018

الحسين إيلان؛ فنان تشكيلي مغربي اختار أن يشق طريقه في التشكيل عبر إبراز علاقة الجسد الأنثوي بالثقافة والذهنية المحافظتين. وهو ما يدفعنا إلى قراءة منجزه كتجربة فنية تنخرط في الالتزام بمعالجة قضايا المجتمع، وهي فكرة لا تخلو من انشغال بالطلائعية الفنية، رغم أننا نعيش اليوم زمن تراجع هذا الإنشغال. لكن أعمال إيلان المتأخرة تتسم أيضا بالعديد من الخصائص التي تحيلنا على تجربة تشكيل معاصر، منفتح على أساليب تشكيلية مابعد حداثية. ومن هذا المنطلق تتبين صعوبة تصنيف أو إرجاع هذه التجربة الفنية إلى توجه أو أسلوب قائم بذاته سلفا، فالتيمة قد تبدو لنا ذات ملمح حداثي، بينما الأسلوب يفتحنا على تجربة مابعد حداثية. فأي قراءة ممكنة لهذه التجربة؟
تحكي أعمال إيلان المتأخرة عن مرحلة جديدة في مسيرته التشكيلية، تخبرنا عن ترحاله بين المدن بحثا عن الطين والأتربة التي يصنع منها الفخارون الخزف ( طين فاس، آسفي، مراكش، ورززات...)، وتجده يجمع القطع من حرفيي الزليج والجبس، ليعيد في الأخير توطينها داخل لوحة تشكيلية، فيمنحها نفسا جديدا ووظيفة مختلفة عما صنعت من أجله في الأصل.
وإن كان هناك من تقابل بين الحِرفة والفن؛ فإن إيلان من الفنانين الذين يكسرون هذا التقابل، لكن ليس من باب إسداء المعروف للصناعة التقليدية أو التغني بمنجزها، كما أن توليفه هذا ليس من باب الانخراط في تصور جمالي قد ينتسب إلى تقليد مدرسة الباوهاوس Bauhaus، بل إن هذا التوليف ينخرط أساسا في إزالة الطابع السحري عن التراث ورموزه.
إن قطع الزليج المغربي وطين الخزف والجبس البلدي؛ و إن كانت في الأصل موادا تراثية ذات طابع حرفي في الثقافة المغربية- تستعمل أساسا في الصناعة التقليدية في المعمار وتزيين الفضاءات- فإنها مع ايلان أصبحت تأخذ طابعا تشكيليا فنيا دون أن يلغي طابعها الفلكلوري، كون هذا الطابع مهما للتعبير عن الإحراج الذي ما فتئ يسقط فيه المجتمع في تمثله للجسد، لأن هذه المواد تنعش مخيلة المتلقي ليستحضر عبر ذاكرته البصرية الأمكنة والفضاءات التي تحتضن وتحاصر في آن الجسد في الثقافة المحافظة، بما فيها المسجد، والرياض والحريم والحمام... وكل الفضاءات التي لا تزال مسكونة بالتراث لا فقط من حيث أشكاله ورموزه، بل كذلك ذهنيته و مكبوته اتجاه الجسد.
هذا ما يقودنا إلى القول: إن الفنان لا يستحضر الزليج والجبس والفخار ليحتفي به، أو ليمتدحه. لأن ذلك ليس همه في الأصل، إنه ليس صانعا حرفيا. بل يستحضره ليستنطقه، ليجعله يعترف على السند وأمام المتلقي حول ما كان يضمره من اشتهاء وحنق على الجسد.
وإذا كان إيلان لا يستدعي الجبس أو الفخار أو الزليج ليحتفي من خلاله بالهوية ، بل ليسائل مكنونه اللامرئي واللامفكر فيه، فهنا تحديدا تتفرد تجربته على المستوى التشكيلي، خصوصا عندما نذكر أنه ليس السباق إلى توظيف المواد الطبيعية والتراثية في التشكيل المغربي (النحاس، الجلد، العرعار، الحناء...)، فمع إيلان لم تعد وظيفة هذه الرموز والمواد الدفاع عن الهوية والاحتفاء بالتراث، بل تقويضه وتفكيك بنيته الداخلية للكشف عن المستور واللامرئي فيه.
هذا ما يفسر كون لوحات إيلان المتأخرة تتشكل من عناصر ومنتوجات حرفية مُسبَقة الصنع ready-made. إن خاصية عمله المائزة إذن تكمن في كونه يحافظ على شكل المادة التراثية عندما يدمجها في اللوحة دون أن يضطر إلى إعادة تشكيلها، لكنه يعيد تشكيل معانيها. حضور العناصر الحرفية داخل اللوحة - بكبر حجمها وثقل وزنها – يجعل اللوحة تتخذ شكل المنشأة Installation art، كما أننا نجد أن النحت أيضا يحتل فيها حيزا مهما، وهو ما يكسر رتابة التقليد الذي يفصل بين أشكال التعبير الفني وكذلك نوعية الأسندة التي تتم عليها الممارسة الفنية، لذلك نلمس في تجربة إيلان أنه لا حدود بين المنشأة واللوحة والمنحوتة، كما نكتشف إمكانية الدمج بينها جميعا في عمل فني واحد.
الأسلوب التشكيلي الذي جاءت به أعمال إيلان في مرحلتها الأخيرة، له صبغة خاصة، إذ لا يمكن تصنيفه في التشخيص كما لا يمكن حصره في التجريد، لكنه يوظف الأسلوبين معا بطريقة تعتمد على الإيحاء بالرموز، فعندما تلتقي رموز الجسد، متمثلة في أعضائه الشبقية، برموز التراث الثقافي للمغرب، متمثلة في الزليج والطين والجبس، داخل العمل الفني، يحصل صراع ضمني يجسده الفنان من خلال التقابل الواقع بين الجسدي والمعماري. الجسدي المفعم بالحياة والمعماري المحنط الذي يسعى جاهدا إلى تحنيط الجسد وتجميده.
لكن رغم الغنى الأسلوبي والتقني الذي تعرفه أعمال إيلان الفنية، فالرهان الإستيطيقي يظل مرتبطا بالسؤال: كيف يمكن أن نولد الجمال عبر تجسيد الصراع أو الإقصاء؟ وهل يكفي أن يروي الفنان قصة هذا الصراع للمتلقي ويحدثه عن شخوصه عبر اللوحة؟ ألا يقوم الفنان هنا بدور الحقوقي أو القاضي؟ ربما قد لا يراهن الفنان دائما على الجمال، وقد يكون رهانه على العكس من ذلك منشغلا بإظهار مكامن القبح في واقع ما، لكننا نرى رغم ذلك أن ثنائية الصراع بين التراث والجسد لا تخلو في الحقيقة من جمالية. وإذا شئنا القول فهي ثنائية صراع بين جمالين: جمال محتفى به في التراث، وجمال آخر مقصي ومنبوذ من طرف التراث. لكن حتى يفصح الصراع عن جمالياته لابد من حكي تدور فصوله داخل العمل الفني وليس خارجه. لذا فهو حكي تشكيلي بواسطة الرموز يحتاج إلى التفكيك والحفر في الدلالات للوصول إلى ما وراء الطين الزليج والجبس وما وراء الثدي والفرج والخصر...
يصور هذا الحكي التشكيلي ذهنية ذكورية توثر جمال الجدران والأسقف على جمال الجسد. وهو إبراز للفارق القائم بين المرئي واللامرئي في فضاء التراث. بين ما يجب أن يخرج إلى النور لنحتفي به ونتباهى بامتلاكه، وبين ما يجب أن يتوارى في الظلام ونستره حتى لا يطيح بكرامتنا. لكن الحكاية لا تتوقف هنا، حتى لا يكون العمل الفني مجرد حكي يسرد ما كان ومازال، لا يفوت الفنان عبر عمله الفرصة ليقلب موازين القوى لصالح الجسد حتى ينتصر على القوى الذكورية المحافظة بكامل مرجعيتها وسلطها : الدينية، الاجتماعية، القانونية... ولو كان ذلك داخل إطار اللوحة التشكيلية فقط. اذ للجسد كذلك آلياته وسلطه التي ليست إلا الجسد نفسه، الجسد المغري، الغاوي، بأشكاله الجميلة و المشحونة بالغريزة التي لا يمكن تجاهلها مهما بلغ الفضاء من مستويات التنزيه وتصنع الطهرانية. ليست جمالية الزليج وزخارف الجبس والفخار التي تملأ الفضاءات إلا أشكالا للتسامي المزعوم أو تعويضا عن جمال آخر مقصي من مجال الرؤية. رموز التراث بهذا المعنى تحوي الجسد وتحيل عليه بقدر ما تستبعده وتعوضه.
يمكننا أن نخلص من خلال هذه الوقفة، إلى أن الحضور المربك لسمتي الحداثة ومابعدها في تجربة إيلان التشكيلية، يحيلنا في حقيقة الأمر على تصور الفنان للوضع الذي تعيشه الذات في المجتمعات التي لم تحسم بعد الاختيار في الإنتماء؛ إما إلى الحداثة أو إلى نقيضها. وعلى هذا الأساس قد يسعفنا منجز إيلان التشكيلي في إعادة التفكير في وضعية مجتمعاتنا الهجينة، التي تريد أن تسير قدما نحو المستقبل بقدر ما تريد أن تبقى مشدودة إلى الماضي.
* باحث في الجماليات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.